الأزمة بالكويت مجدّداً: نهاية “شهر العسل” بين الحكومة والنوّاب

مدة القراءة 6 د

وكأنّ التاريخ يُعيد نفسه في الكويت: انتخاباتٌ نيابية يليها “شهر عسل” بين السلطتين التشريعية والتنفيذية سرعان ما ينتهي بالصدام.

سيناريو قديم تكرّر مجدّداً مع “انفجار” العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمّة (البرلمان) من بوّابة “إسقاط قروض المواطنين”.

كانت كلّ الأنظار شاخصة إلى جلسة مجلس الأمّة الثلاثاء في 10 كانون الثاني الجاري، لتبيان “الخيط الأبيض من الخيط الأسود”، بعد أيّام طويلة من التسريبات و”بالونات الاختبار” من الطرفين النيابي والحكومي.

 

تضارب الأولويّات

ظاهر الخلاف بندٌ على جدول الأعمال يتضمّن تقريراً للّجنة المالية بشأن مشروع قانون لشراء الحكومة قروض المواطنين، التي تُقدّر بـ14.7 مليار دينار (حوالي 48 مليار دولار)، لكنّ الجوهر في مكان آخر، ويتمثّل في أنّ “التسوية” التي أُبرمت بين الحكومة والنواب بعد الانتخابات التي جرت في أيلول 2022، لم تصمد نتيجة “الإخلال” ببعض الوعود والتعهّدات. فالحكومة تتّهم المجموعات النيابية بأنّها لم تسلك طريق التهدئة وتسمح لها بالعمل، على الرغم من تقديمها برنامجاً واضحاً ذا محاور مجدولة زمنياً لـ4 سنوات، فيما النواب يتّهمون الحكومة بأنّها لم تنفّذ وعودها، سواء لجهة إقرار “قانون العفو” الذي يشمل بعض المعارضين الموجودين في الخارج، أو تمرير تشريعات “شعبية” (أو شعبويّة) كانوا قد وعدوا بها ناخبيهم. (راجع مقال “أساس” في 1 كانون الثاني 2023 بعنوان: “الكويت 2023: تحدّيات وتحوّلات.. فهل تصمد التسوية؟”).

بدا المشهد السياسي في خضمّ تعقيدات وخيارات صعبة، وسط أجواء تشير إلى أنّ كلّ الخيارات مفتوحة، ومن ضمنها استقالة الحكومة وحلّ مجلس الأمّة

منذ بداية الجلسة صباح الثلاثاء، بدت علامات الصِدام جليّة، إذ دخل وزيران فقط القاعة (هما بالأصل نائبان منتخبان: بدر الملا وزير النفط وعمّار العجمي وزير الإسكان)، فيما بقي  الوزراء الآخرون في مبنى مجلس الأمّة، لكن خارج قاعة الجلسة.

قرأ النواب رسالة الحكومة، وردّوا عليها بالتصويت على تغيير بنود الجلسة وتقديم موضوع القروض على ما عداه من بنود. وما إن بدأت مناقشة الموضوع حتى انسحب الوزيران من الجلسة، فرفعها رئيس المجلس أحمد السعدون، على الرغم من الاعتراضات النيابية، وذلك جرياً على العادة بألّا تُعقد أيّ جلسة من دون وجود الحكومة.

تكرّر السيناريو نفسه في اليوم التالي مع الجلسة التكميلية التي لم تُعقد بسبب عدم حضور الحكومة، وسط مؤشّرات إلى اتفاق على التهدئة وإيجاد حلول وسط.

بغضّ النظر عن مدّة التهدئة، انتهى رسميّاً “شهر العسل” بين السلطتين، وعاد النواب إلى “هوايتهم” المفضّلة مع تقديم أحدهم استجواباً لوزير الماليّة حظي سريعاً بتأييد زملائه، ثمّ إصدار 45 نائباً بياناً وصفوا فيه سلوك الحكومة بـ”غير الدستوري” و”غير المقبول”، وتوعّدوا بالردّ عليه عبر “صلاحيّاتهم الدستورية”.

 

الخلاف يتفلّت من الضوابط

في موقفين عبّرا عن بعضٍ ممّا وراء الكواليس، قال النائب حمد المدلج خلال الجلسة: “لن نقبل بأن تُدار المؤسّسة التشريعية بعقليّة عسكرية”، فيما قال النائب عبد الكريم الكندري: “لا نضحك على بعض… الصراع فوق وسقط عندنا بالقاعة”.

