الأنباء الأخيرة حول دخول “حزب الله” على خطّ إعادة الحرارة إلى الحوار المتجمّد في شأن تشكيل الحكومة، رافقتها معطيات حول مخاوف من انزلاق الوضع اللبناني إلى حدود الإنفجار الاجتماعي. فما هي هذه المعطيات؟
ما يطفو على السطح من تباينات في البيت الشيعي، وآخرها ما ظهر في مواقف الزميل قاسم قصير وردود الفعل عليها من مؤيدي “حزب الله”، يشير إلى أنّ أحوال هذا البيت قد طرأت عليه تحوّلات لم تعد خافية على العارفين ببواطن هذه البيئة. وأبرز هذه التحوّلات بلا منازع، ما يتّصل بالأوضاع المعيشية التي وضعت غالبية اللبنانيين على متن قارب واحد هو انهيار القدرة الشرائية لليرة.
في استقصاء أجراه موقع “أساس” مع مصادر سياسية ودينية وإعلامية تنتمي إلى هذا البيت، تبيّن أنّ هوّة بدأت تتّسع بين أهله وصولاً إلى أفراد الأسرة الواحدة. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، أنّ فردا من عائلة له صفة كادر في “حزب الله” يقبض راتباً شهرياً مقداره 600 دولار أميركي، وآخر في العائلة نفسها موظف في الدولة بفضل انتمائه لحركة “أمل”، يقبض راتباً شهرياً قدره مليون و500 ألف ليرة، وبالتالي فقد صارا معيشياً على طرفيّ نقيض. والسبب أنّ راتب الفرد الأوّل صار يفوق الـ4 ملايين و800 ألف ليرة إذا ما جرى سعر صرف الدولار في حد أدنى 8 آلاف ليرة في السوق الرائجة، وهو فعلياً أكثر من ذلك. أما الفرد الثاني، الذي كان راتبه قبل الانهيار الدراماتيكي في سعر صرف العملة الوطنية قبل أشهر خلت، يوفّر له متطلبات حياة مريحة لجهة تقسيط ثمن شقة وسيارة وبدء حياة عائلية معقولة نتيجة أنّ راتبه يساوي ألف دولار أميركي، صار راتبه اليوم يساوي أقلّ من 200 دولار، ما وضعه تحت خطّ القدرة على الوفاء بالالتزامات المرتبطة بها على أساس العملة الخضراء.
في استقصاء أجراه موقع “أساس” مع مصادر سياسية ودينية وإعلامية تنتمي إلى البيت الشيعي، تبيّن أنّ هوّة بدأت تتّسع بين أهله وصولاً إلى أفراد الأسرة الواحدة
إنّ المثال المشار إليه لا تقتصر نتائجه على أرقام حسابية فقط، بل دخلت في نسيج علاقات متوتّرة على امتداد المساحة الشيعية بدءاً بالجنوب مروراً بالضاحية الجنوبية لبيروت وصولاً إلى أقصى البقاع الشمالي. وهناك قصص تروى عن مظاهر الرخاء التي ظهرت على الأفراد الذين ينتمون إلى الحزب، وهو ما بدا جليّاً في القرى التي تظهر فيها سريعاً أحوال العيش بين يُسر وعُسر.
هل تقف الأمور عند هذا الحدّ في البيت الشيعي؟
يُجيب على هذا السؤال وزير سابق من هذا البيت قائلاً إنّ “حزب الله” تصرّف منذ بداية الأزمة النقدية التي واجهت لبنان العام الماضي على أنّه معنيّ فقط بجماعته اللصيقة به لاسيّما كوادره في تنظيمه الأمني، الذي ما زال إلى الآن ناشطاً في تنفيذ الأدوار التي أناطتها المرجعية في طهران به في سوريا وسائر أقطار المنطقة. لكنّ الحزب، وبسبب ضخامة الأعباء، راح يقلّص التزاماته التي كان يرتبط بها في مؤسسات تربوية واجتماعية وحزبية ودينية تدور في فلكه. ولا يكتم كثيرون من الذين ينضوون في إطار هذه المؤسسات، الحديث في المجالس الخاصّة عن تبدل ظروفهم وضيق الإمكانات التي كان الحزب يوفّرها لهم سابقا. ومن القصص التي يتداولها هؤلاء حول رئيس حزب موالٍ لـ”حزب الله” صار يتلّقى مساعدات من دولة خليجية، ما ترك تأثيراً ظاهراً على مواقف يُعلنها هذا الشخص الحزبي خلال هذه المرحلة. الأمر الذي يشير بوضوح إلى أنّ هذه المساعدات أخذت طريقها إلى ولاء هذا الشخص، وإن كان الأخير لا يزال في الإطار العام غير معادٍ لـ”حزب الله”.
