في ظلّ المعارك المفتوحة من العهد وجبران باسيل على “جبهات” الحكومة والتدقيق الجنائي و”قضية غادة عون” وملفات الفساد وترسيم الحدود… يكتسب صمت حزب الله معانيَ كثيرة يختصرها المقرّبون من حزب الله بالمعادلة الآتية: “ليس كلّ ما يفعله جبران باسيل نوافق عليه، والمآخذ كبيرة. لكنّ تحييد حزب الله نفسه عن المواقف، التي يخرج فيها باسيل عن المساحة المشتركة بين الطرفين، قرار قائم حتّى إشعار آخر”.
عَكَس بيان “كتلة الوفاء للمقاومة” الأخير “رسماً تشبيهيّاً” لموقف حزب الله من التطوّرات الأخيرة على صعيد أكثر من ملف، بما يوحي باستمرار الحزب بإمساك العصا من النصف مع محاذرة تبنّي “المُطالعات الدفاعية” لعون وباسيل، خصوصاً في الملف الحكومي وتطوّرات الملف القضائي واعتبار التدقيق الجنائي ممرّاً للتأليف.
فعلى خطّ الحكومة عمّم الحزب “المسؤوليات” من دون تحديد الجهات المُعرقِلة، من خلال الإشارة إلى “مسؤولية كل فريق يعمل على إضاعة الوقت وتغليب المصالح الضيّقة”، مع تسليم الحزب بأنّ “تشاور الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية هو الممرّ الطبيعي والدستوري لولادة الحكومة حين تتوافر الجدّيّة المطلوبة”.
أمّا على مستوى القضاء و”مشهد الخلل والارتباك في جسمه أخيراً” (كما جاء في البيان ربطاً بقضية القاضية غادة عون وملف التحويلات المالية)، فبدَت رسائل الحزب أكثر وضوحاً في حديث البيان عن “مشهد لا يعكس صورة رصينة للقضاء”، مع التشديد على أنّ “القضاء كلّه معنيّ بملاحقة الفساد ومحاكمة الفاسدين”.
عَكَس بيان “كتلة الوفاء للمقاومة” الأخير “رسماً تشبيهيّاً” لموقف حزب الله من التطوّرات الأخيرة على صعيد أكثر من ملف، بما يوحي باستمرار الحزب بإمساك العصا من النصف مع محاذرة تبنّي “المُطالعات الدفاعية” لعون وباسيل
تبادل الرسائل علناً بين الحليفين بات من ثوابت العلاقة. الجيوش الإلكترونية مستنفرة دوماً، وناشطو الحزبين لا “يقصّرون”. وفيما يفرض النهج الحزبي الحديدي لحزب الله التزاماً من جانب نوّابه باستراتيجيات تظهير الموقف، فإنّ نواب التيار يذهبون بعيداً في كشف عورات العلاقة المُهتزّة.
وآخر النماذج تعليق النائب أسعد درغام، أمس، في شأن إدارة حزب الله لملفّ القرض الحسن، وبطاقة السجَّاد التمويلية، قائلاً: “حتى نحافظ على بيئة معيّنة نطيّر البلد. فليفعلوا ما يريدون، وهذا حقّهم، لكن فليبنوا دولة في الوقت نفسه”، طالباً من الحزب أن “يُعامل الفاسد كالعميل طالما أنّه صاحب معادلة الفاسد كالعميل”.
ويقول قريبون من الحزب: “لا شكّ أنّ حزب الله يتعاطى مع ما يحصل، استناداً إلى حجم الصراع القائم، وحدّة الأزمة بكل أبعادها، باعتباره مرحلةً انتقاليةً، لعوامل الداخل تأثيرات فيها أكثر من العامل الخارجي. ولذلك الخلاف بين عون والحريري تجاوز مسألة تأليف الحكومة وأصبح أزمة حكم ونظام”.
