فارس سعيْد: فليُرِنا الانفصاليّون دولتهم وبطولاتهم!

مدة القراءة 5 د

ما يدور همساً من كلام يحمل يأساً من إمكان أن يبقى لبنان بلداً موحّداً. ولا يعني هذا اليأس المقلق أنّ هناك خطراً داهماً من أن تكون مشاريع التقسيم في طريقها إلى أن تبصر النور. لكنّه يعني أنّ التململ الآن قد يتطوّر، مثلما حدث سابقاً بعد حرب عام 1975، إلى مشاريع يُخيّل لأصحابها أنّ الوقت قد حان لتجزئة البلد.

الدكتور فارس سعيد هو من المجاهرين بهذا القلق الآن. ولذلك ألمح في كلام له إلى “التيار الوطني الحر” من دون تسميته، ذلك أنّ التيار الذي راوده حلم جني المغانم من شراكته مع “حزب الله”، فوصل مؤسّسه إلى رئاسة الجمهورية عام 2016، لا يجنح اليوم إلى الخروج من هذه الشراكة فحسب، بل من إطار الدولة الواحدة كلّها من خلال دعوته إلى اعتماد “اللامركزية الإدارية والماليّة الموسّعة”.

لا يفصح هذا الكلام عن التقسيم، لكنّه يعبّر عن تبرّم ممّا آلت إليه أحوال لبنان، إضافة إلى أصوات متفرّقة تؤدّي قسطها بصورة محدّدة تحت عنوان الأمن.

ما يدور همساً من كلام يحمل يأساً من إمكان أن يبقى لبنان بلداً موحّداً. ولا يعني هذا اليأس المقلق أنّ هناك خطراً داهماً من أن تكون مشاريع التقسيم في طريقها إلى أن تبصر النور

الأزمة وطنيّة عامّة

يستشعر الدكتور سعيد، أنّ الكلام عن التقسيم في البيئة اللبنانية عموماً، والمسيحية خصوصاً، يتزايد. لذا أراد توجيه رسالة تنفرد “أساس” بنشرها.

يبدأ سعيد رسالته بالحديث عن “بحث اللبنانيين عن حلول جزئية فيما الأزمة الوطنية تطال الجميع”، فيرى أنّه “ليس صحيحاً وجود أزمة لدى المسيحيين وأزمة لدى المسلمين. وليس صحيحاً أنّ هناك حلّاً للمسيحيين وحلّاً آخر للمسلمين. بل هناك حلّ وطني للجميع يرتكز على العودة إلى الدستور واتفاق الطائف ومقرّرات الشرعية الدولية 1559 و1701 و1680 و2650”.

أمّا التعبير عن هذه الأزمة الوطنية فيختلف من طائفة إلى أخرى: “المسيحيون يعبّرون عن الأزمة الوطنية بإبداء الرغبة في الانفصال، أو ما يسمّونه أحياناً فدرالية أو لامركزية إدارية ماليّة، وهناك من يجرؤ على أن يتكلّم عن التقسيم. السُّنّة يعبّرون عن الأزمة الوطنية ببحثهم عن إدارة سياسية رديفة. الدروز يقولون بمعنى من المعاني: فلنهتمّ بمناطقنا بانتظار ما سيحدث في لبنان والمنطقة. وهناك فريق من الشيعة يعتبر أنّه مميّز لأنّه ساهم في تحرير البلد من إسرائيل ومواجهة الإرهاب، ولذا للشيعة الحقّ، مثلهم مثل الطوائف التي سبقتهم، سواء قبل الحرب أو بعدها، في أن يعامَلوا معاملة الطائفة المميّزة”.

يستشعر الدكتور سعيد، الشخصية البارزة في “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني” عن لبنان، أنّ الكلام عن التقسيم في البيئة اللبنانية عموماً، والمسيحية خصوصاً، يتزايد. لذا أراد توجيه رسالة تنفرد “أساس” بنشرها

رئيس المقاتلين والصواريخ

تؤكّد كلّ هذه التعابير أنّنا “في أزمة وطنية، وكلّ طائفة تحاول أن تطرح هذه الأزمة وفق منظورها. لكن ليس صحيحاً أنّ هناك إمكانية لخلق دولة مختلفة عن دولة جميع اللبنانيين. وليس صحيحاً أنّ بالإمكان البحث عن إدارة سياسية لدى فريق بين يوم وآخر، أو أن يحصل ذلك من دون مشروع سياسي واضح. وليس صحيحاً أنّ الانسحاب من الحياة الوطنية يوفّر ضمانة وطنية. وليس صحيحاً الادّعاء أنّ هناك أناساً أحسن من أناس في البلد. وهو كلام لا يؤدّي إلى أيّ نتيجة”.

تتوجّه رسالة سعيد بوضوح إلى الذي “يبكي اليوم ويطالب بالانفصال والتقسيم والفدرالية ولا يستطيع أن يعيش مع الآخر”، فتقول: “بوضوح شديد منذ 12/12/2005، أي في لحظة اغتيال جبران تويني، نبّهنا إلى أنّنا دخلنا في مسار صعب جدّاً وحدّدنا ما هي معالمه: لبنان واقع تحت الاحتلال الإيراني. أمّا الفريق الذي يتباكى اليوم ويقول: أريد أن أنسحب من الشراكة وأقيم دولتي وأنسحب من الدولة اللبنانية، فلم نرَهُ في وقت الانتهاكات المتكرّرة: في الجرود، وفي 7 أيار، وذلك بحجّة أنّ الحرب بين مسلمين ومسلمين، وليست لنا علاقة بها. والجنرال ميشال عون قال آنذاك: القطار على السكّة، وذلك عندما سقط 130 قتيلاً في بيروت والجبل”.

عندما دخل حزب الله في الحروب السورية والعراقية واليمنية متسبّباً بانفصال لبنان عن محيطه العربي وعن نظام المصلحة الذي كان قائماً منذ 100 سنة، “لم نرهم يتباكون على انتهاك الدستور. وكذلك عندما كان فريق يتباهى بأنّ لديه 100 ألف صاروخ و100 ألف مقاتل بإمرة إيرانية في لبنان. وعندما أوصلت هذه الأعداد الحربية الجنرال عون إلى بعبدا قالوا: هذه هي مصالحنا وهذا هو المسار الذي يعوّض خسارتنا في اتفاق الطائف لنتوازن مع المسلمين في لبنان”.

الانفصاليّون ودولتهم

أمّا الكلام عن الانفصال فيقول سعيد عنه: “من هو قادر على بناء دولته فلا يتأخّر. فأيّ مدارس فيها، وأيّ مستشفيات وجامعات في انتظاره؟ النفايات وأمراضها من يعالجها؟ ألا فليتفضّل الانفصاليون ليرونا كيف يقيمون دولتهم”.

إقرأ أيضاً: هل يخضع ميقاتي لجدول أعمال الحزب؟

ويختم سعيد: “ليس من حلّ لنا جميعاً كمسيحيين ومسلمين إلا بالعودة إلى الدستور وإلى وثيقة الوفاق الوطني في الطائف وقرارات الشرعية العربية والدولية. وهذه الرسالة لمن يريد أن يسمع، ومن لا يريد أن يسمع فليُرِنا بطولاته وليَقُل لنا ما هو الحلّ”.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…