ما هو الوزن الحقيقي للإسلام التركي في فرنسا؟

مدة القراءة 8 د


بقلم ويليام أودورو William Audureau (لوموند)

 

هل وضع أردوغان يده على الإسلام في فرنسا؟

تبادل الهجمات بين أنقرة وبارس، مترافقاً مع السؤال الشائك عن تمويل أماكن عبادة المسلمين، وتصاعد الهجمات الجهادية، فتح المجال منذ شهر تشرين الأوّل لعدد من الطروح غير الدقيقة عن مكانة الإسلام التركي في فرنسا.

وفقاً لإشاعة تنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي، فإنّ 50% من الأئمة في فرنسا يأتون من تركيا. ويوم الخميس في 29 تشرين الأوّل، حين كان السيناتور الإيطالي المحافظ أندريا كانجيني  Andrea Cangini يدين الهجوم على كنيسة نوتردام في نيس، أكد أنّ “تركيا تموّل 50% من المساجد الفرنسية، التي تجتذب التطرّف الإسلامي، بحسب أجهزة الاستخبارات في باريس”.

هذه الأرقام غير صحيحة. في الوقائع، فإنّ المساجد التركية أو الأئمة الأتراك، لا يمثّلون سوى خُمس الإسلام في فرنسا، بالحدّ الأقصى (20%). وفي كلّ الأحوال، فإنهم الأكثر تأثيراً والأكثر طموحاً. ولنذهب الآن إلى الشروح.

 

كيف نشأ الإسلام التركي في فرنسا؟

يقدّر عدد السكان الأتراك أو الذين من أصل تركي بـ 700 ألف شخص في فرنسا، غالبيتهم من المسلمين، مع تركّز كبير في الشرق، وخصوصاً في ستراسبورغ ومولهاوس.

المساجد التركية أو الأئمة الأتراك، لا يمثّلون سوى خُمس الإسلام في فرنسا، بالحدّ الأقصى (20%). وفي كلّ الأحوال، فإنهم الأكثر تأثيراً والأكثر طموحاً

وفقاً لتقديرات مختلفة، مثل ما نشرته جريدة لا كروا La Croix، هناك ما بين 300 و400 مكان للعبادة يرتبط مباشرة بالجماعة التركية في فرنسا، من أصل ما يقدّر بـ 2600 مسجد فرنسي. أي، بحسب التقدير الأعلى، 15% من أماكن العبادة.

بالإضافة إلى ذلك، توفّر تركيا 50% من “الأئمة المبعوثين”، وهؤلاء متديّنون أرسلتهم دولة أخرى للإشراف على الجالية المسلمة في فرنسا، لتعويض نقص الأئمة المدرّبين في فرنسا، وهو ما يريد إيمانويل ماكرون الآن أن يتخطّاه. ومع ذلك، فإن المسؤولين الدينيين الـ 120 الذين أرسلتهم أنقرة، والذين كان يبلغ عددهم 151 في عام 2016، لا يشكّلون سوى جزء صغير من إجمالي عدد الأئمة في فرنسا، الذي يقدّر بما بين 1500 و1800.

 

كيف تتموّل هذه المنظمات؟

يعتمد ما يقرب من 80% من المساجد في فرنسا على المؤمنين أنفسهم، الذين يموّلونها في شكل اشتراكات أو هبات. المساجد التركية ليست استثناءً، ولكن يمكنها الاعتماد على المصلين الأثرياء. “المجتمع التركي له وزن اقتصادي مهم جداً، من خلال قطاعي الخدمات والبناء، حيث حقّق الأتراك ثروة”، يلاحظ السوسيولوجي المختصّ في الإسلام أوميرو ماونغيو بيريا Omero Marongiu-Perria، مؤلف كتاب “إنهاء المفاهيم الخاطئة عن الإسلام والمسلمين” (En finir avec les idées fausses sur l’islam et les musulmans طبعات أتولييه، 2016). وأدّى ذلك إلى تسارع جمع الأموال، إذ يحتاجون من سنتين إلى ثلاث سنوات لبناء مسجد، مقارنة بخمس إلى عشر سنوات في المجتمع المغاربي، بحسب الباحث نفسه.

أما تركيا، فتدفع رواتب الأئمة الـ 120 الذين عُيّنوا في فرنسا، فضلاً عن 56 مساعداً في مناصب مؤقتة. كما شاركت أنقرة في بناء “كلية” للدراسات الإسلامية، وافتُتحت في ستراسبورغ في عام 2011.  لكنها “أُغلقت في عام 2014. لذلك، لا يُحوّل أيّ مال من أنقرة لهذه الكلية”، كما يؤكد الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية (Ditib).

