“إيران تقف بشكلٍ واضح وراء هذه العملية، وسنردُّ عليها. نحن نضرب إيران على كل الجبهات ولن نسمح لها بامتلاك السّلاح النّووي لا باتفاق ولا من من دونه، وهذا ما قلته للّرئيس الأميركي جو بايدن”. الكلام لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليقًا على هجومٍ استهدفَ سفينة تجاريّة مالكها إسرائيلي في بحر عُمان قبل أيّام.
التّصريح اللافت لنتنياهو جاءَ ليُضاف إلى التّوترات المُتصاعدَة في المنطقة بين تل أبيب وطهران، التي باتَ واضحًا أنّها قد تَنفَجِر في أيّ لحظة. وهو كلام تلقّفته طهران فسارعت إلى نفي اتهاماته لها، لتُقابِلَ في الوقت عينه تهديد نتنياهو بتهديد أطلقه المُتحدِّث باسم الخارجيّة سعيد خطيب زاده: “تحركات تل أبيب تثير الشكوك والزعزعة في المنطقة، وهي تعلم أنّ ردّ طَهران عَلى أيّ تهديد لأمنها سيكون حاسمًا ودقيقًا”.
“انفجار السّفينة” جاءَ كحبلِ خلاصٍ لنتنياهو الّذي بدأ باستعمالِه لإحراج الإدارة الأميركيّة الجديدة وشركائها الأوروبيين المُتحمّسين للعودة للاتفاق النّووي مع إيران. أمّا التّوقيت، فكان بمثابَة “ضربة حظّ” لرئيس الوزراء الإسرائيلي. إذ ينعَقِد خلال الأيّام المُقبلة مجلس محافظي الوكالة الدّوليّة للطاقة الذّريّة لبحث تقليص إيران لالتزاماتها، ووقف إجراءات التفتيش لمنشآتها النّوويّة.
تُحَاوِل طهران من وراء تقليص التزاماتها النّوويّة، أن تضغط على واشنطن والأوروبيين لِتُحمِّل قرارات إدارة ترامب السّابقة مسؤوليّة تنصّلها من التزاماتها. وعلى الضّفّة الأخرى، قامت الدّول الأوروبيّة بتوزيع مسوّدة قرار يقترح زيادة الضغوط وتوجيه انتقادات وتحذيرات. ما قابله وزير الخارجيّة الإيرانية مُحمّد جواد ظريف بتهديد أيضًا:” أيّ تحرّك “مُخرّب” أثناء اجتماعات الوكالة الذرية سنواجهه بردّ جِديّ”.
التّصريح اللافت لنتنياهو جاءَ ليُضاف إلى التّوترات المُتصاعدَة في المنطقة بين تل أبيب وطهران، التي باتَ واضحًا أنّها قد تَنفَجِر في أيّ لحظة
هكذا يستمرّ الطّرفان الرّئيسيّان في الاتفاق النّووي باتّباع سياسة عضّ الأصابع المُتبادَل ورميِ بعض “الجزرات” من دون أن يلتقطها أحدٌ منهما. فبايدن الّذي رمى “سحّارة” من الجزر لإيران عبر رفع ميليشيات الحوثي الإيرانيّة عن لوائح الإرهاب، ومُطالبته بوقف حرب اليَمَن وأعرب عن استعداده للعودة إلى اتفاق 2015 مع إيران، لم يجِد آذانًا صاغية في طهران. في المُقابِل كان الحرَس الثّوري يَعضّ أصابع بايدن في أكثر من موضع:
1- محاولة استهداف منشآت مدنيّة عدّة في المملكة العربيّة السّعوديّة بهجمات إرهابيّة بالصّواريخ والطائرات المُسيّرة من اليَمَن، عبر ذراعه الحوثيّة وربّما من العِرَاق أيضًا.
2- قصف مطار أربيل شمالي العراق، الّذي أسفرَ عن مقتل متعاقد مدني مع وزارة الدّفاع الأميركيّة. بالإضافة إلى قصف قاعدة “بلد” الجويّة شمال العاصمة العراقيّة بغداد والمنطقة الخضراء التي تضمّ منشآت حكوميّة عراقيّة ومقرّ السّفارة الأميركيّة في العراق.
3- زَرع ألغام بحريّة في مياه البحر الأحمر والخليج العربيّ. بالإضافة إلى الهجوم على السّفينة الإسرائيليّة في مياه بحر عُمان.
4- القيام بتجارب صاروخيّة لأنظمة الدّفاع الجوّي الإيرانيّة في وضح النّهار فوق العاصمة طهران.
وأثناء “عضّ” الباسدران لأصابع بايدن الذي قابلها بردّ أقلّ حدّة في سوريا بُغية ترك مجالٍ “للدبلوماسيّة” كما أعلن البيت الأبيض مؤخرًا، كانت إيران تُلوِّحُ للرئيس الأميركي ببوادر “إيجابيّة” عبر “دفع” الرّئيس السّابق محمود أحمدي نجاد للتودّد للأميركيين عبر شاشة قناة “الجديد” اللبنانيّة.
