معاوية وأبو العباس على جسر البربير

مدة القراءة 4 د


هامش:

لو عاد معاوية بن أبي سفيان، ومعه عاد أيضاً أبو العباس السفاح إلى الحياة لنصف ساعة وقصدوا فيها منطقة البربير في بيروت، لوقع الرجلان مغشياً عليهما. وبعد أن يهرع الناس إلى رشّ الماء على وجهيهما كما اعتادوا أن يفعلوا عند أيّ حادثة مشابهة تحصل أمامهم في الطريق، سيقف معاوية وكذلك سيفعل أبو العباس لينظر أحدهما إلى الثاني متسائلَين: ماذا يحصل؟ هل تصالحت الدولتان الأموية والعباسية؟ هل انضم الجيشان إلى بعضهما البعض؟

إقرأ أيضاً: هذه هي الأخطار على ديننا

أغرب الصور وأكثرها مدعاة للضحك صورة شابين لم يتجاوزا السابعة عشرة من عمرهما وهما يحملان راية الدولة الأموية (أبيض مكتوب عليه شعار التوحيد) والثاني راية الدولة العباسية (أسود مكتوب عليه شعار التوحيد) وذلك في التظاهرة والاعتصام على جسر البربير في بيروت استنكاراً لما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد قتل الإرهابي للمدرّس الفرنسي الذي أساء للنبي (ص).

بالمقابل، فمن المؤكد أنّ أكثرية عناصر مكافحة الشغب هناك هم من المسلمين المحبين للنبي محمد، وهم يقفون بوجه شبان جاءوا لنصرة النبي محمد كما يقولون.

هي متاهة فكرية ودينية وسياسية تعيشها بيئتنا، وقد باتت تسير وفقاً لردة الفعل وليس وفقاً لصناعتها أو مشاركتها بصناعة هذا الفكر. لا يمكن تخيّل أنّ من نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد أو من يقف خلف نشرها ما كان مدركاً للغضب الشعبي الإسلامي الذي ستوجده خطوة كهذه. لا بل وبالاستناد الى الجدلية، فقد استجلب هذا الغضب، وكلّ ردود الأفعال التي نراها.

أخلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالأمانة لجهة سوء إدارة الأزمة وتأمين حماية كلّ الفرنسيين عندما استهدف الاسلام بفكره وعقيدته ورموزه، وهو الدين الثاني لجهة عدد المعتنقين في فرنسا بعد المسيحية

.. هي الكراهية التي لا يمكن أن تؤدي بنا إلى أيّ أمان.

.. المسلم في المجتمعات الاوروبية لا يمكنه أن يحصد الغُنْمَ من هذه المجتمعات دون تحمّل الغُرم، كما أنّ هذه المجتمعات الغربية لا يمكنها أن تحوّل هذه الكتل المسلمة في مجتمعاتها إلى مواطنين درجة ثانية متجاهلةً حرياتهم بالعقيدة والممارسة والتعبير. لا يمكن التسليم بأيّ شكل من الأشكال، بوجود مجتمعين منفصلين داخل دولة واحدة.

.. لقد جنى ذاك المدرّس الفرنسي على المجتمع الفرنسي بكلّ أطيافه عندما أقحم تلك الرسوم المسيئة للنبي محمد (ص) في حصة دراسية، أكثرية طلابها وأوليائهم اعترضوا على ما ارتكبه.

ولقد اعتدى ذاك الشيشاني على المجتمع الفرنسي بكلّ أطيافه عندما قتل هذا المدرّس وقطع رأسه انتقاماً، مرتكباً عملاً إرهابياً موصوفاً يحرّمه الإسلام وأحكامه الشرعية.

كما أخلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالأمانة لجهة سوء إدارة الأزمة وتأمين حماية كلّ الفرنسيين عندما استهدف الاسلام بفكره وعقيدته ورموزه، وهو الدين الثاني لجهة عدد المعتنقين في فرنسا بعد المسيحية.

بالأمس الأول كان اعتداءٌ جديدٌ في كنيسة بمدينة نيس، وهي حلقة جديدة من مسلسل الكراهية المتواصل. والمطلوب هنا عمل مجتمعي يحمي فرنسا والفرنسيين، وكلّ من يقطن في هذا البلد العظيم بقيمه وتاريخه وإبداعاته.

النظر إلى الماضي كثيراً يدخل المجتمعات في غيبوبة مرضية، فيما الراحة تكون بالنظر إلى الامام، إلى المستقبل حيث لا يمكن لأحد أن يلغي الآخر

الكلّ مسؤول في إسقاط الكراهية، السلطة وعلى رأسها الرئيس ماكرون، المسلمون بكلّ توجّهاتهم ومساجدتهم وجمعياتهم، والشعب الفرنسي المطالب اليوم أكثر من أيّ يوم آخر بتجنّب الانزلاق إلى الفعل وردة الفعل.

لا يمكن إسقاط فرنسا كما لا يمكن إلغاء المسلمين في فرنسا. ما يمكن إلغاؤه هي الكراهية التي باتت تحكم العلاقة ما بين السلطة الفرنسية والمسلمين. الطرفان مطالبان بالاعتراف المتبادل. على الدولة الفرنسية الاعتراف بالمسلمين كجزء متساوٍ مع باقي الأجزاء في المجتمع الفرنسي. وعلى المسلمين الاعتراف بفرنسا كدولة حاضنة راعية ممثّلة لهم، ولأحلام أولادهم.

الكراهية لا تصنع مستقبلاً، هي طريق العودة إلى الحفر التاريخية حيث الأحقاد والآلام والدماء. النظر إلى الماضي كثيراً يدخل المجتمعات في غيبوبة مرضية، فيما الراحة تكون بالنظر إلى الامام، إلى المستقبل حيث لا يمكن لأحد أن يلغي الآخر. وعندما يقتنع الجميع بذلك يدرك أنّ العنف لا طائل منه، وأنّ السلام هو السبيل الأوحد للعيش الكريم.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…