في سياق متّصل، خرج “حزب الله” إلى العلن في الحديث عن مساعدات، حملت عنوان “مُبادرة في عزّ الصقيع.. حزب الله يُوفّر المازوت لـ20 ألف عائلة في البقاع وبعلبك الهرمل”، وفق ما ورد على موقع “العهد” الإخباري التابع للحزب. وجاء في الخبر المرافق للعنوان: “بادر(الحزب) لتدفئة 20 ألف عائلة في محافظتي البقاع وبعلبك الهرمل ونحو ألف عائلة في البقاع الغربي، وذلك عبر توزيع مؤونة شهر تقريبًا من المازوت خلال الـ3 أيام الماضية تزامنًا مع بدء العاصفة”.
“حزب الله” تصرّف منذ بداية الأزمة النقدية التي واجهت لبنان العام الماضي على أنّه معنيّ فقط بجماعته اللصيقة به لاسيّما كوادره في تنظيمه الأمني
وقال المسؤول الإعلامي للحزب في ?البقاع? أحمد ريّا للموقع إنّ “الكميات التي وُزّعت جاءت أضعاف ما وُزّع خلال الأعوام الماضية… بناء على توجهيات سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله، من أجل توسيع دائرة الإفادة”. ويعلّق الوزير السابق المشار إليه آنفاً، على ما قام به الحزب تجاه 20 ألف عائلة بقاعية، فيؤكد على أهمية هذه الخطوة، لكنّه أشار إلى أنّ هناك 200 ألف عائلة شيعية في البقاع وحده، ما يعني أنّ مساعدات الحزب غطّت واحد على عشرة في المئة من عدد العائلات في هذه المحافظات. وشدّد على القول وفق المعلومات التي هي بحوزته، إنّ المعايير التي اعتمدها في توزيع هذه المساعدات، تنطلق من انتماء العائلات التي تلقّت المساعدات إلى دوائره اللصيقة. وسأل: “من سيهتم بـ180 ألف عائلة شيعية في البقاع وحده؟ وماذا عن سائر العائلات من شيعة ومن سائر الطوائف على امتداد لبنان؟”.
إقرأ أيضاً: مراطبين الغضب وبرندات الجوع على بلاط البوارج
لا جدال في أنّ الكلام في الإمكانات المتوافرة لمعالجة ضيق أحوال اللبنانيين لا يمكن أن يصل إلى وضع المسؤولية على “حزب الله” وحده الذي هو أعجز من التصدي لهذه المهمة لأسباب عدّة. لكنّ المسألة مع الحزب، هو أنّه يقف في وجه محاولات قيام الدولة بمسؤولياتها بسبب سياساته على كل المستويات وأهمها اليوم تحالفه مع العهد المعاند لخروج لبنان من مستنقع الأزمات والذهاب إلى الإفراج عن قيام حكومة جديدة.
حتى تتغيّر الإحوال، بات جليًا أنّ الأزمة وصلت إلى البيت الشيعي الذي صار الحديث في داخله اليوم ، يدور علانية عن شيعي يقبض بالدولار وشيعي يقبض بالليرة، وما بين الإثنين فارق كبير في سعر الصرف! من هنا يجب أن نصدّق أنّ “حزب الله” يستشعر خطراً..