11 شهرًا انتظر رئيس الحكومة السّابق تمّام سلام ليُشكّل حكومته عام 2014. العُقد يومها كانت شبيهة نوعًا ما بالتي يواجهها الرئيس المُكلّف سعد الحريري اليوم، من ثلث مُعطّل وتوزيع للحقائب والأسماء وغيرها. القاسم المُشترك بين تعطيل حكومتي سلام 2014 والحريري 2021 هو انتظار المسار التفاوضي بين الولايات المُتحدة وإيران.
قبل شهرٍ بالتّمام والكمال من إصدار مراسيم حكومة تمّام سلام، وتحديدًا 13 كانون الثّاني 2014، حطّت طائرة وزير الخارجيّة الإيراني مُحمّد جواد ظريف في مطار رفيق الحريري الدّولي ليَنزَل من طائرته وينطق بكلمة السّر للإفراج عن التشكيلة الحكوميّة: “نتمنّى إبقاء الساحة اللبنانية مستقرة من خلال تشكيل حكومة جامعة”.
وفي وقت “أصدر” ظريف “إخلاء سبيل” الحكومة، كان الأميركيّون بدورهم يقومون باتصالاتهم مع المعنيين للحضّ على الأمر عينه، ليتحوّل يومها مقرّ الرئاسة الثّانية في عين التينة إلى خليّة نحلٍ في يوم العطلة الرّسميّة (ذكرى المولد النّبويّ الشّريف). فاستقبل الرّئيس برّي وليد جنبلاط وبعده الرّئيس فؤاد السّنيورة الذي صرّح يومها: “نحن نتقدّم على المسار الصّحيح”.
في الواقع، الذي كان يتقدّم على المسار الصّحيح هو اتفاق الأميركيين والإيرانيين على الإطار التفاوضي بينهما، وإعلان الخارجيّة الأميركيّة يومها الإفراج عن 4.2 مليار دولار من الأموال الإيرانيّة المُجمّدة في الخارج.
قبل شهرٍ بالتّمام والكمال من إصدار مراسيم حكومة تمّام سلام، وتحديدًا 13 كانون الثّاني 2014، حطّت طائرة وزير الخارجيّة الإيراني مُحمّد جواد ظريف في مطار رفيق الحريري الدّولي ليَنزَل من طائرته وينطق بكلمة السّر للإفراج عن التشكيلة الحكوميّة
اليوم الواقع يبدو أقسى من عام 2014. إذ إنّ “تركة” الرّئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب الذي مارس سياسة “الضغط الأقصى” على إيران بعد انسحابه من الاتفاق النّووي، تجعل التفاوض بين الطّرفين أكثر صعوبةً رُغمَ الرّغبة المشتركة بين إدارة بايدن وبين نظام طهران على حدٍّ سواء. ويزيد صعوبة الواقع اليوم التّوسّع الإيراني في المنطقة عبر الأذرع والميليشيات من اليمن إلى سوريا مرورًا بالعراق، وإصرار بعض الدّول الأوروبيّة والدّول العربيّة على ربط الحلّ النّووي بالبرنامج الصّاروخي وملف الميليشيات الموالية لطهران.
ويزيد الطّين بلّة تكبيل الحرس الثّوري الإيراني “يدي” الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيّته محمّد جواد ظريف بـ”قانون الإجراءات الاستراتيجية لرفع العقوبات” الذي أقرّه مجلس النّواب الإيراني، حيث يُهيمن التّيار المُتشدّد على 80% من مقاعده، ويطمح رئيسه محمّد باقر قاليباف بالتّرشح لخوض الانتخابات الرّئاسيّة المُقبلة في حزيران المُقبل.
التّوتّر الذي سبّبه قانون المُحافظين بمُباركةٍ من المُرشد علي خامنئي أدّى إلى دخول وساطة قطريّة بين و اشنطن وطهران. فكان لافتًا زيارة وزير الخارجيّة القطري عبد الرّحمن آل ثاني إلى بيروت في 9 شباط الماضي قبل أن يتوجّه إلى الدّوحة ويتّصل بمُستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، فوضعه في أجواء زيارته وناقش معه الملف اللبناني والمُبادرة الفرنسيّة، بالإضافة إلى الدّور القطري في التهدئة بين واشنطن وطهران.
بعد زيارته بيروت بأيّام قليلة توجّه وزير الخارجيّة القطري إلى طهران يُرافقه مبعوثه الخاصّ السّفير القطري لدى سلطنة عُمان علي بن فهد الهاجري، والتقى نظيره الإيراني جواد ظريف ومُساعده للشؤون السّياسيّة عباس عراقجي.
القطريّون نقلوا للإيرانيين عرضًا أميركيًا شبيهًا بالّذي حصلوا عليه يوم تشكيل حكومة تمّام سلام: “الإفراج عن الأموال الإيرانيّة المُجمّدة في اليابان وكوريا الجنوبيّة والمُقدّرة بـ9 مليار دولار والسّماح لإيران بتوريد مليون برميل من النّفط لكلا الدّولتين تحت غطاء “المساعدة في محاربة جائحة كورونا”. أمّا المُقابل، فهو تحفيز طهران للجلوس على طاولة المُفاوضات قبل رفع العقوبات التي فرضها الرّئيس دونالد ترامب.