 

من هم الممثّلون للإسلام التركي في فرنسا؟

ينتظم الإسلام، أو بالأحرى، الإسلام التركي، حول هيكلين رئيسيين:

– (Diyanet Isleri Turk Islam Birligi، الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية): وهو منبثق في فرنسا من وزارة الشؤون الدينية التركية، ديانت. وتمثّل اللجنة، التي هي صوت رسمي للسنّة الأتراك، المعتدلة تاريخياً، حوالى 250 جمعية و120 إماماً تركياً، أو إماماً من أصل تركي، من خلال نظام الإمام المعيّن.

– (Millî Görü?، الرؤية الوطنية، مقرّها في كولون بألمانيا): وهي قريبة من جماعة الإخوان المسلمين. تضمّ هذه المنظمة الإسلامية الأوروبية 100.000 عضو في القارة القديمة. فرعها الفرنسي يسمّى الاتحاد الإسلامي (Millî Goer CIMG)، ويشرف على 300 جمعية وعشرات الآلاف من المسلمين في فرنسا.

وفقاً لتقديرات مختلفة، مثل ما نشرته جريدة لا كروا La Croix، هناك ما بين 300 و400 مكان للعبادة يرتبط مباشرة بالجماعة التركية في فرنسا، من أصل ما يقدّر بـ 2600 مسجد فرنسي. أي، بحسب التقدير الأعلى، 15% من أماكن العبادة.

لكنّ هذين الهيكلين لا يختصران الإسلام من تركيا، إذ يمثّل العلويون فرعاً غير نمطي من الإسلام الصوفي والمهجّن بأفكار أخرى، وغير العقائدي، حتّى إنّ بعض العلويين، بما في ذلك اتحاد العلويين الفرنسيين (FUAF) يدحضون انتماءهم إلى الإسلام. وهم يعارضون بشدّة الإسلام التركي الرسمي وأردوغان. ويمثّل العلويون 20% من الأتراك في فرنسا، وأكثر من الثلثين وفقاً لتقديرات اتحاد العلويين الفرنسيين.

 

هل يمكننا الحديث عن إسلام متطرّف؟

ليس حقًا. لا يمكن بالطبع وصف “العلوية”، بالتطرّف، وهي فرع تقدّمي وسلمي، وهو في الغالب معادٍ للإسلام المتطرّف وكذلك للشريعة الإسلامية. ويمكن قول الشيء نفسه، بدرجة أقل، عن الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية. وعلى الرغم من أن الاتحاد اقترب أكثر من الإسلام كهوية منذ انتخاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلا أنّه يقوم بحملة في فرنسا من أجل التعايش، وأدان بشدة الهجمات في فيينا ونيس.

وفي الوقت نفسه، يُظهر أعضاء “الرؤية الوطنية” لوناً قومياً قوياً جداً موالياً لجمهورية تركيا ومحافظاً. “في رأيي، إنّهم ليسوا سلفيين أو متطرّفين. لكنهم يشغلون مناصب تقليدية أبوية”، بحسب ما قال جان ماركو Jean Marcou، لصحيفة “لو باريزيان Le Parisien”، وهو أستاذ العلوم في معهد بو غرونوبل، ومتخصّص في تركيا المعاصرة.

 

هل هم متأثرون بتركيا؟

باستثناء العلويين، نعم. وعلى الرغم من أنّ الإسلام السني التركي في فرنسا كان مستقلاً نسبياً حتّى التسعينيات من القرن الماضي، إلا أنّ الوضع تغيّر منذ ذلك الحين. يقول سميم أكغونيل Samim Akgönül، مدير الدراسات التركية في جامعة ستراسبورغ: “لم يعد للإسلام التركي أيّ استقلالية أو إنّ ظهوره بات قليلاَ. ومع ذلك، لا بدّ من القول إنّه منذ إحياء الحزب السياسي في تركيا، اختارت منظمة “الرؤية الوطنية” موقفاً أكثر انتقاداً تجاه الرئيس أردوغان. لكن في خطوطها العريضة، فإن جميع الشبكات [الاتحاد التركي الإسلامي، والرؤية الوطنية، والحركة القومية، والحركة السليمانية (شبكة سرية من مدارس تعليم القرآن تأسست في تركيا في الخمسينيات ولها تأثير في المهجر)…] تصطف مع أنقرة.

