بعد سلسلة من الانتصارات الانتخابية لليسار في أميركا اللاتينية، سيشهد عام 2023 تأرجحاً إلى اليمين. ويعكس ذلك بشكل أساسي استمرار عدم شعبيّة شاغلي المناصب في منطقة تواجه عاماً صعباً آخر من النموّ الاقتصادي المتواضع والاستياء الاجتماعي. على الأقلّ، سينخفض معدّل التضخّم في معظم الأماكن بفضل الإجراءات المبكرة التي اتّخذتها البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة، واستعادة معظم البلدان مستوى الإنتاج والتوظيف الذي كانت عليه قبل انتشار الوباء في عام 2022. لكنّ الأجور لا تزال متخلّفة، وقليلاً من الحكومات تستطيع تحمّل تكاليف السياسة المالية التوسّعية. وبعدما نمت بنسبة 3.5% في عام 2022، وفقاً لمؤسّسة النقد الدولي، قد تتوسّع اقتصادات المنطقة بنسبة 2% فقط في عام 2023. هناك خطر حدوث انفجارات اجتماعية جديدة من النوع الذي هزّ العديد من البلدان منذ عام 2019. لكن قد لا يجد الأميركيون اللاتينيون الوقت للاحتجاج بسبب انشغالهم الشديد بالحصول على الطعام.
إلى اليمين دُر!
تلك هي توقّعات مجلّة إيكونوميست لتطوّرات الأوضاع في هذه المنطقة من العالم في عام 2023. وقد عرض الكاتب والمعلّق على شؤون أميركا اللاتينية وأيبيريا في المجلّة مايكل ريد لِما قد تحمله الانتخابات للعام المقبل في بعض دول أميركا اللاتينية: ففي الأرجنتين سيتركّز الاهتمام السياسي على الانتخابات الرئاسية في تشرين الأول. ومع انقسام الحكومة البيرونية وافتقارها إلى الأفكار، ومع احتدام التضخّم، يجب أن تفوز معارضة يمين الوسط، بشرط أن تظلّ موحّدة. وفي باراغواي، يواجه حزب كولورادو المحافظ، الذي حكم لمدّة 70 عاماً باستثناء خمس سنوات، تحدّياً قويّاً من معارضة واسعة لكن متباينة في الانتخابات المتوقّعة في نيسان. لقد تضرّر الحزب من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على اثنين من الشخصيات البارزة بسبب الفساد (وهو ما ينفيانه). على الرغم من السخط، تبقى الأفضليّة لمرشّح كولورادو المحتمل وزير المالية السابق سانتياغو بينيا. وفي غواتيمالا، يبدو من غير المرجّح أن تكون الانتخابات في حزيران حرّة ونزيهة. إذ يسيطر حلفاء الحكومة على السلطة الانتخابية والمحاكم، ويمكنهم حظر المرشّحين اليساريين، كما حدث في عام 2019. ومن المرجّح أن تترشّح ساندرا توريس، الشعبوية الوسطية التي خسرت في المرّة الأخيرة، مرّة أخرى.
في عام 2023، ستتصاعد التوتّرات الثنائية بسبب المسائل الدائمة المتعلّقة بالأمن والهجرة، لكن بشكل خاصّ بسبب معالجة مسألة المخدّرات
في المكسيك، يأمل الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور أن يرى حزبه مورينا يفوز في انتخابات حاكم الولاية في حزيران في ولاية المكسيك المهمّة، معقل الحزب الثوري المؤسّسي الذي كان يحكم سابقاً. يشير مثل هذا الانتصار إلى أنّ مورينا سيكون في وضع جيّد في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. وفي فنزويلا يوفّر عام 2023 فرصة لإجراء محادثات دولية تتّصل بشؤون البلاد التي حكمها نيكولاس مادورو كديكتاتور. يمكن للولايات المتحدة أن تعرض تخفيف العقوبات مقابل قبول مادورو انتخابات رئاسية حرّة ونزيهة من المقرّر إجراؤها في عام 2024. لكن ليس لدى أيّ من الجانبين مجال كبير للمناورة. وبينما تتبوّأ الصين الآن مكانة مهمّة في أميركا اللاتينية، يأمل الاتحاد الأوروبي استعادة نفوذه من خلال قمّة في أواخر عام 2023، عندما تتولّى إسبانيا رئاسة الاتحاد. مع تقدّم المستبدّين، سيتوقّف عمل الديمقراطيين في أميركا اللاتينية مرّة أخرى.