وفي السّياق، قالت مصادر أميركيّة شديدة الإطلاع على الجهود القطريّة والمُحادثات غير المُباشرة بين واشنطن وطهران أنّ الإيرانيين لم يُظهروا حماسةً للعرض الأميركي، لأسباب تتعلّق باقتراب موعد الانتخابات الرّئاسيّة وتمسّك المُرشد الإيراني علي خامنئىي برفع العقوبات دون عناوين أخرى. إلّا أنّ الإيرانيين وافقوا على “هدنة نوويّة” عرضتها الدّوحة إلى موعد الانتخابات، أي أن لا تقوم طهران بخطوات نوويّة استفزازيّة للمجتمع الدّولي غير تلك التي قامت بها مؤخًرا.
وهذا ما أكّدته موافقة مجلس الأمن القومي الإيراني ومن خلفه المُرشد علي خامنئي مؤخرًا على الاتفاق بين إيران وبين الوكالة الدّوليّة للطاقة الذّريّة الذي أُبرِمَ خلال زيارة مدير الوكالة رافاييل غروسّي العاصمة الإيرانيّة في 20 شباط وينصّ على انعكاسات لـ”الهدنة القطريّة”. رغم رفض النّواب المحافظين له وانتقادهم حكومة روحاني، إلّا أنّ الموافقة العُليا عليه كانت حاسمة.
القطريّون نقلوا للإيرانيين عرضًا أميركيًا شبيهًا بالّذي حصلوا عليه يوم تشكيل حكومة تمّام سلام: “الإفراج عن الأموال الإيرانيّة المُجمّدة في اليابان وكوريا الجنوبيّة والمُقدّرة بـ9 مليار دولار والسّماح لإيران بتوريد مليون برميل من النّفط لكلا الدّولتين تحت غطاء “المساعدة في محاربة جائحة كورونا”
في العودة إلى لبنان، يُمكن التماس تكرار سيناريو 2014 من الكلام الأخير للأمين العام لحزب الله السّيد حسن نصرالله عن أنّ حكومة “الاختصاصيين” قد تسقط خلال شهرين من تشكيلها في حال وافقت القوى السّياسيّة عليها، إلّا أنّه ينصح بحكومة “تكنو-سياسيّة”.
برأي بعض المراقبين، فإنّ تقدير نصرالله لعمر حكومة الاختصاصيين لم يكن عابراً على الإطلاق. فبعد شهرين ونيّف سيبدأ الكلام الجدّي بين الأميركيين والإيرانيين، حين يصل التّيّار المُحافظ إلى سدّة الرّئاسة. كما أنّ نصرالله يعتبر حكومة المُستقلّين الاختصاصيين هدفها إخراج حزب الله من السّلطة, ولهذه النّقطة تحديدًا أثار مسألة “سقوطها بعد شهرين”. بكلامٍ آخر، فإن خرج الحزب اليوم من الحكومة، سيعود على وقع التفاوض بين طهران وواشنطن، ولذلك نصح بحكومة “تصمد أكثر” دون الحاجة إلى إعادة التّكليف والتشكيل.
ويؤكّد ارتباط ولادة الحكومة الفعليّة بالمسار التفاوضي بين واشنطن وطهران ما قاله النّائب نُهاد المشنوق في مُقابلته الأخيرة على قناة “الحُرّة” الأميركية، عن أنّه لن يكون هناك حكومة في لبنان قبل منتصف الصّيف المُقبل. وهو الوقت الذي سيشهد تبلور رؤية القيادة الإيرانيّة الجديدة.
إقرأ أيضاً: “السيّد” يستحضر لغة الحرب لصالح تفاهم باسيل المطوّر
أمّا كلام نصرالله الموجّه إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن قدرته على “لجم” سعر صرف الدّولار، فقد تجلّى بشكلٍ فوريّ بتوجّه سلامة إلى قصر بعبدا وعقد صفقةٍ يُراد منها شراء الوقت لفريق حزب الله – العهد. فبحسب معلومات لـ”أساس”، فإنّ سلامة تلقّى عرضًا في قصر بعبدا يقوم على التالي:
استحداث منصّة للمصارف تحدد سعر صرف الدّولار وتبيعه للتّجار والمؤسّسات، على أن يكون الدّولار المُباع من الاحتياطي الإلزامي لمصرف لبنان. في مقابل أن تتوقّف الملاحقات القضائية في حقّه وحقّ بعض المصرفيين والصّرافين التي يقودها قضاة محسوبون على العهد وفي مُقدّمتهم القاضية غادة عون.
وبحسب مراقبين، فإنّ الخطوة المطلوبة من حاكم مصرف لبنان من شأنها أن تلجم سعر صرف الدّولار في الأشهر القليلة المقبلة إلى حين معرفة ما ستؤول إليه المفاوضات النّوويّة. وإلى حين وصول موعد هذه “التسوية”، يبقى لبنان رهينةً كما كان الحال عليه عام 2013 ومطلع عام 2014 في انتظار كلمة السّر من البيت الأبيض والحرس الثّوري الإيراني.