جلسة استماع المحقّق العدلي القاضي فادي صوان إلى إفادة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في قضية تفجير المرفأ فتحت باب التساؤلات عمّا إذا كان صوان سينتقل إلى القصر الجمهوري للاستماع أيضاً إلى إفادة رئيس الجمهورية ميشال عون، ما يشكّل سابقة لم تألفها جمهورية ما بعد الطائف، تماماً كما حصل مع سابقة الاستماع إلى إفادة رئيس حكومة في السراي.
إقرأ أيضاً: غسان عويدات لن يتنحّى
فالرئيس عون سبق له أن أدلى بمواقف علنية ترسم حدود صلاحياته الدستورية تجاه الملف، ومدى معرفته بموجودات العنبر رقم 12، وذلك بناءً على ما ورد في تقرير جهاز أمن الدولة، حول قيام المديرية بإرسال بريد “خاص وسرّي” في 20 تموز الماضي إلى رئيسي الجمهورية والحكومة يبلغهما بخطورة المواد الموجودة في المرفأ.
وفق المادة 80 من قانون أصول المحاكمات الجزائية: “إذا اقتضت الدعوى سماع إفادة رئيس الجمهورية او رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس الوزراء، ينتقل قاضي التحقيق مع كاتبه إلى مقرّه ويستمع إلى إفادته”
وقد أكد عون حرفياً أنّ “هذه المواد دخلت إلى لبنان عام 2013. لم أكن على علم بها ولا بمدى خطورتها، كما أنّ صلاحياتي لا تسمح لي بالتعاطي المباشر بالمرفأ، وهناك تراتبية يجب احترامها، وعليها تحمّل المسؤولية، وقمت بالتبليغ لإجراء اللازم وهو بمثابة أمر”، مشيراً إلى أنّه إثر ورود مراسلة أمن الدولة: “أوعزتُ فوراً إلى الاتصال بالأمين العام لمجلس الأعلى للدفاع والتواصل مع المعنيين بالأمر لإجراء اللازم”.
وهو جواب لا ينسجم مع ممارسات الرئيس عون منذ أربع سنوات، بحسب قول معارضيه.
وفق المادة 80 من قانون أصول المحاكمات الجزائية: “إذا اقتضت الدعوى سماع إفادة رئيس الجمهورية او رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس الوزراء، ينتقل قاضي التحقيق مع كاتبه إلى مقرّه ويستمع إلى إفادته”.
إذاُ فإنّ الطريق سالكة قانونياً ودستورياً إلى قصر بعبدا. أما أوساط قصر بعبدا، فتجزم: “رئاسة الجمهورية مع التحقيق العام والشامل الذي لا يوّفر أو يستثني أحداً. ومع التحقيق الذي يقوم به المحقّق العدلي فادي صوان، وكامل التحقيقات التي تجريها فرق الخبراء في الميدان لتبيان الحقيقة”، مؤكدة أن “لا خطوط حمراء في التحقيق لمعرفة الحقيقة المجرّدة والكاملة بما في ذلك الاستماع إلى إفادة رئيس الجمهورية”.
لكن وفق المعطيات، ليس واضحاً ما إذا كان القاضي صوان قد قرّر الاستماع إلى عون، وأخذ إفادته كشاهد، فيما يتوقّع أن يبدأ المحقّق العدلي بالاستماع إلى الوزراء المتعاقبيبن المعنيين بالملف خلال أيام.
وتؤكد المعطيات أنّ القاضي صوّان كان اتصل يوم الجمعة الماضي برئيس حكومة تصريف الأعمال سائلاً إياه “إذا كان هناك أيّ مانع من الحضور إلى السراي الحكوي يوم الثلاثاء (أمس)”. لكنّ دياب بادره بالقول: “يمكنك أن تأتي اليوم وليس هناك أيّ عائق على الإطلاق”.
