قبل بضعة أيام، أصدر مصرف لبنان تعميماً وسيطاً حمل الرقم 547، يراد منه التعامل ظرفياً مع مشكلة شحّ السيولة في الاقتصاد اللبناني، على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة، آذار ونيسان وأيار 2020.
هذا التعميم يدخل في خانة مجموعة التيسير الكمّي، وهو يُتخذ من ضمن إجراءات تسعى الحكومة اللبنانية إلى القيام بها في ظلّ الوضع الاقتصادي الخانق، الذي زاد طينه بلّة أزمة انتشار فيروس كورونا. وهو تعميم يؤمّن قروضاً بفائدة صفر للمصالح الاقتصادية تُسدّد على مدى خمس سنوات لتسيّر هذه المصالح نفسها بالحدّ الأدنى الممكن، ريثما تتّضح صورة الإقفال العام للبلاد والأنشطة الاقتصادية التي تتخذ اليوم طابعاً عالمياً. كما يمكن للعملاء الأفراد المقترضين الإفادة منه أيضاً.
إقرأ أيضاً: حروب بالوكالة تنسف الـ”كابيتال كونترول”: تضخيم الأزمة
الفائدة صفر تُطبّق على مصدر الأموال كذلك، وعلى استخدامها من قبل المصارف، ويتوقع، بحسب تقديرات مصرف لبنان، أن تصل قيمة المبالغ المرصودة لتمويل القروض إلى حدود 600 مليون دولار.
ليس واضحاً للخبير والباحث الاقتصادي والمالي، الأستاذ الجامعي الدكتور بيار الخوري، كيف ستتعامل المصارف التجارية مع هذا التعميم: “لكن الأكيد أنّها لن تكون قادرة على تحصيل أيّ هامش فائدة أو عمولة مقابل هذه القروض”، متسائلاً عن الدافع الذي يمكن بموجبه للمصارف أن تجد لها مصلحة في تطبيقه.
الواقع أنّ المصارف يمكن أن تقرض مؤسسات تجارية متعاملة معها ولديها قروض سابقة غير عاملة، أي متعثّرة، أو قد تكون المصارف قد اضطرت إلى تشكيل مؤونات مقابل هذه القروض. ويفترض خوري أنّ “إقراض هذا النوع من الشركات لتغطية النفقات الجارية قد يسمح للمصارف بطلب تغطية أجزاء من الديون العاطلة مقابل التسهيلات الجديدة”، متحدثاً عن أنّ هذا الأمر هو في مصلحة الطرفين، إذ يسمح للشركات بأن تتخلّص من ديون ذات تكلفة وتستفيد من قروض بتكلفة صفر، ما يخفّض مخاطر المدين على المصرف، سواء كان قد اضطر سابقاً لتكوين مؤونات مقابل ديونه أم لا. وهي عملية سوف تسمح بترشيق ميزانيات المصارف وجعلها أكثر توازناً، من حيث المخاطر، خصوصاً إذا استطاعت المصارف تحرير بعض المؤونات، وإعادتها إلى جانب الأصول في الميزانية.
ويتابع خوري أنّه “إذا أضفنا إلى ذلك أنّ المصارف هي على أبواب عمليات دمج واسعة، فهذا التعميم يعطيها فرصة استثنائية لإعادة تهذيب ميزانياتها، وتحويل كلفة ذلك إلى المصرف المركزي”.
هذا “الدولار المحلي” يتحوّل مع الوقت، إلى أداة جديدة من أدوات السياسة النقدية، بحيث يتحكّم عبره المصرف المركزي بعملتين، واحدة محلية والثانية “عملة صعبة محلية”، والأخيرة ظاهرة غير مسبوقة
ويرى خوري أنّ “المصرف المركزي لا يخشى أن تشكّل الأموال التي سيتمّ ضخّها ضغطاً على الليرة، طالما نحن نتعامل بمفهوم جديد للعملات الأجنبية، أسماه حاكم المصرف الدولار المحلي، وهو دولار لا يمكن إخراجه من الدائرة المالية الداخلية، وبالتالي لا يشكّل خطراً على احتياطاته من النقد الاجنبي”. أيّ إنّ هذه العملية لن تستنزف احتياطيات مصرف لبنان من العملات الاجنبية لأنّها لن تحوَّل إلى الخارج، كما سيتمّ تحويلها إلى الليرة اللبنانية في حال تمّ استخدامها لدفع الرواتب والأجور.
بناءً على هذا المنطق، بحسب ما صرّح رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، لن يتمّ سحبها نقداً بالدولار، بل فقط يمكن استخدام تلك الأموال كما يتمّ حاليّاً، عبر بطاقات الائتمان أو الشيكات المصرفية، أو في حال تمّ سحبها نقداً فستكون بالعملة المحلية.
هذا “الدولار المحلي” يتحوّل مع الوقت، إلى أداة جديدة من أدوات السياسة النقدية، بحيث يتحكّم عبره المصرف المركزي بعملتين، واحدة محلية والثانية “عملة صعبة محلية”، والأخيرة ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ السياسات النقدية، عبر العالم.
يمكن القول هنا إنّ عبقرية رياض سلامة لا يوازيها سوى جنون الاقتصاد اللبناني.