مسارٌ طويل من تدحرج كرة الأزمة، بدءاً من الضغط الأميركي والخليجي مع انتخاب ميشال عون رئيساً، إلى انفراط عقد التسوية بين عون والحريري، و17 تشرين، وانفجار الأزمة المالية، ثمّ انفجار مرفأ بيروت، وتعثّر حكومة حسان دياب، ثمّ استعادة الحريري لورقة التكليف ووضعها في جيبه، بالتزامن مع تفاهمات غير ناضجة في المنطقة… هو مسارٌ مشبّع بالألغام، لكن لم يكن كافياً لخوض الضاحية معارك العهد بالجملة، وهو ما استدعى ردّة فعل من جانب باسيل لوّحت بإعادة النظر في ورقة التفاهم “لأنّ شبابنا ما عادوا يحملوا”.
في المعطيات لم يجلس الطرفان معاً حتى الآن للنقاش في تعديل التفاهم المقترح من جانب التيار الوطني الحر، لا بل إنّ الأحداث باعدت أكثر بين الطرفين.
في موضوع الحكومة يشدّد الحزب، وفق قريبين منه، “على أولوية تشكيل الحكومة قبل أيّ شيء آخر، الأمر الذي سيخفّف من حدّة الارتطام الكبير. وهو أمر يتطلّب تدوير زوايا لم يلمسه حزب الله عند الطرفين، خصوصاً أنّ الحزب يرى، وفق منطقه، أنّ واشنطن والسعودية تخوضان معركة شرسة في الداخل اللبناني لا يمكن مواجهتها بالتعنّت المتبادل وانتظار المعطى الخارجي، وهو واقع سبق للسيّد حسن نصرالله أن أكّده في أكثر من مناسبة”.
يقول قريبون من الحزب: “لا شكّ أنّ حزب الله يتعاطى مع ما يحصل، استناداً إلى حجم الصراع القائم، وحدّة الأزمة بكل أبعادها، باعتباره مرحلةً انتقاليةً، لعوامل الداخل تأثيرات فيها أكثر من العامل الخارجي. ولذلك الخلاف بين عون والحريري تجاوز مسألة تأليف الحكومة وأصبح أزمة حكم ونظام”
لكنّ أوساطاً مطّلعة تشير إلى أنّ “صعوبة التوافق بين عون والحريري، والموقف السعودي الرافض بالمطلق دعم سعد الحريري، وتبنّيه لاسم نوّاف سلام، ومواقف الرئيس المكلّف من الفاتيكان الموجّهة ضد حزب الله، وإن لم يسمِّه، والمراوحة القاتلة في تأليف الحكومة، ووضع حسان دياب كلّ رصيده في سلّة رؤساء الحكومات السابقين بعد الادّعاء عليه من جانب القاضي فادي صوان، كلّ هذه المعطيات قد تدفع الحزب جدّياً إلى الذهاب نحو خيار التفتيش عن بديل للحريري من دون تبنّي بالضرورة أسماء مرشحين لرئاسة الحكومة موجودة على طاولة بعبدا”، مؤكّدة أنّ “موقف الرئيس بري هو المفصل في هذا التوجّه”.
إقرأ أيضاً: سحب التكليف من الحريري: باسيل لم يستسلم بعد
وصحيح أنّ الاستغناء عن تكليف الحريري يريح عون، لكنّ المطّلعين يؤكّدون أنّ أولوية الحزب الآن لا تزال تشكيل الحكومة، وخيط التنسيق لم ينقطع مع الرئيس المكلّف، فيما ينصرف في الوقت نفسه لتوفير الإمدادات “اللوجستية” والغذائية لبيئته بمعزل عن أيّ تنسيق مع حليفه المسيحي، ويتصرّف على أساس أنّ مؤشّرات الحلّ لا تزال بعيدة.
أمّا في موضوع القضاء فليس في قاموس الحزب ما يوحي بدعم “ظاهرة” غادة عون. وهنا ينقل بعض القريبين من حزب الله استغرابه لذهاب الفريق العوني نحو “معارك فرعية وفرز القضاء، فيما المعركة الكبرى، وهي رياض سلامة، لم يخضها التيار الوطني الحر، بما يوحي بجدّية تقود إلى محاسبته أو ضبط أدائه، مع العلم أنّه الجهة الأقدر على لجم فلتان الدولار، وآخر إبداعاته اختراع منصّة جديدة غير مضمونة النتائج”!