أيقظوا أثرياء هذا الوطن من سباتهم العميق. نادوهم بأسمائهم، اسماً اسماً، فبلدنا ضيّق والصغير يعرف الكبير. أُطرقوا بأيديكم على أبواب ضمائرهم، فالجار والصديق والأخ وقت الضيق. قولوا لهم إنّها دقّت ساعة الحاجة، ساعة الواجب لمدّ يد العون لناسكم ولأهلكم ولوطنكم في مواجهة هذا الفيروس اللئيم.
قولوا لمحمد زيدان وفؤاد السنيورة ومرعي أبو مرعي إنّ مدينتهم صيدا، حيث ولدوا وترعرعوا، وكبروا في أزقتها وبساتين الليمون، بحاجة لهم، وأنّ تجهيز واحدة من مستشفياتها على الأقل لن تنقص ثرواتهم الشيء الكثير.
قولوا لهشام عيتاني وللأخوين قصّار وآل البساتنة، إنّ بيروت تئنّ جوعاً، وإطعام فقرائها لا يشكّل عبئاً كبيراً عليهم. وهم بالتأكيد يقدّمون، لكن المطلوب أكثر. قولوا لجهاد العرب إنّ بيروت أفضلت عليك كثيراً وأنت قدّمت الكثير لها، فما الذي يمنع تجهيز واحد من مستشفياتها بالتعاون مع من سبق ذكرهم.
إقرأ أيضاً: علاج كورونا الفرنسي: ليس نهائياً.. ودوره بعد الإصابة
نادوا على نعمة أفرام، وقولوا له: “كسروان التي تحبّ تقترب من العزل الصحي وتأهيل مستشفاها الحكومي في البوار لا يحتاج، بوجود عائلتك، إلى أيّ شقيق أو صديق”. أين سركيس سركيس ومارون الحلو، لماذا لا ينشئون صندوقاً لتجهيز المستشفى؟
قولوا، لجيلبير شاغوري إنّ مسقط رأسه زغرتا لا يمتلك أدنى مقوّمات مواجهة الفيروس، وناسه متروكة لقدرها وآلامها وإهمال عمره سنوات طوال. وأنتَ قادر بتوقيع أن تُحدث الفارق الكبير في واحدة من المستشفيات. فأين دونالد العبد؟
نادوا على الأشقّاء حجيج وغيرهم من الأشقاء الأثرياء الكثر. الجنوب أعطاهم الكثير فلمَ لا يقدمّوا لأهلهم القليل في المجال الطبي تحديداً.
نادوا على محمد الصفدي “شفاه الله” ، ونجيب ميقاتي. فرغم ما قدّماه من دعم أو من وضع مقرّاتهم في خدمة الوزارات المختصّة، لكن قولوا لهم إنّ طرابلس ما زال يلفّها الخطر من اليسار واليمين، وإنّ الفيروس على أبواب ناسها الطيبين. فمن يجهّز المقرّات؟
نادوا على عصام فارس، قولوا له: يا دولةَ الرئيس، عكّار التي تحبّ يتيمة ومتروكة من الجميع. عكّار بحاجة إليكَ اليوم أكثر من أيّ يومٍ مضى وأنتَ رائدٌ في العطاء.
قولوا للأخوين فتّوش إنّ مدخول شهر من أيّ كسّارة قادر في زحلة على فعل الكثير الكثير، في التجهيزات الطبية. فأين ميريام إيلي سكاف في المجال نفسه؟
التاريخ يسجّل ويكتب كل التفاصيل. سيكتب أنّ مدينة فلان اجتاحها الوباء حاصداً المئات، ومن بقي من أهلها، تكفّل به الجوع والفقر، دون أن يلقى مساعدةً من أيّ قريب
ما بال أثرياء لبنان! هل فقدوا إنسانيتهم؟ كي يلتزموا الصمت وقت النفير. ما بالهم، وهم القادرون، كلّ في مدينته وبلدته وقريته. محافظاتنا ثمانٍ وأثرياؤنا بالمئات. فلمَ نتسوّل من المؤسسات الدولية والدول، الصديق منها والشقيق والغريب، أدواتٍ طبية وتجهيز مستشفيات؟ ومهما قُدّم لنا من الخارج لن يكفي!
كلّكم قادرون، إن أردتم. والتاريخ يسجّل ويكتب كل التفاصيل. سيكتب أنّ مدينة فلان اجتاحها الوباء حاصداً المئات، ومن بقي من أهلها، تكفّل به الجوع والفقر، دون أن يلقى مساعدةً من أيّ قريب، ومن دون أن يجد مكاناً لحجر صحيّ أو علاج مناسب.
كلّكم فعلتم الخير، ولو لم تعلنوا، لسنواتٍ، فلمَ ليس الآن؟ والأولوية المطلقة لتجهيز مقرّات للحجر الصحي وتجهيز المستشفيات . فالمقبل من هذا الفيروس اللئيم أقسى بكثير مما رأيناه وعشناه وعانيناه حتّى الآن.
التاريخ لن يغفل عن شيء، سيذكر الصغيرة والكبيرة، والسيّئة والحسنة، فكلّ الأعمال تُسجّل في صحيفة مرتكبها لتكون معونة له أو عليه يوم الحساب عند ربّ قدير.