قوى السلطة تستبعد “المستقبل”: عفوٌ عام لا يشمل الإسلاميين

مدة القراءة 5 د


 محزنٌ مشهدُ أهالي الموقوفين الإسلاميين في اعتصامهم أمام سراي طرابلس إحتجاجاً على سقوط اقتراح قانون العفو العام في مجلس النواب، وكم هو مؤثّرٌ صوتُ الأطفال والنساء وقد بُحّت حناجرُهم وتعبت أجسادُهم من افتراش الساحات وإطلاق الصرخات طلباً لعدالةٍ لا تأتي ولإنصافٍ ممنوع ولنهايةٍ لهذه الجلجلة التي تأكل أعمار أبنائهم داخل السجون وخارجها.. وهم الذين ظنّوا أن وباءً مثل كورونا سيشفع لهم عند مَن بيده السلطة، ليجدوا أنفسهم من جديد أمام الأبواب المغلقة.

سقط الاقتراح المعجّل المكرّر لقانون العفو العام المقدم من النائبين ميشال موسى وياسين جابر كذلك المعدّل المتفّق عليه من كتلة “المستقبل” وسط ازدحام اقتراحات قوانين تتعلّق بهذا الملف، تقدّم بها الرئيس نجيب ميقاتي باسم كتلة الوسط والنائب ميشال معوّض، إلاّ أنّها فقدت صفة العجلة لتصبح خارج التداول في جلسة مجلس النواب المنعقدة يوم الثلاثاء 21 نيسان الجاري. لذلك أحال الرئيس نبيه برّي جميع هذه الاقتراحات إلى اللجان المشتركة وأعطاها مهلة 15 يوماً لدراسة الاقتراحات القديمة والجديدة.

إقرأ أيضاً: تصعيد سجون زحلة وراشيا والقبّة: مواجهة عفوَ عون الخاص؟

صَوّرَ البعضُ ما جرى على أنّه إرباكٌ بسبب تزاحم اقتراحات القوانين، لكن الواقع هو أن تحوّلاً كبيراً حصل في السياسة خلطَ الأوراق وأعاد عملية التفاوض بين القوى السياسية إلى نقطة الصفر من خلال إعادة دمج الاقتراحات في إطار لجنةٍ اقترحها النائب جميل السيد وكشف أنها مُشَكّلةٌ من بعض القوى النيابية وأنها ستنعقد لتشكيل صيغة موحدة تتوافق مع كلّ المتطلّبات، من دون أن يوضح من هي هذه القوى السياسية، وعلى أيّ أساسٍ تلاقت، وما الذي يجمع بينها من عناوين أو مصالح؟

مصادر نيابية متابعة لمسار قانون العفو العام لاحظت أن الاصطفافات السياسية تبدّلت منذ الطروحات الأولى للقانون حتى اليوم، وأن الأولويات لدى الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل والرئيس نبيه برّي و”حزب الله” تغيّرت بعد تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، فلم يعد من داعٍ لمراعاة الرئيس سعد الحريري بعد أن أخرجته ثورة 17 تشرين من السلطة، وبالتالي أصبح العمل الآن يركّز على تأمين مصالح شركاء الحكم واستبعاد من هو خارج التركيبة المسيطِرة.

على هذه الخلفية، تشير مصادر سياسية متقاطعة إلى أن الأمور تتجه إلى صفقةٍ بين أركان السلطة تحمل عنوان العفو العام بعد أن سقط العفو الرئاسي الخاص، يشمل الفئات التي يسعى إليها الائتلاف الحاكم وبالمواصفات التي تستيجب لحاجات هذا الفريق، وهي تشمل:

ــ المطلوبين بموجب مذكرات توقيف وإشارات عدلية في قضايا المخدِّرات، ويبلغ عددهم حوالي 35 ألفاً، وهذا مطلبٌ قديم متجدّد للثنائي الشيعي.

ــ المتّهمين بالعمالة والموجودين في الكيان الصهيوني وعائلاتهم، ويبلغ عددهم قرابة الخمسة آلاف ويحمل راية الدفاع عنهم رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر.

ــ الموقوفين والمحكومين والمطلوبين في جرائم إرهابية لمصلحة النظام السوري مثل ميشال سماحة ورفعت عيد وآخرين لم تشملهم التغطية الإعلامية لعدم رمزيتهم كما هو حال سماحة وعيد.

تيار المستقبل أظهر انقساماً في الجلسة النيابية الأخيرة، فأيّد بعضُ نوّابه اقتراح الرئيس نجيب ميقاتي مع أنه لم يطرح للنقاش في جلسة “الأونيسكو” الأولى وأيّد آخرون اقتراح النائب بهية الحريري

أمّا الموقوفون الإسلاميون فإن ملفّهم أصبح الآن أكثر تعقيداً وصعوبة، خاصة بعد أن فقد تيار المستقبل هامش المناورة، لأنه في الأساس أعطى للاسلاميين عنوان “الحرب على الإرهاب”، فوصل الحال بالرئيس الحريري أن أعطى الغطاء لقصف مسجد بلال بن رباح على الشيخ أحمد الأسير ومجموعته رغم علمه بتدخّل “حزب الله” وسراياه في تلك الواقعة باعتراف السيدة بهية الحريري وما نطقت به بعد اقتحام مجموعات الحزب لمدينة صيدا واقترابها من مقرّ إقامتها على شاشة “أل.بي.سي” مع الإعلامي مارسيل غانم.

فشل الرئيس الحريري في فرض نفسه كجهةٍ وازنة طيلة السنوات الماضية حتى عندما كان في رئاسة الحكومة. وما يفاقم المشكلة الآن أنّ تيار المستقبل أظهر انقساماً في الجلسة النيابية الأخيرة، فأيّد بعضُ نوّابه اقتراح الرئيس نجيب ميقاتي مع أنه لم يطرح للنقاش في جلسة “الأونيسكو” الأولى  وأيّد آخرون اقتراح النائب بهية الحريري، وهو انقسامٌ لم تستطع السيدة بهية لجمه ويبدو أنه سيتواصل حول هذا الملف وربما حول غيره من الملفات، مما يُفقد التيار القوّة التفاوضية اللازمة.

سيلجأ أركان السلطة إلى صياغة قانون للعفو العام يشمل فئتي المطلوبين والمحكومين بالتهم المتعلّقة بالمخدّرات، والعملاء وعائلاتهم، كما سيعمدون إلى اكتساب غطاء سنّي من خلال الطلب من بعض النواب السنّة بصفاتهم الفردية تقديم لوائح بالموقوفين من قبلهم، مثل النواب: فيصل كرامي وعبد الرحيم مراد وجهاد الصمد، ومحاولة استدراج نواب من كتلة المستقبل لديهم علاقاتٌ محدودة مع النائب جبران باسيل ، وإرضاء رموز سرايا “حزب الله” (السنّة) مثل الشيخ بلال شعبان وماهر حمود وغيرهما، ليكون لهم لوائح يشملها العفو العام، وهكذا تكون الأجواء ملائمة لإعادة طرح المشروع وفق مصالح أطراف السلطة وعلى حساب المكوّن الأكثر مظلوميّة وحرماناً من معايير العدالة، بينما لم يملك الحريري سوى موقف التحسّر على طائفية غيره.

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…