غادروا منازلهم وودّعوا عائلاتهم كي يتفرّغوا لمعالجة مرضى الكورونا. هم الجنود المجهولون المجاهدون بين جدران مستشفى رفيق الحريري. كُتِب الكثير عنهم، لكن أن يمضوا العيد بعيداً من عائلاتهم، فتلك تضحية تستوجب أكثر من تحية.
مضت أشهر ثلاثة على بدء المعركة التي يخوضها الطاقم الطبي والتمريضي في مستشفى رفيق الحريري بمواجهة فيروس كورونا. مناسبات عديدة سقطت من مفكّراتهم، غاب عنها قسراً أحباؤهم، وحضر مكانهم زملاء ومرضى لعبوا دور عائلة ثانية يتشاركون معهم اللحظات الجميلة والمؤلمة.
إقرأ أيضاً: بطلة من كوماندوس مستشفى الحريري: رشا لم تحضن ابنتها منذ شهر
من هؤلاء ليال عليوان، طالبة الطب في الجامعة اللبنانية. ابنة الـ28 عاماً التي تتخصّص بالأمراض الصدرية والعناية الفائقة تطوعت للمساعدة في قسم الكورونا، ومن هنا بدأت الرحلة.
الطبيبة الشابة التي اختارت طوعاً الانخراط في هذه التجربة، صارت اللقاءات التي تجمعها بالعائلة محدودة، بحسب ما تقول لـ”أساس”: “ألتقي بهم مرّة كلّ أسبوع أو أسبوعين. لا عناق ولا قبلات. ألتزم بمسافة التباعد وأقضي الوقت، وأنا في غرفتي، بعيداً منهم، وخوفاً عليهم”.
شهر رمضان هذا العام كان مختلفاً بالنسبة لليال: “حاولنا التعويض في المستشفى. كنا نجتمع ونتناول طعام الإفطار معاً”. وفيما تحكي، نجد حسرة في صوتها وقلبها، كما في قلوب المرضى، فتحدّثنا عن أكثر المواقف تأثيراً فيها، حين قال لها أحد المرضى: “سأقضي العيد معكم وليس مع عائلتي”. وحال ليال التي تفتقد لـ”ترويقة العيد” وللاجتماع مع عائلتها ليس أفضل، فأوّل ما ستقوم به عند انتهاء أزمة الكورونا هو “أعبط بيّي”.
رغم سوء الأحوال النفسية، بالنسبة إلى المرضى، وأيضاً بالنسبة إلى الأطقم الطبية حول العالم، فإنّ العلاقة التي تجمع الطاقم الطبي والتمريضي في مستشفى رفيق الحريري تكاد تكون “عائلية”. وإدارة المستشفى غالباً ما تحضّر مفاجآت لهم في المناسبات.
تتمنّى ليال للبنانيين “أن ينعاد العيد على الجميع بظروف أفضل وبصحّة أفضل”. لكن تتمنّى منهم أيضاً “أن يبقوا في منازلهم، وإن اضطروا للخروج أن يلتزموا بتعليمات السلامة والتباعد الاجتماعي ووضع الكمامات”.
يتأثر الممرّضون بالحالة النفسية للمرضى: “نحاول التخفيف عنهم. ونبذل جهودنا كي يتواصلوا مع عائلاتهم عبر الهاتف. وحين نشعر باقتراب الدمعة من عيونهم، نمازحهم ونحاول تلطيف الأجواء”، يقول محمد
حال ليال كحال الممرّض محمد فوعاني (31 عاماً)، الذي يعمل في قسم الكورونا منذ بداية الأزمة: “في المرحلة الأولى لم نحتكّ بعائلاتنا. لكن منذ مدة قريبة عدنا لرؤيتهم حين تسمح الظروف. لكن من بعيد، فلا سلام ولا قبلات، فقط كلام ونظرات”.
خطيبة محمد تعمل معه في القسم نفسه، وهذا ما يمنحه بعض الدعم: “أحياناً نلتقي سوياً في فترة العمل. وحتى إذا لم نلتقِ، أراها بكلّ الأحوال كوننا نعمل في القسم نفسه”.
يفتقد محمد الزيارات العائلية صبحية العيد، وعناق الأهل والأصدقاء: “هذا العيد لن أستطيع رؤية أقربائي وأصدقائي. سأرى أمي وأبي وإخوتي، لكن لن أسلّم عليهم. فنحن نحتكّ بمرضى الكورونا يومياً، وهذا يستدعي منّا أعلى درجات الحذر”.
يتأثر الممرضون بالحالة النفسية للمرضى: “نحاول التخفيف عنهم. ونبذل جهودنا كي يتواصلوا مع عائلاتهم عبر الهاتف. وحين نشعر باقتراب الدمعة من عيونهم، نمازحهم ونحاول تلطيف الأجواء”، يقول محمد.
وكما ليال، يتمنّى محمد عيداً بحال أفضل العام المقبل، لكنّ أمنيته الأساسية: “قلّلوا الزيارات واتّخذوا الاحتياطات، خصوصاً أنّ كثيرين يصابون بفيروس كورونا من دون عوارض… لذا انتبهوا”.