هل يستميل لبنان فرنسا وأميركا في التّفاوض؟

مدة القراءة 6 د

تتوالى الاستحقاقات على لبنان وما سينجم عنها في الأسابيع المقبلة. بين ثناياها وتواريخها  يختبر اللبنانيّون مراهنتَين على:

– أن تصرّ واشنطن على تل أبيب كي تقدّم تنازلاً في الجنوب، لنزع حجج “الحزب” بالاحتفاظ بالسلاح.

– أن تقنع الوساطات طهران بفكّ أسر “الحزب” وعدم ربط سلاحه برفع العقوبات عنها.

مراهنتان لا تُعفيان لبنان من الجدّية في سحب السلاح، فيما تتوالى الحركة الدبلوماسيّة باتّجاهه لتحذيره من الأسوأ.

 

من المواعيد والاستحقاقات الداهمة التي على لبنان التعاطي الجدّيّ معها يمكن سرد الآتي:

1- الاجتماع الرباعيّ في 18 كانون الأوّل في باريس، الذي ابتدعته الدبلوماسيّة الفرنسيّة، تمهيداً لمؤتمر دعم الجيش، المفترَض عقده في الرياض في كانون الثاني المقبل. تكمن أهميّة الاجتماع الذي يضمّ فرنسا، أميركا، السعوديّة وقيادة الجيش اللبناني في 3 نقاط، وفق قول مصادر حكوميّة لـ”أساس”:

– الاستماع إلى عرض من قائد الجيش العماد رودولف هيكل لِما أنجزته وحداته في حصر السلاح جنوب نهر الليطاني وفق الخطّة التي كان أقرّها مجلس الوزراء في 5 و7 أيلول الماضي.

– يُنتظر أن يقترح الموفد الرئاسيّ الفرنسيّ جان إيف لودريان آليّة للتحقّق الميدانيّ ممّا أنجزه الجيش من تفكيك البنية العسكريّة لـ”الحزب”. حسب أحد المصادر الحكوميّة يميل الاتّجاه إلى تكليف فريق عسكريّ فرنسيّ بالمهمّة، على أن يشترك الجانب الأميركيّ، لأنّ واشنطن، وتل أبيب خصوصاً، لا تستسيغان تولّي قوّات الأمم المتّحدة (اليونيفيل) الأمر. من استمع إلى لودريان من المسؤولين مطلع الأسبوع يعتقد أنّ قبول واشنطن الاشتراك بالتحقّق سيتطلّب تعزيز فريقها بـ”الميكانيزم” بمزيد من العسكريّين الأميركيّين. وكانت آليّة التحقّق هذه اقترحتها مستشارة الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارتها في 24 تشرين الثاني، والغرض منها إقناع الشركاء بأنّ إنجازات الجيش تستأهل تقديم الدعم له على الرغم من التشكُّك الإسرائيليّ فيها.

تتوالى الاستحقاقات على لبنان وما سينجم عنها في الأسابيع المقبلة. بين ثناياها وتواريخها  يختبر اللبنانيّون مراهنتَين

جدول زمنيّ شمال اللّيطاني: سحب السّلاح لا احتواؤه

يقدّم العماد هيكل للمجتمعين تصوّراً لتنفيذ المرحلة التالية من حصر السلاح بيد الدولة، شمال الليطاني. يقول أحد السفراء الأوروبيّين لـ”أساس” إنّ الإيجابيّات التي تحقّقت، ومنها تعيين السفير سيمون كرم لرئاسة اللجنة العسكريّة التقنيّة في اجتماعات “الميكانيزم”، لا تكفي. يجب أن يتبعه بسرعة تحديد جدول زمنيّ لمواصلة سحب السلاح في مرحلته الثانية.

تتضمّن خطّة الجيش 5 مراحل تفترض الانتقال في المرحلة الثانية مطلع 2026 إلى المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني ونهر الأوّلي (مدينة صيدا). وهذه مساحة لا يشملها تفويض “اليونيفيل” على الرغم من أنّ القرار 1701 يشملها مع كلّ لبنان. وهي تابعة لمحافظتَي الجنوب والنبطيّة، وتضمّ أقضية ومناطق لـ”الحزب” نفوذ فيها. ودأب الجيش الإسرائيليّ على قصفها بذريعة تدمير مخازن أسلحة وبنى عسكرية، وآخِرة هذه الضربات صباح أمس.

كشف أحد الوزراء لـ”أساس” أنّ التقرير الأخير الذي قدّمه قائد الجيش لاجتماع مجلس الوزراء عمّا أنجزه أظهر أنّه صادر 320 قطعة سلاح شمال الليطاني، معتبراً أنّه رقم متواضع. هذا على الرغم من أنّ الخطّة الرئيسة التي كان أقرّها مجلس الوزراء كانت أشارت إلى اعتماد سياسة “احتواء” السلاح في المنطقة الجغرافيّة شمال الليطاني المتروكة للمرحلة الثانية، أي منع نقله أو استخدامه أثناء تنفيذ المرحلة الأولى (جنوب الليطاني).

لبنان

 

كشف مصدر حكوميّ لـ”أساس” أنّ التباساً حصل حين تحدّث رئيس الحكومة نوّاف سلام عن احتواء السلاح شمال الليطاني، بينما المقصود استخدام أسلوب الاحتواء خلال الفترة الزمنيّة التي يستغرقها إنهاء المهمّة في المرحلة الأولى، جنوب النهر، على أن يباشر الجيش سحب السلاح شمال الليطاني وفق جدول زمنيّ تعرضه قيادة الجيش على مجلس الوزراء مطلع العام الجديد.

