لم يُدرِك الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّه في اللحظة التي كان مناصروه يتسلّقون شُرفات مبنى “الكابيتول”، كان مُستقبله السّياسي وكلّ ما حقّقه خلال ولايتهِ يسقطُ عنها ليرتطم بالأرض إلى غير رجعة.
ورغم أنّنا لم نُشاهد وجه رئيسة مجلس النّواب نانسي بيلوسي ساعة كان “ذو القرنين” يجلس على كرسيِّها، أو أحد المُقتحمين يحمل منصّتها ويعرضها على موقع e-bay للبيع، إلّا أنّ الكيمياء المفقودة بينها وبين ترامب وتجّلت يوم رفَض مصافحتها وأحرجها أمام الملايين، تجعلنا نتيقن أنّها كانت تنتظر اللحظة المُناسبة للانقضاض على الرّئيس المُغادِر ومعها الحزب الدّيمقراطي وبعض الجمهوريين، لإخراجه بطريقة مُذلّة بعد 4 أعوام من دخوله البيت الأبيض. فارتدت بيلوسي في الجلسة التي أحال فيها مجلس النّواب قضية ترامب إلى مجلس الشّيوخ الزّي نفسه الذي ارتدته في محاولة عزله الأولى.
وفي سابقةٍ بتاريخ الولايات المُتحدة، يعمل كبار قادة مجلس الشّيوخ على خطّيْن متوازيين: الأوّل محاسبة الرّئيس المُغادر دونالد ترامب بتهمة التحريض والتمرّد، والثّاني التحضير لاستلام الرّئيس المُنتخب جو بايدن والنّظر في أجندته والأسماء التي رشّحها لتولّي زمام الأمور في إدارته وخطتة التعافي الاقتصادي التي يقترحها.
رغم أنّنا لم نُشاهد وجه رئيسة مجلس النّواب نانسي بيلوسي ساعة كان “ذو القرنين” يجلس على كرسيِّها، أو أحد المُقتحمين يحمل منصّتها ويعرضها على موقع e-bay للبيع، إلّا أنّ الكيمياء المفقودة بينها وبين ترامب وتجّلت يوم رفَض مصافحتها وأحرجها أمام الملايين
لن يكون ترامب في موقع قوّة بمواجهة إجراءات العزل، وإن كان سيغادر البيت الأبيض بعد أيّام قليلة. والعبرة لن تكون في عزله مع انتهاء ولايته، بل إنّ ما يريده الدّيمقراطيّون فعلًا هو قطعُ الطريق أمام تولّيه أي منصب فيدرالي كبير في المُستَقبل، ما قد يكلّفه أيضًا معاشه التقاعدي الذي يبلغ أكثر من 200 ألف دولار سنويًا. إذ تحدّثت بعض التقارير عن نية ترامب خوض انتخابات الرئاسة في 2024.
بيت القصيد الذي يُنشِده الدّيمقراطيّون حول جدوى عزل ترامب هو القسم الثالث من البند الأوّل في الدستور الأميركي الذي يوضح أمرين مهمَين، بشأن صلاحية مجلس الشيوخ في إجراء محاكمة العزل: الأوّل هو العزل من المنصب، وهذا لن يكون ممكنًا إذ إنّ الإجراءات لن تبدأ قبل ظهر 20 كانون الثّاني الذي يغادر به ترامب البيت الأبيض، أمّا الثّاني فهو الذي يلجأ إليه خصوم ترامب، ويرمي إلى نزع الثقة وحرمانه من أي تشريف أو منصب فيدرالي في الولايات المتحدة. وبهذا البند أيضًا يقطع الدستور الأميركي الطريق أمام التهرب من “نزع الثقة”.
ولا تنفع المُقارنة بين قضيّة ترامب وبين إجراءات عزل الرئيس السّابق ريتشارد نيكسون، الذي أعلن استقالته في آب 1974، لأنّ مسألة عزله كانت محسومة، لكنّه تحمّل المسؤولية ولم يتنصل من أخطائه. ولم يتحرّك الكونغرس يومها لنزع الثقة منه، لأنّه لم يكن في وارد العودة لشغل أي منصب فيدرالي في البلاد، بعكس ترامب.
إقرأ أيضاً: 5 ملاحظات من أحداث “الكابيتول”: هل كان ترامب يقود انقلابًا؟
الحزب الدّيمقراطي الذي يهيمن على السّلطة برئاستها ومجلسي الشّيوخ والنّواب لن يكون في مهمّة صعبة، إذ يعتبر الدّيمقراطيّون أنّ الأدلّة التي تُدين ترامب بالتحريض على اقتحام المؤسسة الدستوريّة العليا في البلاد دامغة. خصوصًا أنّ الإدعاء الاتحادي عرض دلائل للقضاء تدعم فكرة أنّ نيّة محدثي الشغب أمام “الكابيتول” كانت أسر واغتيال مسؤولين منتخبين في حكومة الولايات المتحدة.
وفي التّوازي، يرى بعض الجمهوريين في محاسبة ترامب فرصةً لـ”تطهير الحزب” من الحالة “الترامبيّة”، وبالتّالي تحضير العدّة لخوض انتخابات 2024 التي يُمكن أن ينحصر الخيار داخل الحزب فيها بين نائب الرّئيس مايك بنس ووزير الخارجية مايكل بومبيو. إذ إنّ الأوّل استغل “غفلة ترامب” ليتخلّص من عباءة الترامبيّة، بينما الثّاني شجب التصرّف أمام الكونغرس دون أن يقطع “شعرة معاوية” مع رئيسه الحالي، طمعًا في دعم القاعدة الشّعبية المؤيّدة له.
[VIDEO]