“فاغنر” السوريّة باقية: النفط “أصدقُ إنباءً”

2023-07-03

“فاغنر” السوريّة باقية: النفط “أصدقُ إنباءً”


“فاغنر” باقية في سوريا، ومصيرها “الروسي” يختلف عن مصيرها “السوري”. فمهامّها هي النواة الأصلب لقوات الجيش الروسي. ويقول مسؤولون سوريون إنّ هذه الميليشيات هي عمليّاً “قوات نخبة”. لا بل يذهبون أبعد من ذلك، إلى أنّها “رأس حربة” دور موسكو في دمشق. أما تمرّدَها على الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين قبل أسبوع، فيبدو أنّه لن ينعكس على عملها في سوريا.

والسبب على ما يبدو هو خليط من اثنين:

1- سهولة “اصطيادهم”: يختلف الوضع في سوريا عن بقيّة خريطة انتشار مُرتزقة يفغيني بريغوجين: يبلغ عديد رجالها 5.500، بينهم 2.500 روسي، و3.000 سوري يعملون تحت إمرتهم، جنّدتهم المُنظّمة. وهؤلاء قاتلوا تحت غطاء سِلاح الجوّ الرّوسيّ، بهدف السّيطرة على حقول النّفط والغاز في البادية السّوريّة. ويسهل على سلاح الجوّ الروسي استهدافهم من خلال طائراته الموجودة في قاعدتي حميميم وطرطوس. ويطمئن مقرّبون من النظام السوري إلى أن آخر مكان يمكن أن تقلق روسيا حول فاغنر هو سوريا، ويكشفون عن “تغييرات ستطال قادة هذه القوات في سوريا، خصوصاً المشكوك في عدم ولائهم لبوتين”.

“فاغنر” باقية في سوريا، ومصيرها “الروسي” يختلف عن مصيرها “السوري”. فمهامّها هي النواة الأصلب لقوات الجيش الروسي

2- عقود النفط والغاز: منذ 2018، منحَ النّظام السّوريّ “فاغنر” صفقات وعقوداً ضخمة، أبرزها استحواذ شركة “ميركوري” على حقوق التّنقيب عن النّفط والغاز في البلوك رقم 7 في منطقة “الجزيرة السّوريّة”، شرق الفرات. وهو بلوك يمتدّ على مساحة 10 آلاف كيلومتر مربّع، أي ما يُساوي مساحة لبنان تقريباً.

استحوذت أيضاً شركة “فيلادا” على “البلوك 21″، وهو حقل غاز شمال العاصمة السّوريّة، تبلغ مساحته 3 آلاف كيلومتر مُربّع تقريباً. وتتبع “ميركوري” و”فيلادا” بشكلٍ مُباشرٍ لقائد المُنظّمة يفغيني بريغوجين، وتزيد عائداتها الشّهريّة على 20 مليون دولار.

لا تقفُ عوائد “فاغنر” الماليّة في سوريا عند حدود البلوكيْن 7 و21. إذ تنال نسبة 25% من عائدات النّفط والغاز في البادية السّوريّة. هُناك تُسيطر المُنظّمة أمنيّاً على حقل الشّاعر قُرب مدينة تدمر، وعلى عددٍ من حقول الغاز والنّفط.

تُعتبَر النّسبة التي تتقاضاها “فاغنر” “أجرة” مُشاركتها في “تحرير وحماية” الحقول التي كانَ تنظيم داعش يُسيطر عليها قبل التّدخّل الرّوسيّ في الحرب السّوريّة.

3- التنقيب البحري: في 2021، زادَت “فاغنر” على لائحتها ثروات البحر زيادة على ثروات البرّ. إذ نالت عبر شركات تتبع لبريغوجين حقّ التّنقيب عن النّفط والغاز في البحر.

تُعتبَر النّسبة التي تتقاضاها “فاغنر” “أجرة” مُشاركتها في “تحرير وحماية” الحقول التي كانَ تنظيم داعش يُسيطر عليها قبل التّدخّل الرّوسيّ في الحرب السّوريّة

انتشار فاغنر وأطواره

في الأساس، لا تُشكّل هذه الميليشيا شركة مُقاتلين مُرتزقة فحسب، بل تُمثّل امتداداً سياسيّاً واقتصاديّاً لمصالح روسيا عبر القارّات، وتُشكّل بديلاً عن وجود الجيش الرّوسيّ في بؤر التّوتّر، خصوصاً في الشّرق الأوسط وإفريقيا. فهي يد ضاربة على النّفط والغاز في سوريا وليبيا، ومناجم الذّهب والمعادن الخام في السّودان وتشاد ومالي. وهي “تكون حيث يجب أن يكون” التدخّل الروسي، وتعتبر “القفازات” التي تعفي بوتين من تحمّل مسؤوليات سياسية وعسكرية، خصوصاً حيث يكون التدخّل “وحشياً” ويمكن أن يؤدّي إلى “محاسبة دولية”. ينفض بوتين يده من هذه القفازات و”يا دار ما دخلك شرّ”.