بايدن الّذي رمى “سحّارة” من الجزر لإيران عبر رفع ميليشيات الحوثي الإيرانيّة عن لوائح الإرهاب، ومُطالبته بوقف حرب اليَمَن وأعرب عن استعداده للعودة إلى اتفاق 2015 مع إيران، لم يجِد آذانًا صاغية في طهران
أحمدي نجاد الّذي طالمَا عُرِفَ بوجهه العَبوس وثيابه “الرّثة” وتشددّه المَقيت، ظهرَ عبر شاشة الجديد بخطاب وشكلٍ جديدين، ليوجّه انتقادات لأداء حزب الله في سوريا، ومُستنكرًا قصف الميليشيات الحوثيّة للسّعوديّة.
من خلفِ النّظارات الـmodern كان الرّئيس الإيراني السّابق الذي طالما توعّد بإزالة إسرائيل من الخريطة، وتدمير “استكبار” الولايات المُتحدة، بمثابة “المهاتما غاندي”. مُفعمًا بالحبّ والسّلام، مُخاطبًا وليّ عهد المملكة العربيّة السّعوديّة الأمير مُحمّد بن سلمان بأرقّ العبارات ومعه دول الخَليج العربيّ.
كلام نجاد “المعسول” لم يكن وليد الصّدفة أبدًا، إذ جاء بعد ساعات قليلة من تهديدٍ للمرشد علي خامنئي الذي توعّد برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% “بحسب الحاجة”. وبكلمات أخرى، كانت إيران تُخاطِب بايدِن ليختار واحدًا من اثنين: سلام نجاد أو تحدّي خامنئي. إذ من المعلوم حجم الرّقابة الحديديّة للحرس الثّوري الإيراني على التصريحات الإعلاميّة والاتصالات في إيران. وكلام نجاد لم يكن ليَخرج إلى العلن لولا موافقة الدّولة العميقة على مُحتواه، وإن سرّب أنباءً بعد كلامه مع الزّميلة نانسي السّبع عن نوايا لاغتياله، إذ لا يعدو كونه استعطافاً لأميركا والغرب، ورسالة أنّ “جزرة نجاد” المُرشّح المُحتمل للرئاسة لن يبقى طويلًا على الطّاولة.
في ظلّ هذه الأجواء الضبابية بين واشنطن وطهران، كانت الرؤية أفضل عند نتنياهو الّذي يحتاج قُبيل انتخابات الكنيست الجديدة إلى ضربةٍ عسكريّة محدودة ضدّ إيران، أو إلى إحباط مساعي التفاوض الأميركي – الغربي معها.
زعيم الليكود لم يَتَقبَّل كل النصائح الأميركيّة والأوروبيّة والروسيّة التي أُسديت إليه عن أنّ إعادة طهران إلى المُفاوضات النّوويّة خطوة لصالحه، باعتبارها تمنع إيران من تطوير برنامجها النووي واستخدامه على المستوى العسكريّ وبالتّالي يمنعها من تطوير “قنبلة نوويّة”.
كلام نجاد “المعسول” لم يكن وليد الصّدفة أبدًا، إذ جاء بعد ساعات قليلة من تهديدٍ للمرشد علي خامنئي الذي توعّد برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% “بحسب الحاجة”
قد يعتَقِد نتنياهو أنّ عليه اقتناصَ الفُرصّة في الوقت الضّائع. وبالتّالي قد يسعى إلى توجيه ضربة عسكريّة ضد إيران بناءً على واحد من خيارين:
1- الأوّل، على مناطق النّفوذ الإيراني في الدّول العربيّة: لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن.
2- الثّاني، في الدّاخل الإيراني. ونتنياهو ليس ببعيدٍ عن هذا الخيار، إذ شنّت تل أبيب هجمات سيبرانية في الدّاخل الإيراني استهدفت منشآت نوويّة وعسكريّة إيرانيّة. وكذلك اغتالت العالم النّووي مُحسِن فخري زاده قبل أشهر قليلة في طهران.
إقرأ أيضاً: جواد ظريف مبعوث بايدن إلى إيران
والمُؤشّرات تُفيد بأنّه لو قرّر نتنياهو توجيه ضربة لإيران، فإنّ الهدف الأرجح سيكون البرنامج النووي وما يتعلّق به في الدّاخل الإيراني وليس مَنَاطق النّفوذ وسيطرة الأذرع والميليشيات.
إيران التي تُسابق بايدن وانتخاباتها الرّئاسيّة المُقبلة لن “تبتلع الموس” في حال وجّه نتنياهو ضربةً لها، خصوصًا في الدّاخل. وهذه النّقطة تحديدًا سرّعت في الآونة الأخيرة حركة الوسطاء بين أميركا وإيران، وتبادل الرّسائل “تحت الطّاولة” التي يقودها من الجانب الأميركي مُستشار بايدن لشؤون المناخ ووزير الخارجيّة السّابق جون كيري، ومعه المبعوث الخاص لإيران روبرت مالي، بحسب معلومات خاصّة بـ”أساس”.
جهود كيري ومالي السّياسيّة تسعى إلى منع تطوّر الوضع العسكري بين تل أبيب وطهران، وإبقاء رغبات التفاوض قائمة، وإن تأخّر الجلوس إلى الطّاولة. فمن المحسوم أنّ أيّ ضربة عسكريّة – ولو محدودة – يُنفّذها نتنياهو ضدّ أهداف في الدّاخل الإيراني بذريعته الحاضرة “سفينة بحر عُمان”، قد تنسُف جهود التفاوض وتقلب الطّاولة على الجميع…