على هذا النحو، بدا المشهد السياسي في خضمّ تعقيدات وخيارات صعبة، وسط أجواء تشير إلى أنّ كلّ الخيارات مفتوحة، ومن ضمنها استقالة الحكومة وحلّ مجلس الأمّة، لكنّ السؤال الذي يدور في الأذهان: هل يكون حلّاً دستورياً يؤدّي إلى إجراء انتخابات جديدة، أم حلّاً “غير دستوري” يؤدّي عمليّاً إلى تعليق بنود في الدستور تقود إلى تعليق البرلمان؟

يُدرك العارفون بالشأن السياسي أنّ تشريعاً كتشريع إسقاط القروض لا يُمكن أن يُقرّ إلا بتوافق حكومي – نيابي، وليس بالفرض، وأنّ طرحه لا يهدف إلى إقراره، وإنّما إلى استخدامه “سلاحاً شعبوياً” في مواجهة الحكومة لإحراجها وإظهار أنّها “غير معنيّة برفاهية المواطنين”.

تراوح التقديرات بين أربعة سيناريوهات:

– الأوّل أن يتمّ استيعاب الأزمة مرحليّاً عبر تنازلات كبيرة من الجانبين، ثمّ تتجدّد بعد فترة غير طويلة بسبب أحد الاستجوابات لرئيس الوزراء، وتُقدِّم الحكومة استقالتها ويتمّ حلّ مجلس الأمّة وفق المادّة 107 من الدستور، والدعوة إلى انتخابات جديدة.

– الثاني أن تستقيل الحكومة تحت وطأة الخلافات، ويتمّ حلّ المجلس إثر تعليق بنود في الدستور، وهو ما يُعرف بـ”الحلّ غير الدستوريّ”.

– الثالث أن تستقيل الحكومة ويُعاد تكليف رئيسها تشكيل أخرى جديدة، وهو ما يرى فيه البعض تمديداً للأزمة وتأجيلاً لها، وليس علاجاً.

– الرابع أن تستقيل الحكومة ويتمّ تكليف رئيس جديد تشكيلها بتوازنات وحسابات مختلفة.

 

عودة الصراعات “الخفيّة”

عندما قرّرت القيادة السياسية حلّ مجلس الأمّة في حزيران 2022 وإجراء انتخابات مبكرة، كان الهدف واضحاً، وتمثّل في تحقيق الاستقرار السياسي الذي يسمح بدوران عجلة المشاريع الكبرى، وتحقيق برنامجٍ طموحٍ للتنمية ضمن “رؤية الكويت 2035”.

لم يقتصر الأمر على الانتخابات التي أفضت إلى تحقيق شعار المعارضة الداعي إلى “رحيل الرئيسين”، أي رئيس مجلس الأمّة السابق مرزوق الغانم ورئيس الحكومة السابق صباح الخالد، وإنّما قامت الحكومة بخطوات عدّة، في إطار ما عُرف بـ”تصحيح المسار”، لضمان نزاهة الانتخابات، وأن تكون مُعبّرة بشكل حقيقي عن خيارات الشعب بعيداً عن أيّ تدخّل حكومي.

لكن يبدو أنّ الصراعات “الخفيّة” وتصفية الحسابات عادت تجد مسلكاً لها في أروقة السلطة التشريعية، حيث اختلطت الأوراق وتحوّلت المعارضة إلى موالاة لأسابيع، ثمّ عادت إلى ما كانت عليه، لكن منقسمة على نفسها بسبب اختلاف الأجندات والأولويات، فصارت “مُعارضات”.

إقرأ أيضاً: الكويت.. أزمة دستورية على الطريقة اللبنانية

مع اشتداد الأزمة، استذكرت الأوساط السياسية عبارة وردت في خطاب وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد، الذي ألقاه نيابة عن الأمير الشيخ نواف الأحمد في 22 حزيران الماضي، معلناً فيه حلّ مجلس الأمّة وإجراء انتخابات مبكرة، محذّراً من أنّه في حال عادت الأمور إلى سابق عهدها من صدامات وخلافات، فـ”سيكون لنا إجراءات أخرى ثقيلة الوقع والحدث”.

أيّاً تكن مآلات الأزمة، يبدو من التجربة الأخيرة أنّ السلطتين أصبحتا “مُدمنتين” على الصدامات لـ”ترتيب التوازنات” و”تصفية الحسابات”، وأنّ خلق أجواء جديدة والانتقال إلى مرحلة الإنجاز يحتاجان إلى أكثر بكثير من تسوية موضعية أو صفقة سياسية مرحلية.

مواضيع ذات صلة

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…