لم تُفهم مطالبة الرئيس سعد الحريري لحزب الله بالتضحية. لأنّ حُكم المحكمة الدولية يدين الحزب، ولا يمكن مطالبة المُدان بالتضحية، إنّما يُفرض عليه نيل جزائه.
استند تيار المستقبل على عبارة “التضحية”، وبدأ التسويق لمعادلة “التضحيات المتبادلة”.
إقرأ أيضاً: الحريري لا يسمّي ولا يغطّي.. وعون في المربع الأول
يلتزم الحريري بالصمت بإزاء كلّ الطروحات الحكومية التي تشير إلى تفضيل الثنائي الشيعي أن يترأّس هو الحكومة. لم يصدر عنه موقفٌ واضحٌ يساوي بين أن يسلّم حزب الله سليم عياش المدان بتفجير موكب الرئيس رفيق الحريري وقتله مع رفاقه، وبين قبوله بترؤس الحكومة. يبقى على صمته، بينما الأسباب التي تدفع الحزب إلى الإصرار عليه رئيساً للحكومة، أصبحت معروفة الأهداف، وهي استعادة شرعية سنّية تظلّله إلى جانب الشرعية المسيحية، شعبياً ورسمياً.
الموقف الذي ظهر عليه الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري في مقابلته مع سمر أبو خليل على قناة “الجديد”، يستحقّ أن يكون درساً في “انتظار” التسوية الخارجية. عندما سُئِلَ عن استعداد سعد الحريري لترؤس حكومة فيها حزب الله، لم يقل بشكل واضح إنّه على حزب الله تسليم سليم عياش، وبعدها يبدأ الكلام الحكومي، إنّما ذهب إلى ما يكشف صمت الحريري، الذي عمّم على كلّ جماعته بعدم تناول مسألة الحكومة كي لا يظهر في موقع المقايض. والأصعب في ردّ الأمين العام للتيار، سؤاله في معرض تأكيد الاستعداد لاستعادة رئاسة الحكومة إلى بيت الوسط، إذا ما كان حزب الله سيسمّي سليم عياش وزيراً في الحكومة. مضيفاً أنه لا بدّ من السؤال عن الصفقة الأميركية الإيرانية التي أدّت إلى هذا الحكم، وستؤدّي إلى معادلة القبول بمشاركة حزب الله في أيّ مجلس وزراء مقبل.
موقف تيار المستقبل لا يدلّ على حيرة فقط، إنما يشير إلى الركون لمعيار تلقّف ما يأتي من الآخرين بدلاً من صنع المبادرة ومفاجأتهم بها، فيضعهم في خانة ردّ الفعل
بمعزل عن التوازن في خطاب كهذا، وفي الموقف السياسي العام، فإنّ موقف تيار المستقبل لا يدلّ على حيرة فقط، إنما يشير إلى الركون لمعيار تلقّف ما يأتي من الآخرين بدلاً من صنع المبادرة ومفاجأتهم بها، فيضعهم في خانة ردّ الفعل. وفيما يعمل الرئيس نبيه بري، وحزب الله، على محاولة إقناع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل بالموافقة على ترؤس سعد الحريري للحكومة، يبدو صمت الحريري مريباً، فيكون الغائب الأبرز عما يجري، مكتفياً بتسريب أجواء لم تعد دقيقة حول شروطه التعجيزية. شروط ينفي برّي أيّ وجود لها، ويقول إنّه يعرف ما يقول ولا يزرع بغير الأرض الخصبة. وبعد التسليم بجدل شروط الحريري، الذي يرفض تشكيل حكومة تضمّ جبران باسيل، فتنعدم قدرة إدارة المعركة تحت سقف هذا الشرط، يظهر باسيل هو القادر على فرض شروطه بمنع الحريري من تشكيل الحكومة. وبذا، ينقلب السحر مجدّداً على الساحر.
إشكالية المنطق الحريري هي في رفضه تصوير أيّ عملية لإنتاج حكومة بأنّها مقايضة مع المحكمة الدولية، وهنا يبدو متأخراً كثيراً عن سياق الفهم الجمعي لدى الناس. وهو العالم أنّ حزب الله لن يمرّر أيّ حكومة بدون مشاركته، ولو بوزراء من بطانة جميل جبق أو حمد حسن، كان من الأفضل أن يطرح معادلة واضحة جداً، بما أنّ المحكمة أصدرت حكمها. فإنّ التشدّد في المطالبة بتسليم عياش هو البند الأوّل، قبل الدخول في أيّ نقاش سياسي، أو حكومي. وحتّى لو كان هناك “صفقة”، فلا يجوز الاستسلام لها في الذهاب إلى التطبيع، وكأنّ حكماً لم يصدر.
كلّ ما يجري على صعيد تشكيل الحكومة، هو إضاعة متعمّدة للوقت، وغرق في الرهان على تحوّلات خارجية، أو نضوج صفقة إيرانية أميركية. بينما من الواضح أنّ باسيل يستمرّ بفرض شروطه بوجه الحريري
إهدار أيّ فرصة لاستعادة الدور والتأثير يستمرّ ولا يبدو أنّه في صدد قراءة تحوّلات كثيرة تحصل على الساحة، على صعيد تغيّر الأدوار والأحجام. فسابقاً كان حزب الله يفاوض الرئيس نبيه بري على جبران باسيل، ويتدخّل لتحقيق كلّ ما يريده باسيل. بينما اليوم يترك حزب الله لباسيل أن يفاوض برّي، بمعنى أنّ الحكومة تمرّ ببرّي وكذلك بمطالب باسيل، الذي أكثرَ من اتهاماته لرئيس المجلس بالفساد، وأعلن أكثر من مرّة استعداده لمواجهته. وهذا تحوّل أيضاً يطال عدم سعي حزب الله لإرضاء باسيل بشكل دائم.
كلّ ما يجري على صعيد تشكيل الحكومة، هو إضاعة متعمّدة للوقت، وغرق في الرهان على تحوّلات خارجية، أو نضوج صفقة إيرانية أميركية. بينما من الواضح أنّ باسيل أصبح خارج أيّ معادلة، داخلياً، عربياً ودولياً، لكنه يستمرّ بفرض شروطه بوجه الحريري، لهدف وحيد، وهو رفع السقف، بعد أن رفع الحريري السدّ بوجهه. يهدف باسيل من ذلك إلى استدراج الحريري لتغيير موقفه منه، ليس لإعادته إلى الحكومة، إنما لتقديم تنازل كلامي له والدخول في حوار معه، فيظهر الحريري أنه لم يشكّل الحكومة بدون اللجوء إلى باسيل والتفاهم معه، فيكون قد أوقعه في الفخّ واقترف الخطيئة مجدّداً، وفق منظار باسيل على الأقل.