في وقت تغرق البلاد في حضيض أزماتها الماليّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والصحيّة والأمنيّة، يغرق أبناء طائفة الروم الكاثوليك في مستنقع انتخابات الهيئة التنفيذيّة للمجلس الأعلى الذي يرأسه البطريرك يوسف العبسي ويكون له نائب من العلمانيين محاطاً بهيئة تنفيذيّة يقارب عدد أعضائها الأربعين، 14 منهم تنتخبهم الهيئة العامة.
تاريخياً، كان الصراع محصوراً على نيابة الرئيس بين كاثوليك زحلة وكاثوليك بيروت، لذلك كان التوافق على اعتماد المداورة بين المنطقتين تخفيفاً من حدّة الخلافات. لكنّ تسلل السياسة أكثر إلى قلب المجلس الأعلى، زاد من وتيرة التوترات والصراعات الداخلية، ونزع أي دور عن هذه الهيئة، سواء كان ذا طبيعة إنمائيّة أو اجتماعيّة أو اقتصاديّة، وبطبيعة الحال لا إمكانية للعب دور سياسي في ظلّ الانقسام العمودي الذي يعطّل فعاليته.
مبدئياً، ستكون الهيئة العامة على موعد مع انتخابات جديدة لاختيار 14 عضواً للهيئة التنفيذية لاكتمال عقدها بعد الإعلان عن الأعضاء المعيّنين من جانب البطريرك والمطارنة إلى جانب الأعضاء الحكميين، أي وزراء ونواب الطائفة، ليصار من بعدها الى انتخاب نائب الرئيس العلماني، وسط صراع تجلّى واضحاً بين الطامحين لهذا الموقع، وعلى رأسهم الوزير السابق سليم جريصاتي الذي أثارت رغبته بتبوّء هذا المنصب اعتراضاتٍ بالجملة، من مؤيدين لخطه السياسي ومعارضين له، وتحديداً من أبناء زحلة، ليتضامنوا بوجهه والاستعداد للمعركة من خلال دعم ترشيحات مضادة، وأبرزها للوزير السابق سليم وردة.
تاريخياً، كان الصراع محصوراً على نيابة الرئيس بين كاثوليك زحلة وكاثوليك بيروت، لذلك كان التوافق على اعتماد المداورة بين المنطقتين تخفيفاً من حدّة الخلافات
جديد هذا الموضوع، هو اعتراض “كبار الناخبين” على موعد الانتخابات المحدّدة في آذار المقبل، نظراً للظروف الصحيّة الاستثنائية التي تسبّبت بها جائحة كورونا واستطراداً الإقفال العام الذي قد يحصل في أي وقت. ما دفع بعدد من المعنيين إلى توقيع عريضة تطالب البطريرك بتأجيل الاستحقاق لبعض الوقت في ضوء قانون تمديد المهل القانونية الذي قد يتيح هذا التأجيل. إلا أنّ العبسي يصرّ على موقفه رافضاً اتخاذ أي قرار بالتمديد. ومن المفترض إقفال باب الترشيحات يوم الاثنين المقبل ليُبنى على الشيء مقتضاه… وسط تهديدات بتقديم استقالات جماعية من المجلس. خصوصاً أنّ المعترضين يلمّحون إلى وقوف البطريرك في صفّ مؤيّدي اختيار جريصاتي لموقع نائب الرئيس.
لكن في المقابل، يقول بعض المواكبين للاستحقاق الكاثوليكي إنّ البطريرك مستاء من الخلافات التي تظهرها الانتخابات كل ثلاث سنوات والتي تنسحب على عمل المجلس الأعلى فتحولّه ساحة اشتباك تعكس الصراعات الحاصلة من خلفه وتعطّل دوره بشكل كليّ، ما جعله رقعة رديفة للاقتتال السياسي. هذا مع العلم أنّ النية من تأليفه هو تعزيز دور الطائفة وليس إضعافها بحجّة الخلافات.
