تحوّل لبنان إلى اهتمام أساسي لدى قيادة الحزب، فلأوّل مرة منذ تأسيس حزب الله عام 1982، لم يعد لبنان مجرد ساحة للجهاد والمقاومة أو لنصرة القضايا العربية والإسلامية، بل أصبح الوضع اللبناني الداخلي هو نقطة الاهتمام الأساسية في مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية. وقد بدأ ذلك منذ حملة الإنتخابات النيابية الأخيرة، لكنّه تعزّز كثيراً خلال الأشهر الأخيرة وبات الوضع اللبناني الداخلي الشغل الشاغل للقيادة والكوادر على مختلف المجالات.
هذه حصيلة حوارات مكثّفة بين مجموعة من الكوادر الإسلامية وعدد من قيادات ومسؤولي الحزب خلال الشهرين الماضيين، ولا سيما بعد الحراك الشعبي في 17 تشرين الأوّل الماضي، وهذه حصيلة لأهم الأفكار والطروحات التي قدّمت في هذه اللقاءات.
حزب الله شريك أساسي في صنع السياسات الداخلية ولن يقبل بأيّ مسار يؤدي إلى الانهيار
لا يوجد تصوّر نهائي ومكتمل للرؤية المستقبلية. والحوارات مفتوحة على كلّ الخيارات، فليس لدى قيادة حزب الله حالياً مشروعاً ناجزاً وواضحاً حول مستقبل لبنان وكيفية تطوير نظامه السياسي والإقتصادي لمواجهة مختلف التحدّيات. هناك أفكار وإقتراحات عديدة تُدرس وتناقش داخل أروقة الحزب السياسية والفكرية، والأولوية اليوم لإنقاذ الوضع الإقتصادي والمالي وإعادة العملية السياسية إلى مسارها الطبيعي. وفي حال تحقّق هذا الهدف عبر الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور حسّان دياب وتوقفت عملية الانهيار، بعد ذلك لدى حزب الله العديد من الأفكار والمشاريع لتطوير النظام السياسي انطلاقاً من اتفاق الطائف، وكذلك الأمر حول الوضع الإقتصادي والمالي والإجتماعي، وكلّ ذلك مرتبط بتطوّر الأوضاع الداخلية والخارجية.
ولأنّ حزب الله بات شريكاً أساسياً في صنع السياسات الداخلية فهو لن يقبل بأيّ مسار سياسي يؤدي إلى انهيار البلد أو يقف حجر عثرة أمام محاربة الفساد. كما أنّه لن يتساهل مع أحد (سواء من حلفائه أو من غير الحلفاء) في المرحلة المقبلة، وسيخوض حرباً علنية ومكشوفة ضد الفساد والفاسدين وفقا للآليات القانونية ومن ضمن الأسس التي حددها سابقاً. هذا ما يقوله مسؤولو الحزب.
والإهتمام بالوضع الداخلي لا يلغي أولوية تطوير بنية المقاومة والاستعداد لأيّ مواجهة مع العدو الصهيوني (رغم استبعاد حصولها في الأفق المنظور)، فالحزب مستمر في تطوير القدرات الصاروخية واللوجيستية والكوادر القتالية. واستفاد كثيراً من المعارك التي خاضها في سوريا، كذلك هو مستمرّ في تطوير هذه البنية ولن يتخلّى عنها مهما بلغت الضغوط عليه، مع الاستعداد لأيّ حوار داخلي حول مستقبل سلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية.
ينكب باحثون في حزب الله على إعادة دراسة مستقبل لبنان ودوره
ويجري تركيز الاهتمام بـ “الحرب الناعمة” والأوضاع الاجتماعية على مواقع التواصل الاجتماعي. واستحدث حزب الله مراكز وأقسام متخصصة في هذا المجال، وهي تعدّ الدراسات وتضع خططاً واستراتيجيات وتحدّد سياسات وتقدّم نصائح حول الإجراءات المطلوبة. كما نجح الحزب خلال الأشهر الماضية في تحقيق إنجازات مهمة في هذه المجالات، لكنّه مستمر في تطوير هذه الآليات ومتابعة الاهتمام أكثر بالحرب الناعمة.
وينكب باحثون في حزب الله على إعادة دراسة مستقبل لبنان ودوره على مستوى المنطقة والإقليم وعلى الصعيد الدولي. إذ يعتبر مسؤولون في الحزب أنّه لم يعد بالإمكان اعتماد السياسات القديمة على صعيد دول المنطقة وعلى الصعيد الدولي. فلبنان بات بحاجة إلى تنويع مصادر الإستيراد والإعتماد أكثر على الكتلة الشرقية والأوراسية. والسعي للبحث عن موارد وطاقات جديدة. وقد لمّح إلى بعض هذه الأفكار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في بعض خطاباته.
لكن قبل كل ذلك فإنّ الأولوية اليوم لدى الحزب هي إنقاذ البلد من الانهيار وإعادة مسار الأمور إلى طبيعتها، ومن بعد ذلك لكلّ حادث حديث.