ماكرون “بي الكل”: الحياد… والمثالثة!

مدة القراءة 4 د


جسّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المقولة الفعلية لـ”بيّ الكلّ”. كان أباً للبنانيين جميعاً، شعباً بفئاته المختلفة، شيبه وشبانه، وأباً للسياسيين، في تأنيبه لهم وحرصه عليهم من خلال طرحه تشكيل حكومة وحدة وطنية في الأشهر المقبلة، ما يعني إعادة التطبيع مع القوى السياسية نفسها، ولكن بشروط وملاحظات حول تغيير مسارها ومنهجها، وإقرانه بتغييرات سياسية، اقتصادية، وفي أسس النظام، بمجرّد أن طرح ضرورة التحضير لميثاق جديد. وكان أباً للثائرين والمنتفضين ملقياً باللوم عليهم بسبب عدم تقديمهم أيّ طرح سياسي أو رؤية يستثمرون من خلالها ما اقترحته ثورة 17 تشرين. مشدّداً أمامهم على أنّه لا بدّ من الرهان على أنفسهم ونشاطهم، وليس على أيّ جهة خارجية تفرضهم مؤثرين في المعادلة، وأنّ دورهم يستمدّونه من حضورهم الشعبي ونتائج الانتخابات.

إقرأ أيضاً: كارثة بيروت أكّدت الحاجة إلى “الحياد”

المشهد الذي قدّمه ماكرون، أراد من خلاله القول إنّه أبٌ للبنان المقبل، كما كان الجنرال غورو أباً للبنان الكبير قبل 100 سنة. لقاؤه في قصر الصنوبر، إعلانه عن العودة في 1 أيلول، ووضع القوى السياسية المختلفة أمام مسؤولياتها في تقديم رؤية جديدة من الآن وحتى موعد عودته بعد شهر لبدء التداول فيها. وهذا جانب من المبادرة السياسية الفرنسية التي أعلن عن عزمه إطلاقها.

وبحسب المعلومات لم تتبلور بعد تفاصيل المبادرة الفرنسية، لكنّها ستكون محطّ دراسة ونقاشات كثيرة. إذ لا تريد فرنسا التخلّي عن لبنان، لذلك كان ماكرون أوّل المبادرين. حاول مجدّداً انتزاع الدور من كلّ القوى، من الأميركيين والإيرانيين، من الأتراك والخليجيين.

لا يمكن للطرح الفرنسي أن يسير بسلاسة، لأنّ واشنطن التي مارست كلّ هذه الضغوط، لن تتراجع في لحظة تعاطف إنساني مع لبنان بسبب انفجار أصاب المرفأ وأوقع به كارثة ستكون تداعياتها لسنوات

الطريق الفرنسية غير معبّدة بسهولة في لبنان. ففرنسا يحضر دورها وتأثيرها في الوجدان والثقافة والجانب المعنوي، ولا يمكن لها تحقيق أيّ نقطة تغيير بدون موافقة أميركية، وللبنانيين بمؤتمر سيدر خير الأدلة. الشروط لا تقتصر على الإصلاحات والإجراءات الإدارية والمالية، بل ترتبط بأخرى سياسية وبواقع السلاح والحدود مع إسرائيل وسوريا. وهذه كلها شروط أميركية لا يمكن لأيّ دولة تجاهلها أو تمرير مشروع يخالفها. لذلك، فبالمعنى الواقعي للمبادرة الفرنسية عملياً وبالمدى القريب، قد تقتصر على سقوط الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية فقط. ولكن حتّى هذه الفكرة لا يبدو أنّها قد تجد طريقها إلى التنفيذ. والأميركيون لن ينفتحوا على حكومة تضم حزب الله، إلا إذا قدّم الحزب تتازلات كبيرة. وهو قرار لا يمتلكه الحزب، بل إيران وحساباتها.

لا يمكن للطرح الفرنسي أن يسير بسلاسة، لأنّ واشنطن التي مارست كلّ هذه الضغوط، لن تتراجع في لحظة تعاطف إنساني مع لبنان بسبب انفجار أصاب المرفأ وأوقع به كارثة ستمتدّ تداعياتها لسنوات طويلة. لا معطيات تفيد بحصول أيّ تقدم بشأن المفاوضات. الخطوة الفرنسية استباقية للاحتفاظ بصورة الوجود والتأثير والحضور المعنوي والعاطفي. الفعل السياسي مؤجل، ويرتبط بتداعيات ما بعد التفجير والتحقيقات وانعكاساتها. خاصة أنّ موجة مواقف دولية ستتصاعد للمطالبة بالتحقيق الدولي، ما سيزيد من التصعيد ويؤسس لانقسام جديد.

أهم ما أعلنه ماكرون هو الإعداد لميثاق جديد، أي تجديد النظام وتطويره. لم يعلن كيف. ولكن بحسب ما تكشف المعلومات فقد ركّز ماكرون في لقاءاته على مبدأ الحياد، والاهتمام بالوضع الداخلي بدلاً من الانشغال في ميادين المنطقة، وتلك رسالة موجّهة إلى حزب الله، الذي حضر ممثله محمد رعد لقاء ماكرون مع ممثلي أحزاب لبنان في قصر الصنوبر.

هو حرص فرنسي على الوقائع التي توجب استمرار التعاطي مع حزب الله كما مع إيران. موقف باريس هنا يختلف عن موقف واشنطن. والسعي الفرنسي مستمر حتى نصل إلى لحظة تكرار الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، حينها قد ينجح رهانها. هذا الخط البياني، هو الذي حجب عن لسان ماكرون أيّ إشارة حول الحزب وسلاحه. ربما الرجل لا يريد الدخول في سجالات لبنانية تؤسس لانقسامات. لكنّها في السياسة لها معانٍ كثيرة، إذ يعتبر البعض أنّ السجال الخلافي حولها لا بد من تأجيله وتحييده حالياً، ريثما تطرح مقترحات العقد السياسي الجديد، الذي قد يرقى إلى رتبة الميثاق. وقد تنطوي المقترحات على تعديل الدستور، وإعادة تجديد طرح المثالثة وتعزيز دور الشيعة في التركيبة اللبنانية مقابل تسليم السلاح. طرحٌ لا يلقى قبولاً لدى حزب الله، الذي يستفيد من واقع الإمساك بالسلاح والسيطرة على لبنان ككلّ.

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…