لعبة القرن: لن أهزمك لكن سأجعلك تخسر!

مدة القراءة 3 د


 في هذا الزمن المضطرب سياسياً، المأزوم اقتصادياً، الذي يعيش في حالة إعادة تشكيل للقوى والمراكز تتأجّل تسوية الصراعات ويتمّ اللجوء إلى إيقاف لإطلاق النار من دون تسوية جذور الصراع.

هذه الصيغة التي تقوم على سكوت المدافع من دون وجود حلّ حقيقي للصراعات تتّسع مع استخدام الكبار مبدأ الحرب بالوكالة والعقوبات کأدوات حفظ وتأثير من غير دفع التكلفة البشرية التي يرفضها الرأي العامّ في بلادهم.

الكبار كلّ منهم يسعى إلى خسارة الآخر من دون أن يتورّط في دفع تكاليف مباشرة أو باهظة.

ليس هذا السلوك مفاجئاً من قبل الكبار، وتأمّلوا ما اعترف به المؤرّخ البريطاني أندرو روبرتس: “بريطانيا لم تدخل الحرب أمام النازية وظلّت معترفة بعدم الجاهزية لمواجهة هتلر بشكل مباشر. فقد جلست وشاهدت غزو فرنسا ولم تتصرّف إلا بعد مضيّ 4 سنوات”.

في الوقت نفسه کان ونستون تشرشل هو بطل إقناع روزفلت بضرورة خروج الولايات المتحدة من موقف المشاهد لما يحدث في أوروبا ودفعه إلى العمل العسكري المباشر في الشهور الأخيرة للحرب العالمية الثانية.

ستبقى هذه الصراعات معنا لعقود من دون حلّ لأنّ من المصلحة استمرار النزيف والعقوبات ومبيعات السلاح، لكن من دون تسوية نهائية توقف الخسائر التي هي “عزّ الطلب” عند الكبار

انتهت الحرب العالمية الثانية بما يسمّيه ابن خلدون بـ”المتغلّب”، إذ استطاع هذا المنتصر النهائي أن يفرض شروطه الكاملة على المهزوم النهائي.

أمّا الآن فتوجد خسائر بين طرفين، لكن لا يوجد منتصر واضح ومهزوم صريح.

تأمّلوا الحرب الروسية – الأوكرانية، حرب اليمن، الصراع في السودان، الصراع في ليبيا.

في كلّ هذه الصراعات هناك تقاسم للخسائر، لكن من دون متغلّب واضح وصريح.

يقول الدكتور هنري كيسنجر في محاضرة له في جامعة كولومبيا إنّ “التسوية تتمّ وتتمّ فقط حينما يشعر كلّ طرف أنّه غير قادر على حسم انتصار يفرض فيه شروطه، ولذلك يصبح من الأفضل أن يتفاوض”.

هكذا نرى في عالم اليوم استمراراً للصراع من دون حسم عسكري وأيضاً من دون تسوية سياسية. “مبدأ الترضية أو التسوية في سياق دولي هو سياسة دبلوماسية لتقديم تنازلات سياسية أو مادّية لقوّة معادية في سبيل تجنّب استمرار أو بدء النزاع”.

المأساة الحالية هي أنّه حتى إذا أرادت بعض القوى الحالية إنهاء النزاع بسبب الكلفة الهائلة لاستمراره، فإنّ القوى المحرّضة المموّلة لهذا الصراع تضغط بكلّ قوّتها لاستمراره.

1- يريد بايدن استمرار الحرب الأوكرانية – الروسية حتى آخر يورو أوروبي وآخر جندي أوکراني.

2- في اليمن تريد طهران استمرار التوتّر والتهديد الحوثيَّين ، حتى آخر ريال يمني وآخر جندي حوثيّ.

3- في ليبيا تريد تركيا استمرار دور حكومة طرابلس التخريبي حتى آخر برميل نفط ليبي.

إقرأ أيضاً: بعد 93 سنة: الكلاسيكو السعوديّ الأفضل (2/2)

ستبقى هذه الصراعات معنا لعقود من دون حلّ لأنّ من المصلحة استمرار النزيف والعقوبات ومبيعات السلاح، لكن من دون تسوية نهائية توقف الخسائر التي هي “عزّ الطلب” عند الكبار.

باختصار، إنّني غير قادر على الانتصار عليك، لكنّني بالتأكيد أستطيع أن أكبّدك الخسائر!

لمتابعة الكاتب على تويتر:  Adeeb_Emad@

مواضيع ذات صلة

سيادة الرئيس.. نتمنى أن نصدقك

“لو كنتُ رئيساً للولايات المتحدة، لما اندلعت حرب أوكرانيا وغزة” هذا صدر البيت.. أما عجزه، فسوف يوقف الفوضى في الشرق الأوسط، وسيمنع اندلاع حرب عالمية…

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….