ومع بداية “تمرّد” المُنظّمة الأسبوع الماضي، بدأ الحديث يدور حول مصير وجودها خارج روسيا. إذ تنتشر في سوريا وليبيا والسّودان و15 دولة إفريقيّة أخرى.

سوريا هي أوّل بؤرة توتّر حطّت فيها “فاغنر” رحالها. لعِبَت المُنظّمة دوراً محوريّاً وأساسيّاً في عدّة معارك حاسمة في الحرب المُشتعلة منذ ربيع 2011.

غيّرَت تلكَ المعارك من توازن الصّراع، وأعادت سيطرة النّظام السّوريّ على مناطق واسعة في البادية السّوريّة ودير الزّور وصولاً إلى حدود نهر الفرات حيثُ يوجد الجيش الأميركيّ والمجموعات المدعومة منه على الضّفّة الشّرقيّة.

سوريا.. الخلاف الأوّل مع شويغو

لكن متى بدأ الصّراع الخفيّ بين المُنظّمة ووزارة الدّفاع الرّوسيّة في سوريا؟

في العام 2018، تجاوزت قافلة تضمّ مئات المُسلّحين من مقُاتلي “فاغنر” نهر الفُرات نحو حقل “كونيكو” النّفطيّ الذي تُسيطر عليه “قوّات سوريا الدّيمقراطيّة” والجيش الأميركيّ. فسارَعَ الأميركيّون يومذاك إلى الاتصال بقاعدة حميميم، والسّؤال عن علاقة روسيا بالقافلة العابرة من غرب الفرات إلى شرقه، إلّا أنّ الجيش الرّوسيّ نفى أيّ وجود له في المنطقة. على إثر الاتصال والنّفيّ الرّوسيّ، أغارت طائرات التحالف الدّوليّ بقيادة الولايات المُتحدة على القافلة، وأحرقتها عن بكرة أبيها. ماتَ العشرات من مُقاتلي “فاغنر”. حينذاك اتّهمَ بريغوجين وزارة الدّفاع بالتّقصير وتخلّفها عن توفير الحماية الجوّيّة للقافلة، والتّنصّل من مُقاتليه.

إقرأ أيضاً: تبادل الأدوار بين المستوطنين والجيش الإسرائيليّ

نجحَ الكرملين وقتئذٍ في احتواء الخِلاف بين بريغوجين ووزير الدّفاع سيرغي شويغو، ولم يظهر أيّ خلاف بين الرّجليْن إلى العلن، حتّى جاءت حرب أوكرانيا.

يكشف مُقرّبون من النّظام السّوريّ أنّ موسكو تمتلك الأدوات المُناسبة لاحتواء رجال بريغوجين في سوريا. تقول المصادر لـ”أساس” إنّ غلبة عدد المُقاتلين السّوريين والتّفوّق الجوّي الرّوسيّ يجعلان من تمرّد “فاغنر” في سوريا أمراً “شبه مُستحيل”.

لكنّ الكرملين لا يمتلك هذه الأدوات في مناطق الصّراع الأخرى مثل ليبيا والسّودان والدّول الإفريقيّة حيث تتواجد “فاغنر”.

مواضيع ذات صلة

سلامة والمظلّة السّياسيّة: الكلمة للقضاء

تتّجه كلّ الأنظار غداً الإثنين إلى قصر العدل حيث يُساق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمثول أمام قاضي التحقيق الأوّل بلال حلاوي لاستجوابه واتّخاذ قرار…

العمامة الوطنيّة والعمامة التّكفيريّة

تسود الشارع السنّي حالة من الاستقطاب الديني النزعة على خلفيّة حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وما يعرف بحرب الإسناد في جنوب لبنان، ويمكن اختصار…

تعويم الجماعة في ذكرى “الطّوفان”: الأيّوبيّ منسّقاً للمؤتمر القوميّ الإسلاميّ

في خطوة بالغة الأهمّية بتوقيتها ومضمونها تستضيف بيروت في الأول من شهر تشرين الأول المقبل الدورة الجديدة للمؤتمر القومي – الإسلامي، وستكون معركة طوفان الأقصى…

ثلاث سوابق مارونيّة “تنتخب” الرّئيس المقبل

ثلاث سوابق لم يشهدها لبنان في تاريخه السياسي الحديث تكمن أهميّتها ليس فقط في حصولها بل في تزامن بعضها مع بعض مع قاسم مشترك وحيد…