يتمحور عمل المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ حول سؤال مركزي أساسي: “من كان يعلم” بوجود كميات نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 و”حدود” المسؤولية الجزائية جرّاء العلم بها
ولوحظ أنّه منذ تقديم دياب إفادته ضبطت بشكل كامل التسرييات في شأن الشخص الذي نصح رئيس الحكومة بعدم النزول إلى المرفأ، بعدما تبلّغ دياب شفهياً من مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا بوجود مواد نيترات الأمونيوم الخطرة. فيما يجزم مطلعون أنّ “الضابط الذي أوفده دياب في اليوم التالي إلى المرفأ، كانت مهمّته تنحصر فقط في تأمين الطريق من السراي إلى المرفأ ومسالك دخول وخروج الموكب. وقد اتّخذ رئيس الحكومة شخصياً قراره بعدم النزول ولم يطلب منه أحد ذلك، بعدما تبيّن له وجود معطيات مختلفة عن تلك التي تمّ إفادته بها في البداية، وسرية التحقيق تقتضي التكتم حيالها”.
في السياق نفسه يشير مواكبون لملف التحقيقات إلى “مفارقة تَحكم موقع رئاسة الحكومة بشكل عام في هذه القضية. فهناك تركيز على آخر عشرة أيام في قضية انفجار المرفأ، إضافة إلى نسج سيناريوهات حول عدم نزول دياب الى المرفأ إثر مكالمة هاتفية حصلت في 3 حزيران، مع عدم وجود أيّ ملف بين يديه ولا حتى أيّ مراسلة (وصلت لاحقاً في 20 تموز). فيما رئيس الحكومة السابق سعد الحريري زار المرفأ في أيلول 2019 برفقة وزير الأشغال ومسؤولي المرفأ، وذلك بعد مضي سبع سنوات على وجود نيترات الأمونيوم في العنبر 12 وبوجود عشرات المراسلات حيالها وبعلم القضاء والوزراء المعنيين ورئاسة الحكومة بها. وأكثر من ذلك، أُقيمت طوال هذه السنوات عروض استقلال بالقرب من “منطقة الخطر”، ولم يأبه أحد لهذا الموضوع”!!
في سياق موازٍ، يتمحور عمل المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ حول سؤال مركزي أساسي: “من كان يعلم” بوجود كميات نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 و”حدود” المسؤولية الجزائية جرّاء العلم بها.
تنطبق هذه المعادلة على أكبر مسؤول جرى الاستماع إليه في هذه القضية، وهو حتى الآن رئيس حكومة تصريف الاعمال، حتّى أصغر مسؤول أمني أو إداري في المرفأ تمّ الادّعاء عليه.
وعلى هذا المنوال، سيكمل القاضي مع باقي الشهود ومن تحوم حولهم الشبهات بالتقصير والإهمال، بما في ذلك الوزراء المتعاقبين كلّهم، من أصحاب الصلة مع هذا الملفّ، وصولاً إلى القادة الأمنيين الكبار.
ووفقاً للمعلومات، تبيّن للقاضي صوان مع انتهاء إستجواب 25 شخصاً سبق أن ادّعى عليهم مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، إضافة إلى المسؤولين الآخرين الذين استدعاهم صوّان إلى التحقيق، أنّ عدداً من هؤلاء ثبت بالوقائع أن لا مسؤولية عليهم. لكنّ الأخير رفض في هذه المرحلة ترك أيّ أحد رهن التحقيق أو تركه حرّاً، فيما رفض ثلاثة طلبات إخلاء سبيل، في خطوة يريد من خلالها القاضي صوان تأكيد التوسّع أكثر في التحقيق لجلاء المسؤوليات بشكل واضح، وأيضأ كنوع من التعاطف مع مناخ الاحتقان الشعبي.
لكنّ معنيين بالملف يشيرون إلى أنّ القاضي صوان لن يبقي هؤلاء موقوفين حّتى موعد المحاكمة، وفي مرحلة لاحقة سيبتّ ايجاباً ببعض إخلاءات السبيل.