قبّعاتٌ كثيرة لرأس واحد

مدة القراءة 4 د


هو ابن عائلة شهابية من قرطبا – قضاء جبيل. لم تتخلَّ عائلته عن شهابيتها في عزّ المواجهة بين الزعماء الموارنة التقليديين الأقوياء وبين عهود فؤاد شهاب الثلاثة، إذا احتسبنا انتساب عهدي شارل حلو والياس سركيس إلى المدرسة الشهابية.

مثل والديه، لم يستسلم لإغراء التطرّف الماروني، حتّى في عزّ المواجهة المسلحة بين “المسيحيين” والفلسطينيين، ترك لعقله البارد والمحلّل، أن يحتكم إلى المستقبل، بدلاً من أن يستسلم للهوى الدارج في تلك الأيام.

تعوّدت عليه “المرافق” السياسية، من الحركة الوطنية اليسارية في بدايتها، إلى الجبهة اللبنانية الحاملة صليبَ لبنان مروراً بمقرّات الدولة وصرح بكركي الذي أُعطيَ له مجد لبنان.. تعوّدت عليه رفيقاً دائماً للبيك الأحمر، كما هو لقب الراحل سمير فرنجية.

خاضا معاً، سمير بيك والطبيب فارس سعيد، لسنواتٍ طويلة، معارك سياسية تبدأ باجتراح معادلات جديدة والعمل على تحويلها إلى سياسة عامة لدى كل “المرافق” الآنفة الذكر، أو إلى واحدة منها أو أكثر.

مثل والديه، لم يستسلم لإغراء التطرّف الماروني، حتّى في عزّ المواجهة المسلحة بين “المسيحيين” والفلسطينيين، ترك لعقله البارد والمحلّل، أن يحتكم إلى المستقبل، بدلاً من أن يستسلم للهوى الدارج في تلك الأيام

كانا يحفران الجبل بإبرة الاعتدال معتمدين سياسة التراكم والنفس الطويل.

زاملا وليد جنبلاط حين عزّ على المسيحيين أن يقف واحدٌ منهم في حضرة زعيم الجبل وقائد حربه.

تحمّلا من موقعهما أثقال الحوار مع الأمن السوري. لم يتردّدا، لم يتراجعا. بقيت إبرتهما تنخر في جبل الوصاية السورية إلى أن كان لقاء قرنة شهوان ووراءه وفي قلبه البطريرك “مار نصر الله بطرس صفير” الذي ملأت قامته القصيرة كلّ لبنان.

صارا ضيفين دائمين في “عقل” البطريرك، جاعلين لإبرتهما هذه المرّة مهمّة “تطريز” المواقف، ودائماً صعوداً حتّى رأس الجبل. إلى أن كان لقاء فندق البريستول الذي توّج وطنية المطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان. من هناك بدأ دقّ المسمار اللبناني في الحائط العسكري السوري.

اغتيل رفيق الحريري في 14 شباط من العام 2005. فصارا محور الحديث في المجالس، وأمسكا بعناوين بالساحة والمنبر حتّى خروج آخر عسكري سوري من الأراضي اللبنانية.

توفي البيك الأحمر في العام 2017 بعد سنواتٍ طويلة من الصراع مع مرض عضال. صار الطبيب فارس سعيد وحيداً. اعتقد الكثيرون أنّه ذهب إلى التقاعد ليتفاجأوا بعد حين أنّ “الإبرة” لا تزال معه وأنّه لم يترك الحفر في جبل الحرية والسيادة والاستقلال، إنّما هذه المرّة من الاحتلال السياسي الإيراني المتمثّل بحزب الله.

جعل من الدستور ضمانةً للبنان، ومن القرارات الدولية حصناً للاستقرار الوطني، ومن الشرعية العربية حضناً لطمأنة اللبنانيين على عروبتهم.

خاضا معاً، سمير بيك والطبيب فارس سعيد، لسنواتٍ طويلة، معارك سياسية تبدأ باجتراح معادلات جديدة والعمل على تحويلها إلى سياسة عامة لدى كل “المرافق” الآنفة الذكر، أو إلى واحدة منها أو أكثر

بعد قرنة شهوان بسنوات، اعتمد مقرّ أمانة سرّ 14 آذار في الاشرفية ليستقطب إليه من يريد الحوار، أو الباحث عن دور، أو حتّى العاطل عن العمل. وجدوا جميعهم قي المقرّ ما يغني أهدافهم. لم يخلُ المقرّ، حتّى في سنوات القحط السياسي والمالي، من روّاده.

مرّة أخرى يذبل العنوان السياسي للمقرّ بعد أن تخلّى أصحابه عنه. سعد الحريري ووليد جنبلاط انضما إلى فريق “الواقعية المطلقة” في السكوت عن حقّ الدولة في مقاومة الاحتلال السياسي، وسمير جعجع انفرد بنفسه يدخل ويخرج إلى اليوميات المنفتحة على الحوار مع الجميع، بمن فيهم محتلّو حقوق الدولة. لينتقل فارس سعيد إلى شقة صغيرة تبعد مفرقاً واحداً عن أمانة السرّ، ويبدأ “المراكمة” من جديد تحت عنوان “سيّدة الجبل”.

صار يداوم في الشقة الصغيرة ويبتكر منها السياسات، والأهمّ: “عناوينها”.

لم يتعب من فراغ الوقت ولا من قلّة “شركائه” في النقاش، ولم يعمل للحظة على دعوة الصفّ الأوّل من الرفاق القدامى. اكتفى بالصادقين بديلاً عن السابقين. أشهر طويلة، وحتّى سنواتٌ مرّت قبل أن يُتاح لبيان “سيدة الجبل” مكانٌ في نشرات الأخبار وعلى صفحات الجرائد.

إقرأ أيضاً: مراجعة تاريخية مع فارس سعيد (1/2): الطائف ضمانة وجود المسيحيين وحلف الأقليات إلى تراجع

نقطة ضعفه أنّه لا يزال يراسل، بأوراقه السياسية، زعماء 14 آذار، اعتقاداً منه أنّه يستطيع أن يحصل بالمراسلة على ما لم يستطع تحقيقه شفاهة. لا يريد ان يعترف بأنه فقد “الوصال”.

استمرّ في حفر الجبل السياسي حتّى وجد شقيقة لـ”سيدة الجبل” سمّاها “المبادرة الوطنية”.

والحبل على الجرّار.

خاصم الكبار دون ضجيج. صادق الصغار دون تشاوف. وحده يستطيع القول إنّه صاحب القبّعات الأربعة وربما أكثر.

لم يترك لإحداها أن تغيّر ما في رأسه من مسؤولية وطنية.

 

مواضيع ذات صلة

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…

قنوات مفتوحة بين قائد الجيش و”الثّنائيّ الشّيعيّ”

في آخر موقف رسمي من الانتهاكات الإسرائيلية اليومية والفاضحة لقرار وقف إطلاق النار تكرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “لفت نظر” لجنة المراقبة لوجوب وقف هذه…