.. لماذا لم يتجوّل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في شوارع الجميزة، ومار مخايل، والكرنتينا، والمدور ليعاين الأضرار والمتضرّرين واقفاً على خاطرهم، ماسحاً على رأسهم، مواسياً لهم في مصابهم الجلل، كما فعل كلّ المسؤولين الأجانب الذين زاروا بيروت بعد الزلزال الكبير بفعل انفجار المرفأ.
إقرأ أيضاً: ماكرون يمدّ يده.. مبادرة أم ارتجال؟
.. ليس من باب المصادفة، أن تتزامن زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل إلى بيروت مع زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. فزيارة هيل، وإن كانت محدّدة قبل فترة ومواعيدها محجوزة ومضبوطة، فإنّ زيارة ظريف جاءت دون مواعيد ودون إعلام يسمح بتنسيق المواعيد. ولأنّ الظرف استثنائي، والإخوة في طهران بالنسبة للدولة اللبنانية يمتلكون من المونة ما يسمح لهم بتجاوز كلّ البروتوكولات. فإنّ المسؤولين اللبنانيين بالأمس كانوا يغلقون بابهم على وداع هيل ليعودوا، فيفتحوه على استقبال ظريف.
المحطة الوحيدة، التي تخلّف عنها ظريف في تتبّعه لجولة هيل. ترسم واقع الدور الذي تلعبه إيران في لبنان. بحيث باتت تماماً، كرجال السلطة اللبنانية، رؤساء ووزراء ونواباَ، والذين لا يجرؤون على التجوّل في الأحياء، خوفاً من غضب الناس وردّات فعلهم الغاضبة
.. هي ليست المرة الأولى التي يفعلها ظريف حيث يزور لبنان رداً أو تزامناً مع زيارة مسؤول أميركي أو سعودي له. هو يريد، ونظامه معه يريد أيضاً، أن يقول لمن يعنيه الأمر، وبخاصة للأميركي نفسه. إنّ إيران موجودة في لبنان، وهو وجود لا يشبه وجود أيّ دولة أخرى، بل وجوداً استثنائياً لدور استثنائي.
لقد زار هيل الرؤساء الثلاثة ومعهم وزير الخارجية الذي لم يهنأ بخارجيته، ولم يسمح لنا بحفظ اسمه، وكذلك فعل ظريف في زياراته في تطابق غير مستغرب للمتابعين والمراقبين، حتى إنّ هيل التقى قيادات حزبية وسياسية في عشاء النائب ميشال معوض، فيما التقى ظريف قيادة حزب الله. إلا أنّ المحطة الوحيدة في جولة الرجلين في بيروت، والتي فعلها هيل ولم يجرؤ على فعلها ظريف، هي زيارة المناطق المتضرّرة، والتجوّل بين أهلها وناسها، وكان سبق هيل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي جال في المنطقة المنكوبة ولاقى ترحيباً شعبياً كبيراً.
المحطة الوحيدة، التي تخلّف عنها ظريف في تتبّعه لجولة هيل. ترسم واقع الدور الذي تلعبه إيران في لبنان. بحيث باتت تماماً، كرجال السلطة اللبنانية، رؤساء ووزراء ونواباَ، والذين لا يجرؤون على التجوّل في الأحياء، خوفاً من غضب الناس وردّات فعلهم الغاضبة. كما حصل مع وزيرة العدل المستقيلة ماري كلود نجم في الجميزة عندما رُميت بقناني المياه، أو كما حصل مع وزير التربية المستقيل طارق المجذوب، عندما تمّ دفعه بمكنسة أحد الناشطين، حين كان يحاول رفع الحطام من شوارع بيروت، طارداً إياه رافضاً مشاركته.
عَجْزُ ظريف على التجوّل في الجميزة والكرنتيتا، وكلّ شوارع الأشرفية، يُجسّد عجز إيران على حكم لبنان كلّ لبنان
لقد كان محمد جواد ظريف معرَّضاً لهكذا موقف، لو قام بالتجوّل في شوارع بيروت، وتحديداً الأشرفية. زيارته كفيلة – لو حصلت – بإشعال ثورة. فالناس هناك ستقول له ما لم يقله له المسؤولون اللبنانيون، الذين التقاهم إما حياءً أو مراءً. ستقول الناس له: إنّ دولتك شريكة بكلّ ما حصل من مآسٍ في لبنان من اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصولاً إلى اغتيال بيروت. ستقول الناس لظريف: أنت واحد منهم. أنت جزء من هذه السلطة، أي أفقرتنا، وجوّعتنا وسرقت أموالنا، وقبل أيام سعيت لتفجيرنا وقتلنا جميعاً.
عَجْزُ ظريف على التجوّل في الجميزة والكرنتيتا، وكلّ شوارع الأشرفية، يُجسّد عجز إيران على حكم لبنان كلّ لبنان. من المؤكد أنّ ظريف قادر على التجوّل في الضاحية الجنوبية وفي بعض شوارع بيروت أو ربما في بعلبك والهرمل، والكثير من قرى الجنوب. لكنه من المؤكد أنه ليس قادراً على دخول كلّ الشوارع والبيوت. تراه ماذا سيكتب في تقريره، عندما يعود إلى طهران؟ سيكتب أنه زار الرئيس عون كما فعل هيل، ومثله زار الرئيس بري أيضاً كما فعل هيل، والسراي والمنتظِر فيها، والضاحية الجنوبية والمختبئ فيها. لكنه لن يذكر أنه لم يزر الشوارع المتضرّرة، ربما حياء أو مراء من رئيسه روحاني أو من مرشده خامنئي.