نهاية زواج متعة… بين عقلين انقلابيين

مدة القراءة 5 د


ليس كلام المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان في مناسبة عيد الفطر سوى كلام طبيعي يعكس النظرة الحقيقية لـ”حزب الله” إلى لبنان. نظرة بصيغة “الغالب والمغلوب”. لعلّ أهمّ ما في كلمة نجل رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الطامح إلى الحلول مكان والده، انطلاقاً من صيغة “الغالب والمغلوب”، ليقول إنّ لبنان الذي عرفناه انتهى تماماً.

لم يحدّد أحمد قبلان أيّ لبنان جديد يريده “حزب الله” في وقت يتبيّن يومياً أن لا نموذجَ قابلٌ للتصدير لدى “الجمهورية الإسلامية”، بل ليس لدى النظام في إيران ما يقدّمه للإيرانيين أنفسهم.

هل يمكن ان تحلّ صيغة “الغالب والمغلوب” مكان صيغة “لا غالب ولا مغلوب” التي أطلقها الرئيس الراحل صائب سلام في مرحلة معيّنة من تاريخ لبنان مؤكّداً أن البلد لا يستطيع التحليق سوى بجناحيه المسيحي والمسلم؟

سيكون ذلك صعباً… إلّا إذا كان المطلوب تدمير لبنان عن بكرة أبيه، تدمير فكرة لبنان التي استفاد منها المسيحي قبل المسلم. والمسلم، بما في ذلك الشيعي، قبل المسيحي.

إقرأ أيضاً: حزب الله بلسان قبلان للمرشّحين الرئاسيين: كرسي بعبدا ثمنها مؤتمر تأسيسي

ربط المفتي قبلان عملياً بين بقاء لبنان من جهة وسلاح “حزب الله” من جهة أخرى. صار مستقبل لبنان رهينة لوجود سلاح “حزب الله”. هذا لا يعني الاستخفاف بالدور الذي لعبه “التيّار الوطني الحر” منذ العام 2006 في تغطية “حزب الله” مسيحياً وتغطية كلّ ممارساته، بما في ذلك جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والجرائم الأخرى التي سبقتها وتلتها، من محاولة اغتيال مروان حمادة إلى اغتيال محمّد شطح.

من الواضح، أن تاريخ لبنان، بالنسبة إلى “حزب الله”، يبدأ في السادس من شباط 2006، أي بوثيقة التفاهم التي وقّعها ميشال عون وحسن نصرالله في كنيسة مار مخايل على خط التماس السابق بين الشيّاح وعين الرمّانة. كان هذا الاتفاق غير منطقي بين طرفين لا يجمع بينهما سوى رفض اتفاق الطائف والعداء لسيرة ومسيرة رفيق الحريري… والعقل الانقلابي. لدى “حزب الله” أهدافه غير المنفصلة عن الأهداف الإيرانية، وهي أهداف تتجاوز لبنان، فيما لدى ميشال عون هدف واحد هو الوصول إلى رئاسة الجمهورية بأيّ ثمن كان.

في السنة 2020، اعتقد العونيون أن لديهم هامشاً للمناورة. نسوا أنّ جبران باسيل لم يصبح وزيراً إلّا بفضل “حزب الله”، وأنّ ميشال عون لم يصبح رئيساً للجمهورية إلّا بعدما صار مرشّح “حزب الله” الذي أغلق له مجلس النواب سنتين ونصف السنة، كي يقتنع كلّ كبار رؤساء الأحزاب والكتل السياسية بانّ عدم إيصال ميشال عون إلى قصر بعبدا يعني فراغاً إلى يوم الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية.

في ظلّ كلّ هذه المعمعة اللبنانية، ليس كافياً العداء للطائف كي يكون هناك مشروع لدولة لبنانية حديثة… لا تستطيع ميليشيا لبنانية تفتخر بأنهّا تابعة لإيران سوى التدمير. لا يستطيع “التيّار العوني” سوى لعب الدور المطلوب منه أن يلعبه

انتهى الآن “زواج المتعة”، على حدّ تعبير الصديق روجيه إدّه، الذي كان عونياً، لكن الله شفاه باكراً من هذه “الحالة المَرَضية”، كما يقول الزميل نديم قطيش. هناك أسباب عدّة أدّت إلى نهاية الزواج الذي قام بين عقلين انقلابيين لا يعرف كلّ منهما سوى أمر واحد. لا يستطيع التيّار العوني أن يكون أكثر من أداة يستخدمها الآخرون غطاء لتنفيذ سياساتهم على حساب لبنان ومسيحييه على وجه التحديد، فيما لا يستطيع “حزب الله” أن يكون شيئاً آخر غير جهاز أمني وميليشيا لبنانية تعمل لمصلحة إيران. لا حاجة بالطبع إلى العودة إلى البيان التأسيسي للحزب الذي نشرته صحيفة “السفير” في 17- 2 – 1985. يقول البيان بين ما يقوله: “نواجه النظام القائم في لبنان لكونه صنيعة الاستكبار العالمي وجزءاً من الخارطة السياسية المعادية للإسلام ولكونه تركيبة ظالمة في أساسها لا ينفع معها أيّ اصلاح أو ترقيع، بل لا بدّ من تغييرها من جذورها..”.

لم يتغيّر شيء في يوم من الأيّام. لم يتغيّر “حزب الله” ولم يتغيّر “التيار العوني”. ما تغيّر هو عجز جبران باسيل في المرحلة الراهنة عن السير في سياسة ستؤدي إلى عقوبات أميركية عليه وعلى غيره. ثمّة من يعتبر أنّ هناك أسباباً أخرى مرتبطة بمعمل سلعاتا والاستملاكات وميناء سلعاتا ورخصته… وعدم حصول جبران على وعد نهائي بأنّه سيخلف والد زوجته متى تنتهي ولايته الرئاسية في آخر تشرين الأوّل 2022.

لجأ “حزب الله” إلى الخطاب السياسي القاطع لتأكيد أن لا تسامح مع عودة العونيين عن التزاماتهم تجاه سلاحه إرضاء لأميركا، في حين نفّذ الحزب كلّ التزاماته، بما في ذلك تسليمهم ملفّ الكهرباء إلى وزير عوني طوال ما يزيد على عشر سنوات.

في ظلّ كلّ هذه المعمعة اللبنانية، ليس كافياً العداء للطائف كي يكون هناك مشروع لدولة لبنانية حديثة… لا تستطيع ميليشيا لبنانية تفتخر بأنهّا تابعة لإيران سوى التدمير. لا يستطيع “التيّار العوني” سوى لعب الدور المطلوب منه أن يلعبه. لا يعرف أن ليس في الإمكان استعادة حقوق المسيحيين بسلاح “حزب الله”… هذا إذا كانت هناك بالفعل حقوق خاصة بالمسيحيين ومكان لكلام فارغ عن “الفيديرالية” بأيّ شكل من أشكالها!

ما نشهده حالياً هو نهاية زواج متعة بين عقلين انقلابيين في منطقة تبدو مقبلة على تغييرات كبيرة في العمق. ليست نهاية زواج المتعة التي يحاول كثيرون نفيها سوى بداية تحوّلات على الصعيد الإقليمي ليس لبنان المفلس، سوى تفصيل صغير، لكنّه تفصيل معبّر، فيها.

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…