– الاستماع من العماد هيكل إلى تقرير أوّليّ عن حاجات الجيش لمواصلة تنفيذ المرحلة الثانية والتي تليها في بيروت وضاحيتها والبقاع الغربيّ والأوسط والشماليّ.

يستفيد لبنان من تجربة تفاوض إسرائيل و سوريا التي رفضت قيادتها الجديدة التسليم بالمنطقة العازلة

أيّ أفكار خلّاقة للتّفاوض؟ 

2- الاستحقاق الثاني في 19 الجاري، في اليوم التالي لاجتماع باريس، هو الاجتماع الثاني للجنة “الميكانيزم” المطعّمة بالمدنيّين. وقد يتسلّح لبنان بنتائج اجتماع باريس لجهة استكمال سحب السلاح. في الاجتماع الأوّل كرّر لبنان مطالبته بانسحاب إسرائيل ووقف الآلاف من انتهاكاتها لاتّفاق 27 تشرين الثاني 2024 بالقصف والتدمير والقتل، والإفراج عن الأسرى، فيما تحدّث الجانب الإسرائيليّ عن خلق منطقة تعاون اقتصاديّ من دون تفاصيل. القناعة الضمنيّة هي أنّ على لبنان أن يقدّم في الاجتماع المقبل اقتراحاته التي تتلاءم مع السقف اللبنانيّ، بلا تطبيع اقتصاديّ أو سلام، وتراوح المعطيات عمّا سيحمله لبنان إلى الاجتماع بين انطباعين:

– لا خطة استراتيجيّة واضحة لدى أركان الحكم والدوائر المعنيّة. هناك وزراء شكوا لـ”أساس” من أنّ الأمور تُترك للاجتهاد  وابتداعهم (improvisation) الأفكار.

هل تنجح دولة لبنان في نزع تلك الحجج منه وتستميل ترامب كي يلجمه عن خوض حرب جديدة ضدّه؟

نموذج التّفاوض السّوريّ الإسرائيليّ؟

– السفير سيمون كرم الذي عُيّن لكفاءته ووطنيّته من دون خطّة سيجترح أفكاراً خلّاقة تستند إلى الثوابت. قناعته قبل تعيينه بأنّ ركيزة أيّ حلّ هي اتّفاق الهدنة مع إسرائيل لعام 1949. ثمّة همس بأنّه لا بدّ من تعديلات لاتّفاق انتُهِك معظم الأحيان خلال 75 سنة. قد يستفيد لبنان من تجربة تفاوض إسرائيل و سوريا التي رفضت قيادتها الجديدة التسليم بالمنطقة العازلة التي احتلّتها الدولة العبريّة منذ 8 كانون الأوّل 2024. تمسّكت بإحياء اتّفاق فكّ الاشتباك لعام 1974. قبل يومين استفاد الموفد الأميركيّ إلى سوريا توم بارّاك من ضغوط دونالد ترامب على تل أبيب لوقف توغّلاتها وتصعيدها فيها. تحدّث عن “صيغة معدّلة لاتّفاق 1974 مع تحديث الآليّات لتناسب الواقع الحاليّ”. في لبنان قد يتطلّب تعديل الاتّفاق آليّات جديدة للرقابة على الأمن جنوباً تضمن أمن شمال إسرائيل.

إقرأ أيضاً: لبنان: مظلّة دوليّة وداخليّة على مفاوض لا يساوم

3- الاستحقاق الثالث زيارة بنيامين نتنياهو لفلوريدا في 29 الجاري، للقاء ترامب، حاملاً معه حججه وخطّته العسكريّة لضرب “الحزب”. هل تنجح دولة لبنان في نزع تلك الحجج منه وتستميل ترامب كي يلجمه عن خوض حرب جديدة ضدّه؟

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

ترامب “يستدعي” نتنياهو لفرض المرحلة الثّانية

لا يبدو أنّ المرحلة الثانية من خطّة دونالد ترامب ستنطلق قبل زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، المتوقّعة في نهاية الشهر الحالي. من السذاجة الاعتقاد أنّ التأخير…

أجواء برّي: تعديل اتّفاق الهدنة… وقف النّار أوّلاً

أفسح تعيين مفاوض مدنيّ هو السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد العسكريّ إلى اجتماعات لجنة “الميكانيزم” في المجال أمام البحث في حلول سياسيّة ممّا كان…

بهشلي – بارزاني: خطّان متوازيان… يلتقيان؟

شهدت العلاقات بين أنقرة وإربيل خلال الأعوام الأخيرة تقدّماً ملموساً تجاوز الكثير من العقبات، مدفوعةً بتقاطع المصالح وبناء قنوات ثقة متدرّجة. لكنّ  “حادثة شرناق” وضعت…

اللّبنانيّون يرفضون الانتحار… مع “الحزب”!

سؤال واحد يَختزل الموضوع اللبنانيّ كلّه، أي موضوع التخلّص من الاحتلال الإسرائيليّ المتجدّد لأراضٍ في الجنوب. خروج الاحتلال أولويّة الأولويّات: هل من سبيل إلى ذلك…