لذا يقول هؤلاء إنّ التراشق السياسي الحاصل في العلن بين سياسييّ الطائفة على خلفيّة الانتخابات يزيد من حماسة الكنيسة، وتحديداً البطريرك، “لنفض” النظام الداخلي للمجلس الأعلى. خصوصاً أنّ هيئته التنفيذية باتت أشبه بمناصب “بريتسيج” و”وجاهة” لا تقدّم أو تؤخّر لأبناء الطائفة، كما أنّ عديدها المبالغ فيه (حوالي أربعين عضواً) يجعل من اجتماعاتها مناسبة لشرب فنجان قهوة والدردشة لا أكثر، نظراً لاستحالة توافق مكوّناتها على أي خطة أو رؤية قد تساعد أبناء الطائفة.
يقول بعض المواكبين للاستحقاق الكاثوليكي إنّ البطريرك مستاء من الخلافات التي تظهرها الانتخابات كل ثلاث سنوات والتي تنسحب على عمل المجلس الأعلى فتحولّه ساحة اشتباك
بهذا المعنى ثمة من يفكّر في أن يكون الخلاف الحاصل حول الانتخابات فرصة لتطيير النظام الداخلي والبحث في بديل يكون أكثر عملانية وانتاجية، من خلال اعتماد ثلاثة قواعد أساسية: تقليص عدد أعضاء الهيئة التنفيذية، إخراج الصراعات السياسية من الهيئة، وتركيز دور المجلس الأعلى على الشؤون الإنمائية والاجتماعية…
إقرأ أيضاً: لا مشروع فاتيكانياً لبطريرك جديد.. والإمارات تعتمد “سياسة الراعي”
وفي هذا السياق، عاد اقتراح الوزير السابق ملحم رياشي إلى التداول. وهو سبق أن تقدّم بمشروع تعديل النظام منذ أكثر من سنتين وقد أحاله البطريرك العبسي إلى لجنة قانونية لدرسه. وقد يشكل راهناً، وفق المتابعين، مدخلاً لتعديل النظام.
تضمنت الاقتراحات المقدمة من رياشي قسمين:
القسم الأوّل: التعديلات على تكوين الهيئة العامة:
– إدخال كلّ من الأعضاء الحاليين والنقباء الحاليين والسابقين لكلّ المهن الحرّة المعترف بها في لبنان، أو المنظّمة بقوانين مهنيّة، لا سيّما منها، على سبيل المثال لا الحصر: الأطباء، المحامين، المهندسين، المحررين والصحافة.
– إدخال أي شخصية قدّمت للطائفة و/أو للوطن خدمةً هامة، على أن تبتّ الهيئة التنفيذية بقبول انتسابه بناءً على اقتراح أي عضو من أعضائها.
– إلغاء التعيينات التيّ يجريها البطريرك أو المطارنة، والاستعاضة عنها بحقّ النقض المعطى للبطريرك لاستبعاد أي اسم بقرار معلّل.
– تفعيل عمل اللجان المتخصصة.
القسم الثاني: التعديلات على تشكيل الهيئة التنفيذية:
– إلغاء منصب نائب الرئيس العلماني.
– إلغاء منصب الأمين العام والاستعاضة عنه بأمانة سرّ تحدّد مهامها بدقّة.
– إلغاء التعيينات التي يجريها البطريرك والمطارنة، وتشكيلها فقط بالانتخاب من أعضاء الهيئة العامة.
– يتمّ انتخاب الهيئة التنفيذية لولاية واحدة، ولا يقبل الترشح مرّة ثانية إلّا بعد انقضاء ولاية كاملة تفصل بين الولايتين.
– إلغاء العضوية الحكمية في الهيئة التنفيذية للنواب والوزراء الحاليين والسابقين، وإنشاء مجلس أمناء يضمّهم ويرأسه البطريرك، يجتمع مرّة كل ثلاثة أشهر لمناقشة المسائل السياسية التي تهمّ الوطن والطائفة.
– تشارك طائفة الروم الكاثوليك في طاولة الحوار الوطني او أي مؤتمر وطني تدعى إليه العائلات الروحية اللبنانية بواسطة شخصيتين أو ثلاثة من الطائفة، بحسب حجم التمثيل في الحدث. ويختارهم البطريرك ومطارنة الطائفة من أعضاء الهيئة التنفيذية، ويقدّم هؤلاء، بالتضامن، ورقة الطائفة أو رؤيتها للمواضيع المطروحة التي تعدّها الهيئة التنفيذية بعد موافقة البطريرك على مضمونها.