في 26 تشرين الأول عام 2012 غرّد الرئيس نجيب ميقاتي على حسابه في تويتر، وكان يشغل حينها منصب رئاسة الحكومة، وذلك بعد أيام على اغتيال اللواء وسام الحسن فقال: “والله يشهد بأني أقوم بما يمليه عليّ ضميري، وهو الحفاظ على لبنان من الفراغ والانقسام، والله يشهد أني لا أحمل أيّ حقد على أحد، اللهم سامحني إذا أسأت وسامح من أساء لي”.
إقرأ أيضاً: النادي الرباعي: السنيورة أكثر النادمين؟
تغريدة الرئيس ميقاتي جاءت من الروضة الشريفة في المسجد النبوي حيث كان يؤدي فريضة الحج. واللافت أنّ ذهابه للحج وسط كلّ الأحداث الحاصلة لاقى انتقاداً في حينه، إذ رأى عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت أنّ “ذهاب ميقاتي إلى الحجّ في هذه المرحلة هو محاولة للهروب إلى الأمام…”. إلا أنّ الحدث اللافت في حينه لم يكن لا تغريدة ميقاتي ولا انتقاد فتفت، بل فشل مدير مكتبه مصطفى أديب في تأمين أيّ موعد رسمي له مع القيادة السعودية، التي امتنعت عن لقاء ميقاتي كموقف رافض منها لسير ميقاتي بحكومة “القمصان السود”، ومن ثَمّ انحيازه لحلفاء إيران ضدّ حلفاء المملكة. وهو امتعاض سعودي ما زالت بعض آثاره تنغّص على صاحب “تيار العزم” وعلى عزيمته، على الرغم من عودة الأمير بندر بن سلطان إلى لقائه من دون إعلام، وما حصل في هذا اللقاء لا مكان لذكره الآن.
من بيت الوسط ازدحمت الطلبات وعلى رأسها طلب ترشيح رئيس مجلس إدارة ومدير عام طيران الشرق الأوسط محمد الحوت لإحدى الحقائب والتي يرجّح أن تكون الاتصالات
لقد حاول مصطفى أديب، وطوال أسبوع كامل قضاه على الهاتف، متّصلاً تارة بالسفارة السعودية في بيروت، وتارة أخرى بالسفارة اللبنانية في الرياض، والقنصلية في جدة، من دون جدوى، “لا موعد للرئيس في الديوان…”. فذهب الرئيس ميقاتي إلى أرض الحرمين الشريفين كما يذهب كلّ الحجاج، ثمّ جلس في الروضة الشريفة بالمدينة المنورة على الأرض سانداً ظهره على جدار المسجد كما يفعل كلّ سنة دون لقاء رسمي ولا استقبال…
بعد ثمانية أعوام، تنقلب الصورة: مصطفى أديب رئيساً مكلّفاً للحكومة، والرئيس ميقاتي عرّابه والقاطرة التي تسير أمامه لتذليل كلّ العقبات. من تأمين منزل له في بيروت في شارع كليمنصو، ليكون جاراً للزعيم وليد جنبلاط، إلى تشكيل فريق استشاري يساعده على تدبير الأمور والملمّات، من زياد ميقاتي الصوفي الهوى الفرنكوفوني الثقافة، وما بينهما شقيقه وسيم أديب، وانتهاء بمصطفى الصلح قنصل لبنان الفخري في إمارة موناكو ونجل سميح الصلح مدير عام وزارة الداخلية سابقاً، المتزوّج من ابنة طه ميقاتي، وهو الذي يشرف على إجراء L′examen d′entrée على المرشّحين للتوزير، وصولاً إلى مسعاه، المصري والفرنسي منه، لتأمين جولة عربية له وتحديداً إلى المملكة العربية السعودية، على قاعدة: “اسأل نجيب ولا تسأل حكيم”. فأيّ رئيس حكومة لا يزور المملكة خلال رئاسته لا يكتب اسمه في سجل الرؤساء.
اللافت في تقديم طلبات التوزير، أنّ الأفرقاء الذين تعفّفوا وترافعوا في الاستشارات النيابية غير الملزمة في عين التينة، عن الرغبة بعدم تسمية من يمثّلهم من الوزراء وفي حجز حقائب وزارية تناسب الأهواء، يعمدون اليوم إلى إمطار عملية التشكيل بالأسماء والحقائب.
