في الشكل، تُعدّ خطوة مكافحة الصرّافين غير الشرعيين أمراً ليس بهذه الصعوبة، وكان يمكن اتّخاذ هذه الخطوة قبل أسابيع وأشهر، وتوفير أكلاف باهظة على اللبنانيين، وتفادي استنزاف مقدّراتهم. لكن يبدو أنّ موانع مجهولة – معلومة كانت تقف دوماً في وجه تنفيذ هذه الخطوة. موانع تربط وظيفياً بين أغلب هؤلاء وبين “حزب الله”، وقد سبق وأشرنا إلى ذلك في “أساس”. لكنّ السلطات الأمنية والقضائية انتظرت انفجار الناس ووصول سعر صرف الليرة إلى مستويات تنذر بتجويع الناس حرفياً… فتحرّكت.
مصدر صيرفي كشف لـ”أساس” أنّ الصرّافين الشرعيين “يصعب عليهم جداً الالتزام سريعاً بالسعر الذي يفرضه المصرف المركزي”. والسبب بسيط، وهو أنّهم اشتروا دولاراتهم من السوق بأعلى من هذا السعر بكثير، والالتزام سيكبّدهم خسائر.
إقرأ أيضاً: 5 آلاف مليار ليرة خرجت ولم تعد: من رفع الدولار 600 ليرة في ساعات؟
المصدر كشف أنّ سعر صرف الدولار أقفل أمس، برغم كل الإجراءات، على 4000 للشراء و4100 ليرة للمبيع، مبدياً استغرابه من “الهجمة الشرسة”، التي طالت “الصرّافين المرخّصين بحجة أولئك غير المرخّصين”، كاشفاً أنّ الأجهزة الأمنية غيّرت في أسلوب تعاطيها مع كامل الصرافين، وعمدت إلى توقيف كلّ من يحمل في صندوقه دولارات ويمتنع عن بيعها للمواطنين، وصادرتها.
يقول المصدر إنّ الأجهزة الأمنية تقوم بذلك من خلال “إرسال مخبر إلى الصرّاف”، فيسأله عن سعر شراء الدولار. إن زاد السعر عن 3200 ليرة لبنانية، أوقفته. أما إن التزم الصرّاف بالسعر المحدّد وادّعى أنّه لا يملك دولارات للبيع، تدخل الدورية وتفتش المحل، وإن وجدت الدولارات في الدِرج (وهذا الذي يحصل غالباً) توقفه وتصادرها بغطاء مباشر من النيابة العامة المالية. لهذا السبب ما عاد الصرّافون يرفضون بيع الدولارات فحسب، وإنّما “صاروا يخفونها خارج محلاتهم”.
أسئلة كثيرة تُطرح في أوساط الصيرفة حول إن كان هذا الفعل قانونياً، وإن كان يحترم الحريتين الفردية والاقتصادية. لكنّ آراء الحقوقيين ترجّح كفة الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمواطن وتضعها فوق كلّ اعتبار، من دون أن ننسى تأثير “الفوضى العارمة” التي تطال كلّ شيء.
خبير قانوني وناشط حقوقي كشف أنّ القوى الأمنية “لا تتحرّك من تلقاء ذاتها، وإنّما بموجب استنابة قضائية أو بتكليف من النيابة العامة التمييزية أو الاستئنافية في المناطق”، وأنّ “كلّ عملية تحريات أو توقيف أو مصادرة دولارات تحصل بموجب إذن تصدره النيابة العامة بعد التواصل معها عبر الهاتف وإبلاغها بالمعطيات”.
المصدر نفسه يقول إنّ “الخلط بين الصرّافين المرخّصين وبين غير المرخّصين منهم ربما يكون وارداً وسط هذه الفوضى”، لكن يؤكد، في المقابل، أنّ ادعاء عدم امتلاك الدولارات وإثبات العكس على يد الأجهزة يُعتبر في المقابل “إفادة كاذبة” يعاقب عليها القانون، خصوصاً أنّ الأجهزة تكون محصّنة بأذونات تفتيش من الجهة القضائية التي أرسلتها”.
مصادر مطلعة ترجّح ألاّ يتغيّر الفرق بين السعرين كثيراً في المدى المنظور، وقد يُثبّت عند هذا الحدّ، ليكون بمثابة سعر السوق “شبه الرسمي” لدى الصرّافين وشركات تحويل الأموال على السواء
ويبدو أنّ المصرف المركزي تدارك أيضاً الفجوة بين السعر الذي فرضه على الصرافين (3200 ليرة) وسعر شركات تحويل الأموال الذي يُحدّد يومياً، فعاد وخفضه صباح أمس إلى 3200 ليرة. السعر سبق وحدّده مصرف لبنان يوم الجمعة الفائت بـ3625 ليرة، ثم رفعه في اليوم التالي إلى 3800 ليرة… ليكون بذلك قد تقهقر في حدود 600 ليرة بيوم واحد فقط.
صاحب مكتب لتحويل الأموال قال لـ”أساس” إنّ التأرجح اليومي في التسعيرة “سيخلق لنا مشكلة جديدة”، لأن الزبائن أصحاب الحوالات “ما عادوا يأتون لاستلام أموالهم إلا حين يكون سعر الصرف مرتفعاً”. هذه الخطوة جعلت استلام الحوالات مرتبطاً بسعر الصرف. ويكشف صاحب المكتب أنّ المواطنين أخذوا يتابعون السعر على مواقع الأخبار ليعرفوا إن كان السعر مؤاتياً لسحب الحوالة أم لا، ويقول إنّ “يوم أمس ساده الهدوء لأنّ الناس تتريّث”.
لا يبدو أنّ سعر 3200 ليرة أُعلن بالصدفة، لأنّ المصرف المركزي أراد أن يوحّد بين سعري الصرافين والشركات من باب المساواة. مصادر مطلعة ترجّح ألاّ يتغيّر الفرق بين السعرين كثيراً في المدى المنظور، وقد يُثبّت عند هذا الحدّ، ليكون بمثابة سعر السوق “شبه الرسمي” لدى الصرّافين وشركات تحويل الأموال على السواء.