ماكرون في إسرائيل: لتحالف إقليميّ – دوليّ ضد حماس

مدة القراءة 6 د


بالأمس زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إسرائيل. الزيارة أشبه باستدعاء. أعلنها بنيامين نتنياهو قبل أن يعلنها قصر اللإليزيه. بَدَت وكأنها زيارة استلحاق لمن تأخر عن القيام بواجبه. بعض الإعلام الفرنسيّ المتطرّف والمنحاز لاسرائيل كتب أنّها “تأخرّت 17 يوماً”. خصوصاً أنّ رؤساء دول كبرى، من بينهم الأميركي جو بايدن، ورئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك، سبقوه إلى “الحج” إلى تل أبيب، لـ”تقديم أوراق” الدعم الكامل.

كما كان متوقّعاً، أكّد ماكرون دعمه “الكامل” لاسرائيل. وقال للإسرائيليين: “لستم وحدكم”، معتبراً أنّ فرنسا وإسرائيل تواجهان “عدواً مشتركاً” هو الإرهاب. كما تبنّى نظرية تل أبيب، بأنّ حماس مثل داعش. وذهب أبعد من ذلك. فاقترح “تحالفاً اقليمياً – دولياً لمحاربة حماس”. وأعلن أنّ “فرنسا مستعدّة ليكون التحالف الدوليّ ضد داعش… قادر أيضاً على محاربة حماس”.

أكّد ماكرون دعمه “الكامل” لاسرائيل. وقال للإسرائيليين: “لستم وحدكم”، معتبراً أنّ فرنسا وإسرائيل تواجهان “عدواً مشتركاً” هو الإرهاب. كما تبنّى نظرية تل أبيب، بأنّ حماس مثل داعش

إسرائيل واليهود أوّلاً

عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل تضع الديمقراطيات الغربيّة القوانين والاتفاقات والمواثيق الدوليّة جانباً، وتُعلّق العمل بحقوق الإنسان.

يتناسى القيّمون على الجمهورية الفرنسيّة الخامسة أنّ المقاومة حقّ شرّعته المواثيق الدوليّة وكانت المقاومة الفرنسيّة بقيادة شارل ديغول أنموذجاً له بوجه الاحتلال النازي لباريس نفسها. وأعطى أجدادهم منذ ثلاثة قرون أنموذجاً في الثورات من خلال “الثورة الفرنسيّة” ضدّ الملكيّة وطغيانها.

عندما يتعّلق الأمر باليهود ودولة إسرائيل يصبح التمييز فاضحاً بين إنسان وآخر. تعود الحضارة الفرنسيّة 3,000 سنة إلى الوراء، وكأنّها في القرن العاشر قبل المسيح. تعود إلى زمن إبراهيم الذي ميّز بين ابنه من ساره زوجته، وابنه من هاجر جاريته. ويصبح هناك “ابن ستّ وابن جارية”.

عندما يتعلّق الأمر باليهود تسقط المساواة بين المواطنين أنفسهم في الجمهوريّة الفرنسيّة. فترفع فرنسا الصوت دفاعاً عن 21 إسرائيلياً من حمَلة الجنسيّة الفرنسيّة قضوا في هجوم “حماس” على إسرائيل وتضع كلّ إمكاناتها لتبيان مصير 13 مفقوداً، كما قال إيمانويل ماكرون في أوّل إطلالة تلفزيونية بعد 7 أكتوبر. في المقابل لم يدعم الرئيس الفرنسيّ الدعوة إلى تحقيق دوليّ في انفجار مرفأ بيروت الذي قضى فيه العديد من اللبنانيين من حمَلة الجنسيّة الفرنسيّة. ولم يقدّم للتحقيق اللبنانيّ الصور الجويّة للمساعدة في كشف الحقيقة، ربّما دفاعاً عن إسرائيل، بحسب الفرضيّة التي تقول إنّ الانفجار حصل نتيجة قصف إسرائيلي للعنبر رقم 12 حيث خزّن الحزب آلاف أطنان النيترات لنقلها إلى النظام السوري.

