“انتهى الدلع”. قالها بكل ثقة وزير الصحة اللبناني حمد حسن. والعبارة على بساطتها، صارمة وحاسمة. يمكن بسهولة تصديق الوزير وهو يقولها. لأن الدلع، على ما يظهر من نبرته، انتهى حقاً. وانتهاء الدلع، يعني بالضرورة، أنه كان حاضراً في حياتنا، ثم أنتشر فيروس كورونا ما تسبب بانتهاء الدلع.
قبل انتشار الفيروس، كان الدلع حاضراً في كل تفاصيل حياتنا. في صباحتنا الحلوة والممتعة في طوابير المصارف لنأخذ مصروفنا من “أولياء نعمتنا”. على أبواب المستشفيات قبل الكورونا كنّا نموت من الدلع. جرعات من الدلع تعطيها المستشفيات بالمصل للمرضى الذين لا يملكون المال. يعلّقون الدلع لينقّط في شراييننا نقطة نقطة. الدلع كان في البطاقة الصحية الشاملة التي تؤمن لجميع المواطنين الحق في الطبابة المجانية. كنا نفرز النفايات ونستخرج منها الدلع. كنا نقطّر الدلع، فخر الصناعة الوطنية، في قوارير زجاجية ونوزعها على السيّاح في المطار. كنا نفتح الحنفيات، فيخرج منها الدلع. نشغّل التلفزيون على الأخبار فنسمع الدلع في التصريحات. وكانت وزارة الطاقة تنير بيوتنا بالدلع. والمدارس الرسمية تدلّع طلابها أيّما دلع. والجامعة الوطنية تمارس مع الطلاب اقصى درجات الدلع. اسألوا مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية عن الدلع. اسألوا القضاء. واسألوا الأحزاب التي دلّعت ناخبيها بآلاف الوظائف. اسألوا سوق العمل. والبحبوحة. ولو كان الراحل سعدالله ونّوس حياً، لعدّل ربما في حكمته الشهيرة لتصير “نحن محكومون بالدلع”!
إقرأ أيضاً: حبٌ للمصابة بفيروسيّ كورونا و”الترند”
رئيس الجمهورية قال إن من لا يعجبه الدلع، فليهاجر. ولم يهاجر أحد. فمن تراه يتخلى عن كل هذا الدلع من أجل فيزا اوروبية أو كندية أو اميركية. مستحيل! ليس قبل ظهور كورونا. الآن ربما البعض يفكّر في الهجرة المؤقتة، إلى الصين، أو إلى إيطاليا أو إلى ايران، ريثما تتغلب وزارة الصحة على الفيروس الملعون ابن الملعونة، الفيروس الذي جاء لينغّص علينا دلعنا. أتانا من حيث لا ندري، وكنا غارقين في استقرارنا وهدوئنا وسلامنا الداخلي، فخرّب علينا لحظاتنا الحلوة. اقتحمنا الملعون كما يقتحم ذئب قطيع غزلان يرعى على حافة بحيرة فأرعبنا وفرّقنا وأصابنا الهلع. فكيف، بالله عليكم، نكمل حياتنا بلا دلع؟