هديّتان إرهابيَّتان لفارس سعَيد في عيد ميلاده

مدة القراءة 5 د


تلقى فارس سعَيد في عيد ميلاده هدية هي عبارة عن شكويين قضائيتين في حقّه من منظمة تلاحقها تهمة الإرهاب وتنسب نفسها إلى “الله”. شملت إحداهما الموقع الرسمي لحزب آخر وجد نفسه في موقع واحد مع الرجل الذي جهد رئيس ذلك الحزب لإخراجه من الحياة السياسية عند أوّل فرصة انتخابية سانحة.

كانت تلك الفرصة محاولةً اغتيالٍ سياسية في عزّ “تسوية” قدمت الجمهورية، من رئاستها ونزول، في لحظة تخلٍّ، إلى الحزب التابع لدولة أخرى والذي يؤمن بالعنف، الجسدي المُسلّح، ضدّ من يخالفون رأيه أو مصالحه، بدليل تاريخه وأحكام وإثباتات، لا ينكر هو بعضها، على أدواره في لبنان والمنطقة العربية والعالم.

فارس سعَيد ابن البيت الدستوري لم يفعل يوماً سوى شجاعة الموقف والتمسك بالدستور، وإن كان يُنتهَك يومياً، وبوثيقة الوفاق الوطني، وإن لم تُطبّق إلا شذرات منها حتّى اليوم، بدءاً من البند الأول: “حلّ الميليشيات”، التي استُثنِيَت منها ميليشيا سوف تتغوّل لاحقاً خلال ثلاثين سنة وتبلع دولة لبنان وتدمّر حياة أهله وثقافتهم ونمط عيشهم، وتفصلهم عن مجالهم الحيوي في العالم، بغربه وعربه، وبشرعة حقوق الإنسان، لا سيما حقه في حياة حرة كريمة.

رجلٌ من غير مدرسة. يعيد تثمينه لثقافة ديمقراطية المجتمعات الطائفية المنفتحة إلى أصدقائه سمير فرنجية ومحمد حسين شمس الدين وهاني فحص

ولا حرية ولا كرامة لمن يُضطر إلى التسوّل. لذلك لم توفر المنظمة وسيلة، مع المجموعة التي ركّبتها على كراسي الحكم، في سبيل تحويل المواطنين اللبنانيين مجموعة شحاذين متلهّفين لمساعدات، فاقدين القدرة والإرادة على إنقاذ وطنهم من الاحتلال المُقنّع.

استولت المنظمة على لبنان بالدم والنار، بالتهويل والسياسة، بالعصا الموجعة وجزرة المناصب المُغرية والألقاب. كثيرون انقلبوا على ذواتهم ومبادئهم وتاريخهم وقبلوا. فارس سعَيد، وقلّة من السياسيين، لم يقبل.

ولطالما قابلوه بالاستخفاف: من أنتَ؟ ماذا تمثّل؟ عندما تجتمع أكبر قوّتين مسيحيتين تشكّلان 68 في المئة من الأصوات؟ يقول لهم: “إعرف عدوّك”، فيجيبون: “إعرف حجمك ووزنكَ. ما عادت موجودة “قوى 14 آذار” وما عدتَ أمينها العام. اذهب إلى بيتك حضرة النائب السابق. القضية بين أيدٍ أمينة”.

تدمير لبنان مسؤولية المنظمة المسلّحة في خدمة الخارج. تدمير القيم في التعامل بين الناس مسؤولية بعض الزعماء.

فارس سعَيد أحببناه أم لا هو قيمة في ذاته.

رجلٌ من غير مدرسة. يُعيد تثمينَهُ ثقافةَ ديمقراطيةِ المجتمعات الطائفية المنفتحة إلى أصدقائه سمير فرنجية ومحمد حسين شمس الدين وهاني فحص. خصوصاً سمير فرنجية الذي درج فارس سعَيد على مفاجأته بقالب كاتو وشمعة في عيد ميلادهما الذي يصادف في اليوم نفسه، بفارق 12 سنة. معلّموه هؤلاء كانوا ولا يزالون مثالاته الأعلين في وضوح التفكير. طوّروا فيه روح التمرد والخروج على المفاهيم السائدة في بيئته. هو المنحدر من عائلة جبلية مارونية تقليدية، والمجروح في عمقه ككل أبناء جيله بحروب لبنان الطويلة، الأهلية وغير الأهلية. خرج باكراً من الانطواء الطائفي على الذات وشيطنة الآخر. في جلسات حوار لإنجاح قرار البطريرك نصرالله صفير مقاطعة انتخابات 1992 كان نشاطه السياسي الأوّل في لبنان في إطار “المؤتمر الدائم للحوار اللبناني” بإدارة سمير فرنجية الذي أدهشه بحكمته في تقريب المسافات وحلّ الخلافات العميقة بين يساريين سابقين يعبّرون عن أفكارهم بشجاعة، ومسيحيين يطرحون بوضوح مخاوفهم وتصوّراتهم لحلول وهمية، كما هي حالهم اليوم.