من بيت الوسط ازدحمت الطلبات وعلى رأسها طلب ترشيح رئيس مجلس إدارة ومدير عام طيران الشرق الأوسط محمد الحوت لإحدى الحقائب والتي يرجّح أن تكون الاتصالات. في خلفيات هذا الترشيح تشير مصادر خاصة بـ”أساس” إلى أنّ إخراج الحوت من الـ MEA هو الهدف من توزيره، إذ يسعى الرئيس سعد الحريري لتعيين واحد من مستشاريه مكان الحوت، مع العلم أنّ هذا المنصب لطالما كان من حصة سُنّة بيروت. وضمن الأسماء المقترحة من بيت الوسط نجم كرة السلّة فادي الخطيب، وشخص من آل صيداني خبير بتجارة المحروقات.
في المقابل، فإنّ الرئيس فؤاد السنيورة دفع بأوراق ابن شقيقته كريم البساط، وأغرب الطلبات جاءت عبر شخصية شمالية زكّت بحكم الصلات العائلية مع الرئيس المكلف مصطفى أديب، الموسيقي الأرمني غي مانوكيان.
مرجعية سياسية سخرت من تهافت التيارات والأحزاب والكتل على تقديم كلّ هذه الأسماء، وتشير إلى أنّ ملامح الحكومة والأسماء في حقائبها الأساسية، وضعت في باريس، وبعضها رافق ماكرون في طائرته إلى بيروت
من جهته، الرئيس بري أكّد على ثبات رغبته بالحصول على التوقيع الثالث للطائفة الشيعية، أي على حقيبة المالية. وبعكس كلّ المتداول، فإنه لم يدخل بعد في مرحلة الأسماء. وتشدّد أوساطه لـ”أساس” على أنّ الرئيس بري آخر من يقدّم الأسماء في الحكومات السابق منها واللاحق، والحكومة الحالية لن تشذّ عن القاعدة، فيما على جبهة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، تبدو الأمور محسومة لجهة حصرية البحث في الحقائب والأسماء مع رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل. فهو المخوّل من قبل العهد بتحديد المعايير في التشكيل وفي توزيع الحصص على الأفرقاء.
مرجعية سياسية سخرت من تهافت التيارات والأحزاب والكتل على تقديم كلّ هذه الأسماء، وتشير إلى أنّ ملامح الحكومة والأسماء في حقائبها الأساسية، وضعت في باريس، وبعضها رافق ماكرون في طائرته إلى بيروت، وتجاوز هذه الأسماء يعني أن لا حكومة ستشكّل ولا محاصصة ستحصل، بانتظار حصول أمر غريب مع أديب.
على خلفية كلّ ذلك، من يشكّل الحكومة نجيب أم أديب؟
كانت لافتة تغريدة وئام وهاب الذي قال: “الواضح أنّ مصطفى أديباً. المهم أن يكون نجيباً. وللحديث تتمة”. فقد حاول الرئيس ميقاتي عند تسمية مصطفى أديب أن يتبرّأ من هذه التسمية، فاعترف وهو غير قادر على الإنكار أنّ الرجل كان مديراً لمكتبه في السراي لكنّه أنكر أن يكون من “تيار العزم”. إنكار النجيب لم يكن نجيباً، فكلّ بصمات الميقاتي حاضرة في المسيرة الحكومية من فراش نوم الرئيس المكلّف وصولاً إلى السيارتين المصفحتين اللتين وضعتا في خدمته بعد صيانتهما، إلى اتصال منتصف الليل اليومي والسؤال الأوّل فيه: هل زرت سعد؟ وانتهاءً بتلويح مقرّبين من الرئيس ميقاتي في الساعات الماضية بأنّ أديب سيعرض تشكيلته الحكومية على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفي حال رفضها فسيعتذر عن التكليف من باب قصر بعبدا..!
ألا تذكرون عندما كان يهدّد الرئيس ميقاتي حلفاءه في “حكومة القمصان السود” بالاستقالة، حتّى قال له حسن نصر الله: إذا أردت الاستقالة فاستقِل..!