 

أسباب انحياز فرنسا لإسرائيل

ما أسباب هذا الانحياز الفرنسيّ الكبير لإسرائيل من دون الأخذ في الاعتبار تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وحقّ الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، ومحاولة إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية عبر سياسة الاستيطان؟

1- فرنسا، كما العديد من الدول الأوروبيّة وأميركا، هي أسيرة “الهولوكوست”. تتصرّف وكأنّها تريد التعويض لهم عمّا ارتكبه النازيّون بحقّهم منذ سبعة عقود في أوروبا كلّها. هذا ما عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اليهودي، الذي ذكر “الهولوكوست” مرّتين في مؤتمره الصحافي مع بنيامين نتانياهو في تل أبيب في زيارة الدعم الأولى لإسرائيل.

2- الحرص على مجاراة الموقف الأميركيّ الذي دعم إسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر بشكل أعاد إلى الأذهان “الجسر الجويّ” بعد الهجوم المصري – السوري في 6 أكتوبر 1973، وذلك من أجل استمرار الدعم الأميركيّ العسكري والماليّ لأوكرانيا في حربها ضدّ روسيا التي تهدّد القارّة الأوروبيّة.

عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل تضع الديمقراطيات الغربيّة القوانين والاتفاقات والمواثيق الدوليّة جانباً، وتُعلّق العمل بحقوق الإنسان

3- حاجة فرنسا إلى الغاز الإسرائيلي ومصلحتها في الحفاظ على استثمارات شركة توتال في التنقيب عنه واستخراجه.

4- ربّما اعتقد قصر الإليزيه أنّ الدول العربيّة لن يكون لها هذا الموقف الداعم للفلسطينيين بسبب دعم إيران لحركة حماس ذات الجذور الإخوانيّة والمصنّفة إرهابيّة، والتطبيع بين دولتَيْ الإمارات والبحرين والمغرب والسودان مع إسرائيل، وتقدّم مسار التطبيع الإسرائيلي مع المملكة العربيّة السعوديّة.

مصالح فرنسا في المنطقة

لكن هل تكمن مصالح فرنسا في الانحياز الكامل لإسرائيل في حربها ضدّ غزّة؟

بالطبع كلا، لعدّة أسباب:

1- تحاشي أعمال العنف التي يمكن أن تشهدها فرنسا بسبب الحرب الإسرائيليّة ضدّ الفلسطينيين. ففرنسا تحتضن أكبر جالية يهوديّة في أوروبا كما تحتضن أكبر جالية عربيّة ذات غالبية مسلمة في القارة. والفرنسيون من أصول عربيّة يؤيّدون ويدعمون القضية الفلسطينيّة. لذلك حرص ماكرون في خطابه عبر التلفزيون منذ حوالي أسبوعين على التركيز على وحدة فرنسا بالقول: “يجب أن لا يكون شكوك ولا انقسامات داخل الأمّة”. ودعا إلى عدم الدخول في “مغامرات أيديولوجيّة… والاستسلام للحقد”.

2- إنّ لدى فرنسا مصالح كبيرة في الشرق الأوسط تتوزّع بين مصالح جيوسياسيّة في لبنان، واقتصاديّة (نفط وغاز واستثمارات) كبيرة في دول الخليج العربيّ، وتجارية أيضاً مع هذه الدول التي تحلّ في المرتبة الأولى بين الدول المستوردة للسلاح الفرنسي.

إقرأ أيضاً: أيّ “حماس” ستبقى بعد الحرب؟

3- إنّ تمدّد حرب غزّة في المنطقة سيؤثّر مباشرة على فرنسا ومصالحها وسينعكس على الاتحاد الأوروبيّ. ستزداد أعداد المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين إليها. وسيتعطّل العديد من مصالحها.

في كلمته في تل أبيب تطرّق الرئيس الفرنسي إلى ضرورة التقيّد بـ”قوانين الحرب وتأمين وصول المساعدات الإنسانيّة”. كما تمنّى الرئيس الفرنسي إعادة إطلاق “عملية السلام” بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكنّها عمليّة تتطلّب طرفاً دولياً محايداً ومؤثّراً على أطراف النزاع الكثُر. كان يمكن لفرنسا، ومعها أوروبا، أن تلعب هذا الدور.

هل تفعل لاحقاّ؟

المواقف الحاليّة لا تؤشّر إلى ذلك.

لمتابعة الكاتب على تويتر: Fadi_ahmar@

مواضيع ذات صلة

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…

أكراد الإقليم أمام مصيدة “المحبّة” الإسرائيليّة! (2/2)

عادي أن تكون الأذهان مشوّشة خارج تركيا أيضاً بسبب ما يقوم به دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية وحليف رجب طيب إردوغان السياسي، وهو يدعو…

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…