في ذكرى الإمام الصدر: الشيعة “لبنانيون” أوّلاً

مدة القراءة 5 د


نستعيد هذه الأيام الذكرى السنوية الخامسة والأربعين لاختطاف وتغييب الإمام موسى الصدر في ليبيا. وبانتظار جلاء الأمور حول مصيره وإعلان ذلك رسمياً من قبل عائلته وقيادة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وقيادة حركة أمل ممثّلة بالرئيس نبيه برّي، فإنّ حضور الإمام الصدر يزداد قوة على الرغم من السنوات الطويلة لغيابه. وذلك من خلال استعادة مواقفه وتجربته ورؤيته المستقبلية للبنان ودوره في حماية الوحدة الوطنية ورفض الحرب الأهلية ودعواته الدائمة إلى الحوار، إضافة إلى دوره في الحوار الإسلامي – الإسلامي في لبنان والعالم العربي، والحوار الإسلامي – المسيحي.

هناك تجارب عديدة للإمام الصدر جرت الإشارة إليها في الكتب والموسوعات والدراسات التي أُعدّت عنه، والأهمّ من كلّ ذلك أنّه لم يكتفِ بالمواقف والآراء النظرية بل حرص على تقديم ممارسات عملية تؤكّد ما يؤمن به، سواء عندما كان ينشط في مدينة صور أو عندما انتقل إلى بيروت والمناطق اللبنانية. منها إلقاؤه المحاضرة الشهيرة في كنيسة الكبوشية، واعتصامه في مسجد العاملية رفضاً للحرب الأهلية، ووقوفه إلى جانب أهل الجنوب في مواجهة العدوّ الصهيوني، ودعمه الثورة الفلسطينية، وإعلانه المهمّ أنّ “شرف القدس يأبى أن يتحرّر إلا على أيدي المؤمنين”، ونضاله للدفاع عن الثورة الإسلامية في إيران وإطلاق ندائه المهمّ عبر جريدة “لوموند” الفرنسية، وإقامته احتفالاً تأبينياً للمفكّر الإيراني الشهيد الدكتور علي شريعتي في قاعة الاحتفالات في الثانوية العاملية في بيروت بعد اغتياله في لندن على أيدي السافاك الإيراني.

لم يكن دعم الشيعة اللبنانيين للثورة الإسلامية في إيران إلا لأنّها وقفت إلى جانب المقاومة الفلسطينية وواجهت الكيان الصهيوني وأقامت سفارة فلسطين بدلاً من سفارة الكيان الصهيوني

الرؤية التطويرية للإمام الصدر

لكنّ النقطة المركزية التي أودّ استعادتها اليوم في هذا المقال هي دور الإمام موسى الصدر في تطوير موقف المسلمين الشيعة تجاه لبنان، وهو استكمال لمواقف الإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين التي طوّرها لاحقاً كلّ من الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين والإمام الشيخ عبد الأمير قبلان والمرجع الديني السيّد محمد حسين فضل الله وغيرهم من العلماء والمفكّرين، والتي أصبحت اليوم رؤية الشيعة الأساسية تجاه لبنان، والتي تتجسّد في الدفاع عن وحدته وكيانيّته وتعدّديّته ورساليّته من دون التخلّي عن الاهتمام بالقضايا العربية والإسلامية، وفي مقدَّمها القضية الفلسطينية.

عمل الإمام موسى الصدر بقوّة على تكريس الانتماء الشيعي للبنان، وكرّس ذلك من خلال تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ومن خلال دعوته الدولة اللبنانية إلى إنصاف الشيعة وإجراء تعديلات في النظام اللبناني تحقّق العدالة وقيام دولة المواطنة، وتمّ وضع برنامج تفصيلي من خلال الورقة الإصلاحية التي أعدّها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.

المعروف عن المسلمين الشيعة في لبنان كغيرهم من المسلمين أنّهم كانوا يؤيّدون الوحدة مع سوريا ودعموا حكومة الملك فيصل في دمشق بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ووقفوا في وجه الانتداب الفرنسي، لكنّهم لاحقاً اندمجوا في الكيان اللبناني وساهموا في نظامه السياسي من دون التخلّي عن مواقفهم الوحدوية ودعم القضية الفلسطينية والوحدة العربية، ووقفوا إلى جانب الرئيس جمال عبد الناصر، وانخرطوا في الأحزاب اليسارية والقومية والناصرية والشيوعية، وناضلوا من أجل مواجهة الحرمان، واستقبلوا الشعب الفلسطيني والفدائيين في بيوتهم وقراهم.

وعلى الرغم من كلّ ما عانوه بسبب ما اقترفته الأحزاب الوطنية والتنظيمات الفلسطينية من أخطاء فإنّهم انخرطوا بسرعة في صفوف المقاومة اللبنانية منذ السبعينيات، وحتى في الخمسينيات والستّينيات عندما أسّس الحزب الشيوعي اللبناني مجموعة “أنصار الجيش” للدفاع عن قرى الجنوب، ولاحقاً ناضلوا في صفوف حزب البعث وغيره من الأحزاب اليسارية وسقط منهم الشهداء وصولاً إلى تأسيس الإمام موسى الصدر لأفواج المقاومة اللبنانية.

عمل الإمام موسى الصدر بقوّة على تكريس الانتماء الشيعي للبنان، وكرّس ذلك من خلال تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ومن خلال دعوته الدولة اللبنانية إلى إنصاف الشيعة وإجراء تعديلات في النظام اللبناني تحقّق العدالة وقيام دولة المواطنة

لم يكن دعم الشيعة اللبنانيين للثورة الإسلامية في إيران إلا لأنّها وقفت إلى جانب المقاومة الفلسطينية وواجهت الكيان الصهيوني وأقامت سفارة فلسطين بدلاً من سفارة الكيان الصهيوني.

علاقة الشيعة بلبنان

علاقة المسلمين الشيعة بلبنان هي علاقة عضوية واستراتجية وكيانية، ومشروع الإمام موسى الصدر يتجسّد اليوم بالدعوة إلى دولة المواطنة وحفظ حقوق اللبنانيين كلّهم وبالدفاع عن لبنان في مواجهة الاحتلال الصهيوني، ومن خلال الدفاع عن القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني والدفاع عن المظلومين والمضطهَدين ومناصرة القضايا العربية.

المسلمون الشيعة في لبنان، كما غيرهم من أبناء هذا الوطن، ضحّوا بدمائهم دفاعاً عن الوطن، وهم اليوم يدعون على لسان قياداتهم إلى تطبيق اتفاق الطائف وقيام دولة المواطنة ومواجهة الاحتلال الصهيوني، وأن يكون لبنان جسر حوار بين الشرق والغرب، وأن يتحقّق المضمون الذي دعا إليه البابا يوحنّا بولس الثاني: “لبنان أكثر من وطن، إنّه رسالة”.

إقرأ أيضاً: الحزب و”السرايا”: مراجعة شاملة ورؤية جديدة؟

نحن اليوم أمام فرصة حقيقية كي يتلاقى كلّ اللبنانيين على هذا المفهوم وأن يذهبوا إلى تسوية وطنية تاريخية لإعادة بناء دولة المواطنة واستكمال تطبيق الطائف بدلاً من رفض الحوار والدعوة إلى عزل الحزب أو الشيعة اللبنانيين، وبذلك نعيد إحياء ذكرى الإمام موسى الصدر وما دعا إليه.

وهذا هو النقاش الحقيقي الذي يجب الدعوة إليه اليوم.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…