نهاية الحرب على المخدّرات؟
لم تكن العلاقة بين أميركا اللاتينية والقوّة العظمى في الشمال سهلة على الإطلاق. في عام 2023، ستتصاعد التوتّرات الثنائية بسبب المسائل الدائمة المتعلّقة بالأمن والهجرة، لكن بشكل خاصّ بسبب معالجة مسألة المخدّرات. إنّ الطريقة التي يتعامل بها القادة اليساريون الجدد في أميركا اللاتينية مع هذه القضايا هي التي ستشكّل علاقتهم مع الولايات المتحدة لسنوات مقبلة، كما ترى إيما هوغان، محرّرة شؤون الأميركيّتين في مجلّة إيكونوميست.
تكن العلاقة بين أميركا اللاتينية والقوّة العظمى في الشمال سهلة على الإطلاق
تعتبر هوغان أنّ تآكل الديمقراطية في المنطقة هو مشكلة طويلة الأمد للولايات المتحدة لأنّها ستساهم في تأجيج أزمة الهجرة على حدودها الجنوبية وفرار المزيد من الأشخاص من بلدان “المثلّث الشمالي” (السلفادور وغواتيمالا وهندوراس)، ومن كوبا وهايتي ونيكاراغوا وفنزويلا، إلى جانب احتجاز أكثر من مليونَيْ مهاجر على الحدود الجنوبية لأميركا في الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، بزيادة الثلث عن عام 2021. لكنّ المدّ المتغيّر لسياسات أميركا اللاتينية يعقّد الأمور أيضاً. إنّ بيدرو كاستيلو رئيس البيرو وغابرييل بوريتش في تشيلي وانتخاب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في البرازيل يعطون أحدث مثال على كيفية تأرجح المنطقة أخيراً إلى اليسار. هذا وقد يرغب لولا في تعزيز العلاقات “بين الجنوب والجنوب”، خاصة مع الصين، وهذا ما سيثير غضب القادة الغربيين، وأوّلهم الرئيس جو بايدن.
أمّا في ما يتعلّق بالحرب على المخدّرات فتشير هوغان إلى أنّ انتخاب غوستافو بيترو، أول يساري يتولّى الرئاسة في كولومبيا، أثار نقطة توتّر محتملة، إذ تحدّث ضدّ ما يسمّيه الحرب “غير العقلانية” على المخدّرات، وعرض خطة لمعالجة مسألة المخدّرات تشمل التفاوض مع العصابات، وضمان عدم معاقبة المزارعين الفقراء الذين يزرعون الكوكا، وتنظيم استهلاك الكوكايين للاستخدام الطبّي، فيما اقترح آخرون الذهاب أبعد من ذلك، فأشار فيليبي تاسكون، عضو فريق حملة بترو الذي يُرجّح أن يكون “قيصر المخدّرات”، إلى إمكانية إضفاء الشرعية الكاملة على الكوكايين. واعتبر وزير العدل، نيستور أوزونا، أنّ من الضروري تنظيم الاستهلاك من دون إضفاء الشرعية. هذه الأفكار، بالإضافة إلى اقتراح إيفان مارولاندا، عضو مجلس الشيوخ الليبرالي، مشروع قانون يسمح للدولة الكولومبية بشراء جميع الكوكا في البلاد بأسعار السوق، تكتسب زخماً اليوم.
إقرأ أيضاً: الطائرات المسيَّرة تقلِب موازين القوى..
وتنبِّه هوغان إلى أنّ أيّ تجربة صغيرة تُلغي تجريم إنتاج الكوكايين في كولومبيا ستكون لها آثار هائلة. تنتج الدولة 60% من إمدادات العالم من المخدّرات، وأميركا الشمالية هي أكبر مستهلك: وفقاً لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة، استحوذ عليها 2% من سكان أميركا الشمالية في عام 2020. وهذا يعني أنّ “نموذج الحظر” الذي تبنّته الولايات المتحدة لعقود هو اليوم أضعف من أيّ وقت مضى، كما يقول جيريمي مكديرموت من منظّمة Insight Crime الاستقصائية: “لم تفقد واشنطن أهمّ حليف لها في حربها ضدّ المخدّرات في كولومبيا فقط، لكن أيضاً في المكسيك وفنزويلا وتشيلي. فقد جعلت الحكومة المكسيكية من الصعب جدّاً على إدارة مكافحة المخدّرات الأميركية أن تعمل. والبرازيل ليست على متن الطائرة. فقط بنما هي التي بقيت بقوّة في معسكر الولايات المتحدة. أي بعد خمسة عقود من شنّ الولايات المتحدة الحرب على المخدّرات، أصبحت أميركا اللاتينية اليوم أقلّ استعداداً للاستماع إليها من أيّ وقت مضى..”.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا