أصابت واشنطن اقتصاد العالم واستقراره الاجتماعي بقرارين تاريخيَّين:
– الأول: فرض عقوبات على مبيعات النفط والغاز الروسيَّين.
– والثاني: قيام البنك الاحتياطي الفدرالي برفع معدّل الفائدة إلى أعلى مستوى منذ 41 عاماً.
كان لهذين القرارين أثر التدمير النووي مع ركود أداء الاقتصاد العالمي:
1- كلّف قرار عقوبات الغاز والنفط الأسواق والمستهلكين أكثر من 650 مليار دولار حتى الآن بكلفة تزايد الأسعار.
2- تقدّر كلفة الخسائر غير المباشرة لارتفاع أسعار خدمات النقل والتوريد للخدمات والسلع والبضائع بأكثر من 300 مليار دولار.
3- كما تقدّر كلفة ارتفاع أسعار الحبوب والمعادن والأسمدة بما يزيد على 400 مليار دولار.
وما زالت الأرقام في ازدياد، ويُتوقّع أن تزيد أكثر وأكثر نتيجة ارتفاع الطلب على النفط والغاز بسبب اشتداد الصقيع هذا الشتاء وارتفاع طلب المصانع في الهند والصين في النصف الأول من هذا العام.
يؤثّر الدولار الأميركي بشكل حاسم في اقتصادات العالم على أساس أنّ ما بين 55 إلى 60% من الكتلة النقدية المستخدمة في المعاملات الدولية تتكوّن من الدولار الأميركي
أثّر هذا على العالم كلّه، وسوف يستمرّ في الضغط على العملات العالمية مثل اليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني واليوان الصيني. وسيقع الضرر الأكبر على العملات المحلية لكلّ من فنزويلا والبرازيل والأردن ومصر والعراق وتونس ونيجيريا ورواندا ولبنان وسوريا وإيران وتركيا.
كان البنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي قد رفع معدّل الفائدة على الدولار لمواجهة آثار تداعيات الانكماش الركودي الذي أصاب الاقتصاد عقب تداعيات جائحة كورونا، ثمّ عاد في كانون الأول الماضي إلى رفع معدّل الفائدة حتى بات يقارب 5 في المئة على الدولار، وهو أعلى معدّل فائدة منذ 15 عاماً.
برّر البنك الاحتياطي الفدرالي الرفع الثالث بأنّه “ضروري لكبح وتيرة الزيادة السريعة للغاية في الأسعار”.
وتوقّع الاحتياطي الفدرالي أن يتعدّى سعر الفائدة الرئيسي 5 في المئة سنوياً منذ ذلك التاريخ.
بناء عليه رفع المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا والمركزي التركي والمركزي الياباني معدّلات الفائدة.
التأثير على كلّ العالم
يؤثّر الدولار الأميركي بشكل حاسم في اقتصادات العالم على أساس أنّ ما بين 55 إلى 60% من الكتلة النقدية المستخدمة في المعاملات الدولية تتكوّن من الدولار الأميركي.
يأتي هذا التأثير المباشر لأنّ الدولار الأميركي يُستخدم في تسعير السلع الاستراتيجية والخدمات الكبرى في العالم مثل النفط والغاز والقمح والحبوب والمعادن والأسمدة والذهب.
كذلك يُستخدم الدولار في تسعير خدمات النقل والتأمين والشحن في المعاملات الدولية.
قد يبدو القرار الأميركي للوهلة الأولى قراراً حمائياً للعملة الوطنية الأميركية، إلا أنّه في نهاية الأمر قرار سيادي سياسي بامتياز يهدف إلى جعل العملة الأميركية “الفتوّة” الذي يوجّه ضربات لليورو الأوروبي والين الياباني واليوان الصيني والجنيه الإسترليني البريطاني والفرنك السويسري.
قد يعتقد البعض أنّ القرار غير مبنيّ على “أسس شريرة للإدارة الديمقراطية”، لكنّ نظرة متفحّصة لجدول ترتيب احتياطات النقد في العالم سوف تكشف لنا الكثير.
المتوقّع أن يكون عام 2023 عام دفع الدول الفقيرة والمتوسّطة فاتورةً تقصم الظهر وتكون شديدة الإيلام اجتماعياً وماليّاً بسبب جنون الأسعار ومغامرة الاحتياطي الفدرالي الأميركي
الأهداف “الشرّيرة”.. التي فشلت
تأتي الصين في صدارة الدول من حيث امتلاك احتياطات نقدية بالدولار تبلغ 3.372 ترليون دولار، وفق إحصاءات كانون الأول 2021، وتليها اليابان، ثمّ سويسرا فالهند، وتأتي روسيا في المركز الخامس بـ621.6 مليار دولار. وتأتي الولايات المتحدة في المركز الرابع عشر بـ256 مليار دولار، أي أقلّ بـ365 مليار دولار من روسيا وبـ3.116 ترليون من الصين.
من هنا يمكن فهم أنّ أحد أهمّ الآثار الاستراتيجية للحرب الروسية الأوكرانية التي دفعت نحوها واشنطن هو ضرب مراكز الاحتياطات النقدية القوية لكلّ من الصين والهند وروسيا وأوروبا حتى يتمّ تعطيل صعود هذه القوى وإحداث تباطؤ شديد في مشروعاتها للصعود الاقتصادي في خطط 2030.
جاء القرار الأميركي مليئاً بالحماقة والغباء وسوء التقدير. فها هي روسيا تحقّق حلمها التاريخي باعتماد الروبل الروسي بدلاً من الدولار الأميركي في تسعير نفطها وغازها وتجارتها وبسعر تقييم يحدّده المصرف المركزي الروسي!
وها هما الصين والهند تقوِّمان حركة معادلات تجارية عظمى باليوان الصيني والروبية الهندية.
الأزمة كلّ الأزمة هي تلك الفاتورة التي دفعها اقتصاد دول لم تكن أبداً في دائرة المنافسة للاقتصاد الأميركي، ولعبت طرفاً في الحرب الروسية الأوكرانية، مثل مصر والأردن وتونس والمغرب ولبنان وسوريا ودول إفريقيا وأميركا اللاتينية.
ارتفعت فاتورة الواردات لهذه الدول أكثر من 150 في المئة في بعض الحالات، وشكّل ذلك ضغوطاً هائلة على أسعار السلع والخدمات الأساسية، وهو ما أصبح يهدّد حالة الرضاء الشعبي بسبب صعوبة مواجهة تكاليف الحياة اليومية والحصول على السلع والخدمات الأساسية.
إقرأ أيضاً: العرب 2022: سقوط مدن المشرق… ونهوض لآلىء الخليج
لذلك كلّه المتوقّع أن يكون عام 2023 عام دفع الدول الفقيرة والمتوسّطة فاتورةً تقصم الظهر وتكون شديدة الإيلام اجتماعياً وماليّاً بسبب جنون الأسعار ومغامرة الاحتياطي الفدرالي الأميركي.
الجنيه المصري والدينار الأردني والدينار التونسي والدرهم المغربي والريال الإيراني والليرة اللبنانية والليرة التركية والليرة السورية والجنيه السوداني وكلّ ما شاكلها من عملات محلية لدول تستورد أكثر ممّا تصدّر نطلب لها رحمة من الله وندعو لها بأن يلطف بها!