تدمير لبنان مسؤولية المنظمة المسلّحة في خدمة الخارج. تدمير القيم في التعامل بين الناس مسؤولية بعض الزعماء. فارس سعَيد أحببناه أم لا هو قيمة في ذاته

كان سمير فرنجية يعرف أن يُخرج من الحوارات خلاصات توافقية ذات طابع معنوي أخلاقي يُجمع عليها المشاركون، ويتعامل مع الأضداد المختلفين، أكان في جبيل أم في جبشيت، من موقع المُربّي الموجّه والمُعالج النَفسي على السواء. من وقتها صار جاره، زمن الولدنة في حي المتحف، أستاذه، وورثا عن عائلتيهما صداقة جعلاها أعمق وأقرب.

قبل ثلاث سنوات رحل سمير فرنجية مقتنعاً بأنّ “حزب الله” انتهى لأنّه لم يعد لديه ما يقدّمه غير تكرار نفسه. هنا مكمن خطورة بالغة على فارس سعَيد الذي يبدو أنّه صار مزعجاً أو مقلقاً للتنظيم المؤمِن بالعنف، من خلال الحركة السياسية لطبيب القلب السابق والنائب السابق، وليس فقط بتغريدات ضدّ ما يسمى “حزب الله” وحلفائه، يدأب على إطلاقها فجراً على “تويتر” والناس نيام.

إقرأ أيضاً: الادّعاء على فارس سعيد: مقدّمة الفوضى الأمنية

الرجل الذي لا يرتاح ولا يهدأ بين بيروت وقرطبا وجرود جبيل تكمن خطورته، على الأرجح، في أنّه مؤسّس نظري لإطار يرى الحزب أنّه يمكن أن ينقضّ سياسياً على سلاحه، لتحرير لبنان من الهيمنة الإيرانية على قراره ودولته عندما تلوح فرصة مناسبة. كما أنّه يمثّل نقيضاً لرئيس الجمهورية ميشال عون وتياره في الهوية وسياسة “تحالف الأقليات” – خلافاً لحزب القوات – ويتمتّع بعلاقات وطيدة داخلياً مع الكنيسة المارونية التي أقنع بطريركها بشارة الراعي بالتوجه إلى المملكة العربية السعودية، وبامتدادات عربية وغربية من خلال موقعه السابق في الأمانة العامة لقوى 14 آذار.

والمنظمة المدّعية مباشرة على سعَيد، وضمناً من خلال محامين قدّموا شكوى أخرى ضده بتهمة الترويج للتطبيع، لا ترى موجباً في عقيدتها وممارستها وتاريخها للتوقف عند شيء اسمه قضاء وقانون، في لبنان أو في المستوى الدولي. أيّ إنسان لو كان محل فارس سعَيد سيُدرك أنّه مهدّد جدّياً والمسألة ليست مزحة إطلاقاً.

بعض الموارنة يُقتَلون لقطع الطريق أمام وصولهم إلى قصر بعبدا. 

مواضيع ذات صلة

تذكّروا كلام الوزير قبل 40 يوماً!

في حمأة الحديث عن تطوّرات لبنان وسوريا، بعد “تخييم” مستعمِرين في مارون الراس، وتوغّل الإسرائيليين في الجنوب السوري، حتى ملامسة مطار دمشق بالنار… وفي زحمة…

فرحة دمشق تبحث عن شمس العرب

سرديّة سياسية واحدة حكمت المنطقة على مدى قرن كامل: إمّا الدكتاتورية، وإمّا الإسلام الراديكالي. منذ باكورة الثنائيّات بين جمال عبد الناصر وسيّد قطب، مروراً بحافظ…

إيران تهدّد قطر… ليسمع الخليج؟

حذف المستشار السابق لفريق التفاوض النوويّ في حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، محمد مرندي، تغريدة ضدّ قطر كان كتبها عبر منصّة “إكس”. تقول التغريدة: “إذا…

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….