هل “تفركش” طهران “العرس” السوري؟

مدة القراءة 6 د

إيران أمّ العروس في سوريا، وهي غاضبة لأنّ أهل العريس في موسكو وأنقرة وواشنطن لا يصغون إلى ما تقول وتريد، فتحاول جاهدة “فركشة” العرس كي لا تخرج منه “بلا قرص”.

ملعب إيران الضيّق

يقول كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي إنّ “القضايا السورية لا يمكن حلّها بسهولة من دون إيران”. ويضيف أنّ بلاده “ستشارك في جميع القضايا المتعلّقة بالأزمة السورية، كما كانت من قبل، وستستمرّ في المستقبل”، كما لو أنّها تمريرات طويلة في ملعب ضيّق.

تشعر القيادة الإيرانية، وهي محقّة، بتشكُّل تحالف إقليمي تلقائياً بلا تنسيق ولا إعداد مسبق، تجمعه المصالح، ويستهدف نفوذها ودورها في سوريا والمنطقة. لذلك تحاول الضغط على أكثر من جبهة وفي أكثر من اتّجاه.

ما الذي يدفع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى تخصيص 90 دقيقة من الحوار مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في مقرّ حزب العدالة والتنمية الرئيسي بالعاصمة التركيّة؟

حتماً المسألة أبعد من الإعداد لزيارة الرئيس الإيراني المرتقبة لتركيا. والأهمّ هو:

– بحث أسباب تراجع أرقام العلاقات التجارية وصادرات الغاز الإيراني في العامين الأخيرين.

– مناقشة سبل التقارب التركي – الإيراني في جنوب القوقاز وفرصه.

– محاولة إقناع إردوغان ووزير خارجيّته مولود شاويش أوغلو بالتخلّي عن ظنّهما أنّ “إيران تسعى إلى تقسيم العراق وسوريا، وتتصرّف من منطلقات عرقية لنشر التشيّع في البلدين”، حسبما ردّدا لسنوات.

من جهة أخرى، يدعو عبد اللهيان دمشق إلى أن تعلن أنّ أنقرة هي من بادرت إلى مراجعة سياستها السورية وانفتحت على بشار الأسد، ويطلب من النظام في دمشق ألا يتسرّع، بل أن يتريّث في انتظار خروج تركيا من الانتخابات المقبلة، ومعرفة نتائجها. مع ذلك ينجح في انتزاع زيارة خاطفة لأنقرة للقاء نظيره التركي مولود شاويش أوغلو الذي كان يحزم حقائب سفره إلى واشنطن.

لماذا يقدم الوزير التركي على خطوة من هذا النوع وهو الذي كان يتابع وقائع المؤتمر الصحافي المشترك بين عبد اللهيان ونظيره السوري فيصل المقداد في دمشق وحديثه عن شروط ومطالب سوريّة لا بدّ منها قبل إنجاز أيّ تفاهمات مع أنقرة، يتقدّمها انسحاب القوات التركية ووقف دعم تركيا مجموعات المعارضة في شمال سوريا والتنسيق مع دمشق لمحاربة المجموعات الإرهابية؟

 

أرق وخيبة إيرانيّان

يتّضح مرّة أخرى أنّ مسار العلاقات التركية – الإيرانية يتقدّم تحت تأثير الملفّات الإقليمية ولعبة التوازنات التي تتشكّل، أكثر منه تحت تأثير الخيارات والقرارات الثنائية للبلدين. وتتأكّد إيران يوماً بعد آخر من وجود تقارب وانفتاح إقليميَّين ضدّها، بهدف قطع الطريق على سياستها المعتمدة منذ سنوات طويلة، والتي تقوم على الاستفادة من الخلافات والتباعد وتضارب المصالح بين دول المنطقة التي منحتها فرص تسجيل اختراقات سياسية وأمنيّة وقطف الكثير من الثمار. هذا هو الدافع الأول الذي حمل عبد اللهيان إلى العاصمة التركيّة على عجل.

هناك أيضاً حقيقة أنّ إيران تعيش خيبة أمل من تركيا، بعدما عرضت تقديم خدمات التوسّط بين تركيا وسوريا عبر وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته تركيا قبل 6 أشهر، فوقع الاختيار على موسكو لتلعب هذا الدور، فيما تعيش إيران مأزقاً إقليمياً بدأ يظهر إلى العلن مع التحوّلات والمتغيّرات في التعامل مع الملفّ السوري، وأهمّها البحث عن فرص جديدة لتطبيق القرارات الأممية وتسهيل المرحلة الانتقالية في سوريا، بعكس ما تريده وتراهن عليه القيادة الإيرانية. وإلّا فما معنى أن يذكِّر أوغلو نظيره الإيراني أمام الكاميرات بضرورة احترام تنفيذ القرار الأممي رقم 2254؟

ما يُقلق طهران أيضاً هو ما قد يحمله أوغلو إلى واشنطن في سلّة المقايضات حول سوريا وملفّات إقليمية تعني طهران، واحتمال حسم أنقرة وواشنطن خلافاتهما بوساطة إقليمية يريدها أكثر من لاعب تتقدّمهم تل أبيب. وعندئذٍ قد تتراجع الشروط والشروط المضادّة بين الطرفين، ويعود إلى الواجهة سيناريو الطاولة الثلاثية التركية – الروسية – الأميركية في سوريا.

