يحدثُ في جيش إسرائيل

مدة القراءة 4 د

يقال في العالم كلّه: دولة لها جيش. أمّا عن إسرائيل فيُقال: جيش له دولة!

تعود دقّة هذا الوصف وصدقيته إلى مكانة الجيش في الدولة العبرية. فهو صاحب الإسهام الأكبر في قيام الدولة وحمايتها، ولعلّه من أكثر جيوش العالم خوضاً للحروب بأشكالها كافّة. حتى في زمن التسوية مع دول الجوار ظلّ الجيش الإسرائيلي على سلاحه. وظلّت موازناته أعلى من جميع موازنات مكوّنات دولته.

 

أيقونة إسرائيل

هذا الجيش ينفَق عليه بسخاء، وتزوّده أميركا بما لا تزوّد به حلفاءها في الأطلسي. ويراه الإسرائيليون أيقونتهم الأثمن والأشدّ مدعاة للتباهي. لكنّ سلاح الطيران هو أيقونة ذاك الجيش الأبرز. فهو كان وربّما ما يزال أكثر تأثيراً في الحروب من أيّ سلاح آخر.

وصل الخلل إلى مجمّع الأعصاب المركزي في الدولة العبرية. ويبدو أنّ علاجه لن يكون بسهولة علاج الخلل المألوف في الجيش، والذي كان يظهر بعد كلّ حرب

كانت إسرائيل تحرص على أن يظلّ أيّ خلل يصيب مكوّنات الدولة، في منأى عن الجيش. لكنّ كثرة الاعتماد على الجيش، وكثرة الحروب، لم تمنعا عنه الكثير من ظواهر الخلل، فشكّلت لتداركه لجان تقصّي حقائق كثيرة:

– التقصير وبيع السلاح والذخيرة.

– التورّط في جرائم حرب، كمذبحة صبرا وشاتيلا.

وعلى الرغم من ذلك حافظ الجيش على مكانته المركزية في الحياة الإسرائيلية. وظلّ جنرالاته مرشّحين تلقائيين لاحتلال مواقع قيادية في الدولة بكلّ تراتبياتها الرئيسية. غير أنّ أمراً جديداً، ولعلّه يحدث للمرّة الأولى في إسرائيل، طرأ على هذا الجيش في فترة وجيزة:

– أصيب بحالة مرضية أضاءت إشارة خطر.

– بدأت هذه الحال بمشاركات نوعية وفعّالة في التظاهرات الواسعة التي تشهدها المدن الإسرائيلية. وهي المحظور الأساسي في كلّ جيش: التمرّد.

احتجاجات سلاح الجوّ

حمل هذا الواقع قائد سلاح الجوّ الجنرال تومر بار إلى توجيه رسالة تعكس خطورة الوضع في الجيش. وهنا مقتطف ممّا نشرته صحيفة هآرتس: أرسل بار رسالته بعد لقاء أجراه مع جهات واسعة من ممثّلي رجال الاحتياط وقادة الأسراب. ونُقل عنه قوله إنّ “عدم أهليّة سلاح الجوّ تكمن في عدم أهليّة دولة إسرائيل”. ولم يكن يريد الوصول إلى لحظة إبلاغ رئيس الأركان بأنّ “سلاح الجوّ غير جاهز”.

وما يُخيف المستويات السياسية العليا في الحكومة والمعارضة على السواء، أنّ سلاح الجو يقود مبادرة الاحتجاج بدرجة كبيرة مع مجموعة كبيرة من رجال الاستخبارات والوحدات ومنظومات التكنولوجيا العسكرية.

لقد وصل الخلل إلى مجمّع الأعصاب المركزي في الدولة العبرية. ويبدو أنّ علاجه لن يكون بسهولة علاج الخلل المألوف في الجيش، والذي كان يظهر بعد كلّ حرب. كان الخلل المألوف يخصّ الجيش وحده وكيفية إدارته العمليات، ومدى استعداده. أمّا الحالة الراهنة للجيش فتستَمِدُّ صعوبة معالجتها من ذلك التداخل الواسع والعميق بين الشعب الإسرائيلي الذي معظمه قوات احتياط، وبين الجيش العامل الذي انقسم عمودياً بين من يؤيّدون الحكومة ومن يعارضونها، في غمرة أطول أزمة داخلية إسرائيلية، يشترك فيها الإسرائيليون جميعاً.

 

موقف نتانياهو

على الرغم من براعته في إدارة أزماته وقع رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتانياهو في أخطاء فادحة، أثّرت كثيراً على صورته وإيقاعه وحتى على جدارته. لم يكن وحده من يرتكب الأخطاء، فقد تضافر معه أهلُ بيته، حين صرّح ابنه يائير أنّ المتظاهرين إرهابيون. أمّا أقوال حلفائه وأفعالهم فحدّث ولا حرج. ظهر دورهم كمن يصبّ الزيت على النار، بلا أيّ قدر من مراعاة ما يوصف عادة بأخلاقيات التعامل بين الحكومة والمعارضة.

والسؤالان الأهمّ هما:

– هل ما حدث بدأ في قوات الاحتياط، أي التمرّد الذي ما يزال حتى الآن جزئياً، لكنّه يثير المخاوف من إمكانية الاتّساع والوصول إلى تشكيلات الجيش العامل؟

إقرأ أيضاً: أسئلة وأجوبة عن مكانة القدس ومصيرها

– هل يقود ذلك إلى الاستجابة لجرس الإنذار، والتعجيل في بلوغ تسوية بين طرفَي الأزمة، أم يقود إسرائيل إلى ما هو أصعب وأخطر؟

هذا ما ستنبئ به الأيام المقبلة.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…