نريد رئيساً لا يطعن أولادنا في ظهورهم

مدة القراءة 4 د

لا يا عزيزي.

السلاح يأتي ويذهب. المسلّحون جاؤوا وذهبوا. والمحتلّون أكثر من أن نعدّهم. بعضهم نقشنا خروج جنودهم على صخور نهر الكلب، وبعضهم نصبنا مجسّم الشهداء في وسط بيروت لنتذكّر جرائمهم، وبعضهم نحتفل بمقاومتهم، من صيدلية بسترس وقهوة الويمبي في الحمرا، إلى بوابة فاطمة في كفركلا… وبعضهم سنذكّر أولادنا أنّهم قتلوا خيرة شبابنا وقادتنا بأطنان الحقد والمتفجّرات، من عيد الحبّ إلى أيّام القتل العاديّ… و”كلّهم رح بيفلّوا”…

هذه بلاد تقول لا منذ آلاف الأعوام. بلاد لا تاريخ لها خارج الاعتراض. كانت عاصية على العاصي قبل أن يولد القتلة الذين يحومون حول بيوتنا وأعمارنا وحول حساباتنا على فيسبوك وتويتر ويهدّدوننا بـ”المزح التقيل”

لا نريد رئيساً يقف حارساً على ظهر سلاح لا نتّفق عليه أصلاً. بل ويتّهمه نصف اللبنانيين بأنّه قتل قادتهم وفجّر مناطقهم ويتحيّن الفرصة ليقتل كلّ معارض له من بينهم.

لن نسمح أن يحكم أولادَنا من يؤمنون بقتل كلّ آخر، كما سمح آباؤنا لمتخلّفي جيش “أبو شحّاطة” أن يحكموهم.

نحن جيل 14 آذار و17 تشرين لن نقبل أن يحكمنا، من وراء الستار، رجل أمن أو عسكري أبله كلّ سيرته الذاتية أنّه يعرف كيف يفجّر، وبلا قلب، يقتل الآباء والشباب والشيب أمام أولادهم، كما في عصور الظلام، فقط ليفتح طريق الأجانب إلى قصور الحكم، من بعبدا إلى السراي وساحة النجمة…

وهذه بلاد تقول لا منذ آلاف الأعوام. بلاد لا تاريخ لها خارج الاعتراض. كانت عاصية على العاصي قبل أن يولد القتلة الذين يحومون حول بيوتنا وأعمارنا وحول حساباتنا على فيسبوك وتويتر ويهدّدوننا بـ”المزح التقيل”.

هذه بلاد خُلقت لتعترض. وأسلافنا سكنوا رؤوس الجبال، بين الثلوج العاصفة وبلا تدفئة، وبعيداً عن خطوط التجارة والبحبوحة… فقط ليقولوا “لا” متى شاؤوا.

نريد رئيساً لا يطعن ودائعنا المصرفية في الظهر. لا ينشىء تحالفاً بين مجرمي البارود والديناميت، ومجرمي المصارف والسندات، لتأبيد سلطة يؤلّفها من مجرمي قصف الأعمار، قطعاً للأعناق حيناً، وقطعاً للأرزاق أحياناً

نريد رئيساً لا يطعن أساسات لبنان هذه في الظهر.

نريد رئيساً لا يغطّي الاغتيالات ولا يهدّد بالتفحيم من “يدقّ بالتوتّر العالي”.

نريد رئيساً لا يطعن ودائعنا المصرفية في الظهر. لا ينشىء تحالفاً بين مجرمي البارود والديناميت، ومجرمي المصارف والسندات، لتأبيد سلطة يؤلّفها من مجرمي قصف الأعمار، قطعاً للأعناق حيناً، وقطعاً للأرزاق أحياناً.

نريد رئيساً لا يرتجف في 7 أيار، مدنياً كان أو عسكرياً، بل يحمي الآمنين، ويضرب يده على الطاولة، و”يحمي الدستور” كما يقول الكتاب.

نريد رئيساً مثل فولوديمير زيلينسكي، يقود المقاومة في حال الحرب، ويقود المتظاهرين في حال السلم. يقف شعبه خلفه، ولا يرضى لنفسه أن يتفرّج على قطعان المذاهب يضربون أولادنا على جسر الرينغ، ويهتفون بوجههم باسم مذهب أو دين، ردّاً على الجائعين والمنهكين.

نريد رئيساً “لا” يعمل لدى المصارف، رئيساً “لا” يخاف من تهديدات العقوبات، لأنّه “لا” مليارات يخاف عليها في مصارف أوروبا وأميركا، و”لا” يبتزّه بأعماله أحد.

نريد رئيساً “لا” يخشى محاسبة من سرقوا، لأنّ أقرباءه ورفاق دربه وزملاءه يجب أ”لا” يكونوا على رأس لوائح الناهبين والمحتالين.

نريد رئيساً “لا” يخاف من اتّصال أحد أزلام أزلام هذا الزعيم أو ذاك. “لا” يختبىء تحت اللحاف إذا همس له أحدهم بأنّ الشيخ الفلاني غاضب منك، و”لا” يهرول إلى الخوري الفلاني خوفاً على ناخبيه في هذه الضيعة أو ذلك الشارع.

نحن اللبنانيين نعيش بـ”لا” ماء ولا كهرباء و”لا” أموال. لم يبقَ لنا و”لا” قرش ممّا ادّخرناه و”لا” أمل ممّا أقنعنا أنفسنا به. بعضنا “لا” يجد إلا أمواج الموت يركبها في مراكب اليأس، وبعضنا يأكل بعضنا. والكثرة الكاثرة تنتظر جناح وظيفة أو طائرة لتغادر إلى غير رجعة.

إقرأ أيضاً: العرب 2022: سقوط مدن المشرق… ونهوض لآلىء الخليج

نريد رئيساً يجرؤ على إخبارنا كيف تفجّر المرفأ. هل هي إسرائيل أو بدري ضاهر أو صواريخ الغفلة؟ نريد رئيساً يجرؤ على التحقيق بمقتل لقمان سليم وهاشم السلمان. دعونا من كذبة “تورّط في ملفّ أمنيّ ومالي”. ومن هو هذا الإله الذي يقبض أرواح من يتطفّلون على ملفّ؟

نريد رئيساً يصالح اللبنانيين بتسليم القتلة والسارقين لا بكيّ الذاكرة كما حصل في التسعينيّات.

أمّا من يخشى على ظهره، ويريد ظهورنا عارية، وظهور أولادنا عارية، وظهور آبائنا الذين تقاعدوا ولا يكفيهم راتب التقاعد لشراء سندويش لبنة، أمّا هذا، فعليه أن يعرف أنّها لو دامت لغيره… لما اتّصلت إليه.

لمتابعة الكاتب على تويتر: mdbarakat@

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…