لبنان: من قصر الصنوبر وإليه نعود


لم يُبنَ قصر الصنوبر في بيروت، ليكون مقرّاً للمفوّضين السامين للانتداب الفرنسي، من جورج بيكو في العام 1918 حتى الجنرال كاترو عام 1941. ولا بيتاً أو سكناً للجنرال شارل ديغول في منفاه عام 1942، بصفته قائداً لفرنسا الحرّة. كما أنّ رخصة البناء المقدّمة من ألفرد سرسق، وممهورة بتوقيع عزمي بك ممثّل السلطنة العثمانية عام 1916، لم تلحظ عبارة أنّ هدف البناء هو إقامة سكن دائم للسفير الفرنسي في بيروت، بل شيّد قصر الصنوبر، ليكون “كازينو” للفرح والطرب ولعب الميسر لأغنياء بيروت وتجارها وزوّارها من الفرنجة والترك وما شابه ذلك. كما تُجمع عليه كتب التاريخ.

إقرأ أيضاً: ماكرون يمدّ يده.. مبادرة أم ارتجال؟

الانتداب الفرنسي، حوّل وجهة القصر البيروتي. فجعله مقراً للحكم وللسياسة قبل الاستقلال، ثمّ مقراً للرعاية أو منزلاً للأم الحنون (لقب يُطلق على فرنسا من قبل اللبنانيين) بعد الاستقلال.

المفارقة أنّ فرنسا اليوم، بعد مئة عام على إعلان لبنان الكبير من على شرفة القصر برعاية وحضور الجنرال غورو عام 1920. تعيد للقصر وُجهته الأولى التي شُيّد على أساسها بالمضمون وليس بالشكل، أيّ ككازينو وكمكان للعب القمار. وهذه المرة، اللاعبون هم أطراف وأحزاب وتيارات لبنانية، فيما هدف المقامرة هو لبنان وشعبه والمستقبل لهذا البلد الصغير. أما ممثّل فرنسا هذه المرة، وهو الرئيس إيمانويل ماكرون، فيلعب دور “منسّق البوكر الوطني” على الطاولة التي تجمع كلّ هؤلاء…!

من قصر الصنوبر وإلى قصر الصنوبر نعود.

إذا عدنا إلى اللغة السامية، فإنّ قصر الصنوبر ترجمته تعني قصر بيروت (معجم معاني وقرى لبنان – أنيس فريحة) فبيروت باللغة السامية، تعني الصنوبر.

قبل مئة عام ذهبنا نحن اللبنانيين مسيحيين ومسلمين، بكامل عدتنا السياسية والدينية إلى قصر الصنوبر. ووقفنا حول الجنرال غورو لنعلن عن لبنان الكبير

اشترت فرنسا قصر الصنوبر عام 1967 من بلدية بيروت لقاء تخلّي فرنسا عن أراضٍ تمتلكها في محلة الكرنتينا. والمتتبع للأملاك العائدة للدولة الفرنسية يجد أكثريتها واقعة على طريق الشام كما يطلق عليها. لقد كان الجنرال غورو حريصاً على أن تكون بيروت عاصمة لدولة لبنان الكبير، رغم معارضة بعض الشرائح اللبنانية لذلك ومطالبتها أن تكون طرابلس هي عاصمة الدولة الناشئة، فأصرّ غورو ومعه البعض الآخر من اللبنانيين على أن تكون بيروت العاصمة للبنان، والمرفأ لدمشق العاصمة لسوريا..!

قبل مئة عام ذهبنا نحن اللبنانيين مسيحيين ومسلمين، بكامل عدتنا السياسية والدينية إلى قصر الصنوبر. ووقفنا حول الجنرال غورو لنعلن عن لبنان الكبير، بعدما أعلنا رغبتنا بالاتفاق على كلّ التفاصيل اللاحقة بشأن الحدود التي ستحيط بنا، والسهول التي ستطعمنا، وسكة الحديد التي ستنقلنا، وصولاً الى محاكمنا الشرعية، وخصوصية كلّ طائفة بأحوالها الشخصية. بعد مئة عام، ها نحن نستعدّ للذهاب الى قصر الصنوبر بالشكل نفسه من العدّة الطائفية والدينية. لنتباحث، وربما لنتفق على إنقاذ لبنان من الاختفاء كما وصفه وزير الخارجية الفرنسي لودريان حين قال: “الخطر هو اختفاء لبنان”.

بعد مئة عام، هل نحتفل بمولد لبناننا. إنه وطن تحوّل من “قطعة سما” كما تقول الأغنية إلى حفرة تدفن فيها كلّ الأحلام والأوهام

هل تكون المئة عام هي الصلاحية الوجودية لدولة لبنان؟ بيروت التي جمعت بسبب مرفأها أشلاء دويلات ومتصرّفيات، فجعلتهم دولة واحدة، بدستور واحد، وراية واحدة. بيروت التي لطالما ابتدعت دورها الاستراتيجي من وجود مرفأها وميزته، فقدت مرفأها في 4 آب. فهل يكون ذلك مؤشراً للنهاية أم سيتمكّن “المنسّق الفرنسي لطاولة البوكر الوطني” من إخراج جميع اللاعبين من طاولة البوكر بخاصة إذا اكتشف أنهم لا يملكون ما يقامرون عليه أو أنهم ما زالوا يغشّون..

بعد مئة عام، هل نحتفل بمولد لبناننا. إنه وطن تحوّل من “قطعة سما” كما تقول الأغنية إلى حفرة تدفن فيها كلّ الأحلام والأوهام.

مواضيع ذات صلة

موسكو باعت طهران: البحر الأحمر آخر أوراق خامنئي

رفضت الجهات الإيرانية الكشف عن مضمون الرسالة التي وجّهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. كان المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات…

ترامب يبتزّ الكويت: الابتعاد عن الصّين والدّفع نحو التّطبيع

بلا مقدّمات تمهيدية أو سياقات واضحة، واجهت الكويت انتقادات من وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، الذي ألمح إلى أنّها لم تُسدّد بعد فاتورة تحريرها من…

لا إصلاح دون نزع السّلاح

شاهدت مقابلة رئيس الوزراء نوّاف سلام على قناة “العربيّة” التي أجرتها معه الزميلة رشا نبيل. لم أُفاجأ بأن يكون سؤالها الأوّل عن نزع سلاح “الحزب”،…

لا حلّ إلّا بنزع سلاح “الحزب”

الصواريخ التي أُطلقت على مستوطنة المطلّة بفلسطين المحتلّة من شمال الليطاني وليس من جنوبه عادت لإثارة كلّ المواجع، وليس الردّ الإسرائيلي العاتي فقط. لا بدّ…