حصل رجب طيب إردوغان على خمس سنوات أخرى في الحكم. كان الوصول إلى تلك النتيجة صعباً. ذلك ما خبره الرئيس التركي شخصيّاً حين فشل في حسم انتصاره في الجولة الأولى من الانتخابات. لم تكن شعبيّته مطلقة كما كان يتوهّم أنصاره. ذلك درس مهمّ. غير أنّ الدرس الأهمّ الذي سيواجهه في رئاسته الجديدة يكمن في أنّ المنطقة قد تغيّرت وصار عليه أن يسلك طريقاً جديدة غير تلك التي سلكها في رئاسته الأولى. سيكون عليه أن يغيّر سياسته الخارجية ليكون أكثر نفعاً للداخل التركي، وبالأخصّ على المستوى الاقتصادي الذي تعرّض لاهتزازات كبرى، وهو ما انعكس سلباً على مستوى ثقة الشعب به وبقدرته على النهوض بالواقع الاقتصادي في تركيا. لن يتحقّق ذلك إلا من خلال ركن توجّهاته العقائدية جانباً ونسيان وهم الزعامة الذي أوقعه في فخّ خيال استعادة ماضي السلطنة العثمانية على حساب جيران تركيا.
طموحات غادرها الأتراك
في رئاسته الأولى أغرق إردوغان تركيا بطموحاته المتخلّفة التي سبق للأتراك أن غادروها بعدما أنشأ كمال أتاتورك جمهوريّته على أنقاض سلطنة لم يعد لها مكان في العصر منذ أكثر من مئة سنة. حلَم إردوغان أن يكون سلطاناً وجرّ تركيا وراءه إلى سرير الرجل المريض. لم ينصحه أحد من الأوروبيين الذين سبق لهم أن تقاسموا أملاك أجداده لأنّهم أرادوه أن يمعن في تمترسه وراء الجدار الذي يفصل تركيا عن أوروبا ويقف حائلاً دون قبول عضويّتها في الاتحاد الأوروبي على الرغم من أنّ الرئيس التركي كان يضغط من خلال أمواج اللاجئين السوريين ومن خلال الجاليات التركيّة المنتشرة في أوروبا، وبالأخصّ في ألمانيا. تركوه يبالغ في أخطائه في مقابل أن يدفعوا له ثلاثة مليارات يورو، هي جزء من تكلفة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا.
يواجه إردوغان اليوم عالماً مختلفاً في المنطقة التي صارت دولها تمدّ يدها إلى تركيا من منطلق الشراكة
لكنّ ذلك لم يكن نافعاً. فالرجل الذي بدأ السياسة نجماً للنهوض الاقتصادي لم يعد قادراً على التحكّم بسعر صرف الليرة التركية الذي صار يتهاوى. وعلى الرغم من كفاءة القطاع الخاص في الإنتاج والتصدير وجلب العملات الصعبة فإنّ تكلفة الحروب الصغيرة التي خاضتها تركيا أرهقت الاقتصاد التركي ووهبت تركيا صفة الدولة المنبوذة من قبل دول هي أكبر الأسواق للبضائع التركيّة، وتحديداً الغذائية منها. خسرت تركيا الكثير بسبب سياسات إردوغان. غير أنّ تركيا بعيداً عن الاقتصاد لم تفرض هيمنتها في المنطقة. وهو ما يعني أنّ الرجل خسر الطريقين في الوقت نفسه. الطريق التي تقوده إلى شعبه والطريق التي تقوده إلى السلطنة. كان إردوغان مجرّد حلم إخوانيّ لم يتحقّق منه شيء وظلّ مجرّد خيال عائم.
يواجه إردوغان اليوم عالماً مختلفاً في المنطقة التي صارت دولها تمدّ يدها إلى تركيا من منطلق الشراكة. فلا مصر ولا المملكة العربية السعودية ولا دولة الإمارات العربية المتحدة وقفت عند حدود الخيال الإردوغانيّ، ولا هي راغبة في الاستمرار في نبذ تركيا من جهة اعتبارها عدوّاً. لقد نهض في المنطقة فكرٌ سياسي جديد صار على إردوغان بتأثيره أن يغيّر من سياساته بحثاً عن مصالح تركيا التي صارت في عهدته لخمس سنوات مقبلات. لقد فشل مشروع الإسلام السياسي الذي كان إردوغان يأمل أن يكون من خلاله سلطاناً عثمانياً جديداً، وصار على الرئيس الجديد أن يتعامل بمنظور معاصر يرى من خلاله دول المنطقة على حقيقتها. فليس الإضرار بسوريا هدفاً يقرّبه من حلم صار مستحيلاً ما دامت روسيا قد وضعت سوريا في قائمة ممتلكاتها. كما أنّ ما يُخفيه من علاقة تركيا بإسرائيل لا يمكن أن يستمرّ مستتراً.
إقرأ أيضاً: إردوغان الثالث بمواجهة فرنسا وأوروبا
هل أنت مفيد يا إردوغان؟
في رئاسته الجديدة سيكون السؤال مفاجئاً: “هل أنت مفيد يا إردوغان لشعبك؟”. احتفل إردوغان بانتصاره في مسجد، غير أنّه بالتأكيد سيخرج إلى عالم مختلف وهو يدرك أنّ العالم من حوله قد تغيّر. كما أنّ تركيا التي وهبته الرئاسة الثانية كانت هي أيضاً قد تغيّرت. تغيّر مزاج شعبها وصار على إردوغان أن يرضيه وينسجم معه في أثناء رئاسته لخمس سنوات مقبلات لن يكون فيها إردوغان السنوات الخمس الماضية. فالرجل أثبت عبر السنوات العشرين التي كان فيها في الحكم أنّه يجيد اللعب على حبال السياسة. يلعب فيخسر في انتظار أن يلعب ليربح. كسب كثيراً وخسر كثيراً غير أنّه ما يزال واقفاً.
*كاتب عراقي