ما هي الاستراتيجية التي تعاطى على أساسها “حزب الله” مع الحراك الشعبي المستمر منذ 17 تشرين الأول الماضي؟ وهل نجح في استيعابه وتعطيل بعض الأهداف المشبوهة التي حاول البعض تحميلها للحراك؟
لمعرفة الإجابة لا بدّ من العودة إلى خطابات ومواقف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ومسؤولي الحزب حول الحراك. كما لا بد من متابعة الخطوات العملية كلها التي نفذّها الحزب على امتداد الأسابيع الماضية، إضافة إلى ما يدور داخل أروقة الحزب.
من راقب مواقف السيد نصرالله ومسؤولي الحزب سيلحظ بوضوح التالي:
الحزب تعاطى بداية، بإيجابية مع الحراك واعتبره خطوة ضرورية لإصلاح السياسة المالية في لبنان، كما شجّع عدداً من أنصاره ومؤيديه على المشاركة في التحركات خلال الأيام الأولى، وكان يعتبر الحراك تحركاً عفوياً لا تقف خلفه أيّ جهات سياسية أو حزبية أو خارجية. لكن مع الوقت بدأ الحزب ينظر بحذر وريبة من الحراك بسبب دخول بعض القوى الحزبية والسياسية ومؤسسات المجتمع المدني على خارطة الحراك. هذا إضافة إلى حذره من بعض الشعارات والمطالب التي رفعت ومنها شعار “كلن يعني كلن”، التي ترمي إلى استهداف السيد نصرالله ومسؤولي الحزب، إضافة إلى الدعوة لإسقاط العهد – الذي يدعمه الحزب طبعاً – والدعوة إلى استقالة المجلس النيابي والحكومة.
وفي مقابل ضغوط الحراك الشعبي، دعا الحزب إلى عدم استقالة الحكومة وأيّد الورقة الاصلاحية، وقدّم كل أشكال الدعم للرئيس سعد الحريري لحضه على عدم الاستقالة. كانت التقديرات أن الحراك لن يستمر طويلاً ، لكن الأمور سارت بعكس ما أراده الحزب من خلال استقالة الحريري واستمرار الحراك الشعبي بقوة وانتقاله إلى مناطق نفوذ الحزب وخصوصاً الجنوب والبقاع. كما أن “المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق” التابع للحزب اجرى إحصاءً خاصاً كان من نتائجه أن 76 % من اللبنانيين يقفون إلى جانب الحراك الشعبي.
[START2]بدأ الحزب ينظر بحذر وريبة من الحراك بسبب دخول بعض القوى الحزبية والسياسية ومؤسسات المجتمع المدني على خارطة الحراك[END2]
على ضوء ذلك قرّر الحزب انتهاج خطة جديدة تقضي بالتفاعل الايجابي مع الحراك ومطالبه، وفي الوقت نفسه السعي لمنع تحوّله إلى قوّة ضاغطة عليه في الشارع والعمل لتجميع أوسع معطيات عن الحراك ومن يشارك فيه كي تُحدّد الأهداف من ورائه والرؤية المستقبلية لدوره، خصوصا مع بدء بروز اشارات من الخارج (أميركا) عن نية استغلال الحراك لاخراج “حزب الله” من الحكومة تحت عنوان “حكومة الاختصاصيين”.
وعلى ضوء هذه المعطيات بدأ الحزب التحرك باتجاهين:
الأول، هو السعي لاستيعاب بعض مجموعات الحراك وتبنّي مطالبهم والتحاور معهم والتأكيد على مشروعه في مكافحة الفساد واحداث تغيير في السياسات المالية والاقتصادية.
في الوقت نفسه، عمل الحزب على مواجهة عملية قطع الطرق والضغوط العملية من قبل الحراك الشعبي من خلال تشجيع بعض الموالين له ولحركة أمل، بالتحرّك الميداني لفتح الطرق والتصدي للمعتصمين في منطقة الرينغ وساحتي الشهداء ورياض الصلح، إضافة إلى إنهاء الاعتصام في النبطية.
على الصعيد السياسي، جرى التنسيق مع رئاسة الجمهورية والرئيس نبيه بري و”التيار الوطني الحر” من اجل التريّث في إطلاق الاستشارات النيابية، لإفساح المجال أمام اختيار رئيس جديد للحكومة والتوافق على حكومة جديدة، شرط أن تكون حكومة “تكنو – سياسية”، وأن يشارك فيها “حزب الله” مباشرة وألا تستهدف المقاومة.
يمكن القول بعد مضي نحو شهر ونصف منذ بداية الحراك الشعبي، وعلى ضوء المشاورات الأولية لتشكيل الحكومة (سواء كُلّف سمير الخطيب أو إلى عدنا الى احتمال تسمية الحريري)، أنّ الحزب نجح حتى الآن في استيعاب أجواء الحراك الشعبي، وإن كان يواجه ضغوطاً شعبية واقتصادية ومالية خطيرة في المرحلة المقبلة. كما أنّه أمام تحدٍّ كبيرٍ في كيفية إعادة تحسين صورته الشعبية بعدما بدا وكأنّه ضدّ محاربة الفساد وضدّ إرادة التغيير السياسي.
المعركة لا تزال مستمرة والتحديات الداخلية والخارجية كبيرة أمام “حزب الله”: فهل سيكون الحزب مع التغيير السياسي أم أنّه يريد الحفاظ على الستاتيكو القائم؟ هذا يحتاج إلى نقاش آخر.