لكنّ المفاجأة الحقيقية التي قد تؤرق إيران في الإقليم هي بروز سيناريو تفاهمات إقليمية أوسع بين تركيا وإسرائيل في أكثر من ملفّ، من ضمنها الملف السوري، وذلك بدعم وتغافل من موسكو وواشنطن لحماية مصالحهما مع البلدين. وهذا يكفي لحرمان القيادات الإيرانية من النوم وسط كابوس انهيار “جبل الثلج” الذي يشيدونه منذ سنوات.

 

البحث عن بديل الأسد؟

بقدر ما تحتاج روسيا إلى تركيا في هذه الآونة لتكون متنفّساً اقتصادياً وسياسياً لها، تحتاج واشنطن إلى تركيا أيضاً لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، بعدما فشلت الاستراتيجية الأميركية في الرهان على إسرائيل لمواجهة التمدّد والنفوذ الإيرانيَّين في الإقليم.

تقامر إيران أيضاً على أكثر من طاولة، أخطرها إغضاب موسكو، خصوصاً إذا قرّرت أنقرة تجميد الحوار مع دمشق وإرجاءه شهوراً بطلب سوري تنصح به القيادة الإيرانية. هذا ما سيعتبره الكرملين تحدّياً إيرانياً بامتياز لنفوذه في سوريا يتطلّب تحديد مواقف جديدة حيال طهران ودمشق معاً.

هناك أيضاً احتمال أن يتوجّه أوغلو إلى العاصمة الأميركية وفي حقيبته بوادر مشروع حلحلة في الملف الأوكراني ناقشه إردوغان قبل أيام مع نظيرَيْه فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي، وباتت واشنطن تعطي الضوء الأخضر بشأنه: المسيّرات والصواريخ الإيرانية، التي قدّمتها إيران لموسكو لتستخدمها ضدّ أوكرانيا في كييف، ستنقلها أنقرة إلى المخازن، وذلك يقلب حسابات ويغيّر معادلات إيرانية في القرم والقوقاز.

وسط الهبّات الباردة والساخنة ولعبة الكرّ والفرّ على خطّ أنقرة – دمشق، يتحرّك أكثر من لاعب إقليمي محاولاً حماية مصالحه في الملفّ السوري:

– إيران إحدى أبرز الدول التي أصابها قلق بدأ يتحوّل إلى تشنّجات عصبية ونفسية حادّة تظهر جليّاً من خلال تصريحات ومواقف قياداتها السياسية في الآونة الأخيرة. فالوزير عبد اللهيان دعا قبل أشهر في قمّة دول الجوار العراقي عواصم المنطقة إلى الحوار والتهدئة، مذكّراً أنّ بلاده تعتمد حالياً سياسة تطوير علاقاتها مع جيرانها، ودعت الجميع إلى التخلّي عن “السياسات الإقصائية”. وطهران في هذا تعطي النصائح لعواصم المنطقة، لكنّها لا تتراجع قيد أنملة في الدفاع عن مصالحها ونفوذها في دول الجوار المحيطة بها، وتتمسّك بخطط التوغّل والانتشار الإقليميَّين في مناطق جغرافيّة مهما كانت بعيدة عنها.

– تنتظر تركيا الآن معرفة من الذي سيُقنع المقداد الذي تساءل من دمشق: “لو لم يكن لسوريا حليف إقليمي مثل إيران فماذا كان سيحدث؟”. تقتصر فرصة النظام السوري على لعب أوراق إيران ضدّ دول المنطقة، ورهانه على روسيا لتدعمه في إيجاد مخرج له في العملية الانتقالية، لأنّ التفاهمات التي ستكتمل عاجلاً أم آجلاً بقرار روسي – أميركي – إقليمي اقترب موعدها.

إنّ التصلّب الروسي – التركي ومواصلة الغرب تصعيده ضدّ النظام في دمشق وعدم “احترام” حصّة إيران تعني أنّ على طهران البحث عن رجل بديل غير بشار الأسد يعطيها ما تريد. فهل تمنحها موسكو هذه الفرصة أم تتركها وتساعد في تسهيل المرحلة الانتقالية التي يريدها أكثر من لاعب محلّي وإقليمي؟

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…