ومن أجل الحفاظ على هذه الصلة، يحرص الرئيس التركي على الظهور دولياً بوصفه حامي المسلمين السنّة الذين استُهزئ بشرفهم. ومن هنا جاءت تصريحاته ضد إيمانويل ماكرون والعلمانية الفرنسية. هذا الموقف انتخابي: فالشتات التركي في أوروبا، الذي يمثّل حوالى ثلاثة ملايين ناخب، هو في الأساس شاب ومحافظ ومتديّن جداً.

وخارج العواصم الأوروبية، مثل باريس، فإنهم يصوّتون أساساً لما يرونه فيه مصلحتهم.

باستثناء العلويين، نعم. وعلى الرغم من أنّ الإسلام السني التركي في فرنسا كان مستقلاً نسبياً حتّى التسعينيات من القرن الماضي، إلا أنّ الوضع تغيّر منذ ذلك الحين

ويلاحظ أوميرو ماونغيو بيريا أنّ “أردوغان ليس شخصاً متديّناً جداً في الأساس، لكنه استراتيجي جيد جداً، ويعرف كيف يستخدم المسألة الدينية لأغراض انتخابية. وفي السنوات الأخيرة، كان يقدّم الكثير من التعهّدات للإسلاميين على أمل إعادة انتخابه”.

 

ما هو تأثيرهم الحقيقي في فرنسا؟

إنّهم يتكاثرون. “فالجماعات الإسلامية ذات المنشأ التركي، هي هامشية فقط في فرنسا، من الناحية التاريخية. من ناحية أخرى، على مدى السنوات العشر الماضية أو نحو ذلك، كان هناك نشاط غير مسبوق من قبل الشبكات الناشئة في تركيا، الرسمية [الاتحاد التركي الإسلامي] أو غير الرسمية (الرؤية الوطنية)”، كما يلاحظ ساميم أكغونيل. ويستشهد أيضاً بدور المراكز الثقافية الفرنسية والمدارس والجمعيات التابعة لتركيا (يونس إيمري، معاريف، كوجيب). ونتيجة لذلك، أصبح زعيم لجنة التنسيق للمسلمين الأتراك في فرنسا، الوجه السياسي للاتحاد التركي الإسلامي، أحمد أوغراس  Ahmet Ograsفي عام 2017، أول رئيس تركي للمجلس الفرنسي للطائفة الإسلامية (CFCM). وفي كانون الثاني 2020، تمكّن ممثّلو الإسلام التركي من أن يستحوذوا على أغلبية المقاعد في CFCM، لأوّل مرة منذ تأسيسه عام 2003.

إقرأ أيضاً: نحو سرديةٍ جديدةٍ للإسلام*: لماذا فشل الإصلاح والتجديد؟ (2/3)

ومع ذلك، فإنّ هذا التطوّر يواجه عقبات أيضاً. وهي العقبة المالية، أولاً وقبل كلّ شيء: موقع البناء الضخم لمسجد السلطان أيوب، الذي أطلقته في ستراسبورغ جماعة “ميلي غور” بميزانية قدرها 32 مليون يورو، كان لا بدّ من تعليق العمل به في عام 2019 بسبب نقص الأموال. أما العقبة الاستراتيجية، فيقول عنها بيريا: “يذهب العديد من الشباب إلى تركيا للتدريب الجامعي الديني، لكنّ الظروف المعيشية هناك مجزية للغاية، من الناحية المالية، بحيث يبقى الأئمة المدرّبون هناك”.

وأخيراً، وخلافاً للمزاعم العالمية للسلفية السعودية، فإن الإسلام التركي الرسمي قومي، ولا يزال جمهوره مقتصراً على الناطقين باللغة التركية. ومع ذلك، يقول بيريا: “لا يزال الإسلام الفرنسي قائماً على الانتماءات القومية والعرقية. يتحدّث الأتراك التركية في المساجد، وهناك عدد غير قليل من الاختلافات الدينية بين الأتراك ومسلمي شمال أفريقيا” الذين لا يزالون الممارسين الرئيسيين لشعائر الإسلام في فرنسا.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا 

مواضيع ذات صلة

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…

إغناتيوس: قطر تقود جهود تشكيل حكومة انتقاليّة في سوريا

كشف ديفيد إغناتيوس المحلّل السياسي في صحيفة واشنطن بوست أنّ “قطر، التي كانت لفترة طويلة داعمة سرّية لهيئة تحرير الشام، تقود الجهود العربية لإنشاء حكومة…