ما صنّفه رئيس الجمهورية ميشال عون بأنّه “مصارحة على مشارف الاستحقاقات الكبرى”، قفز إلى مصاف جردة الحساب إن لم يكن تصفية الحساب المؤجّل مع حلفائه ومع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي لن “تقطع عليه” الكلمة الرئاسية طريق التكليف غداً بـ”سكور” لن يلامس الـ 69 صوتاً التي نالها رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب!
إقرأ أيضاً: الحريريون: “تقصقصت” جوانح باسيل… والتكليف الخميس
دعوة رئيس الجمهورية النواب “للتفكير بآثار التكليف على التأليف ومشاريع الإصلاح ومبادرات الانقاذ” تلازَمت مع إعلان ضمني عن جهوزيته غداً، بحكم الأمر الواقع، لاستقبال الكتل النيابية والنواب المستقلين لتسمية الرئيس المكلّف بعدما سلّم بشكل غير مباشر بصعوبة طلبه التأجيل مرّة أخرى. تكليف سيجيّر إلى سعد الحريري الذي اعترف عون لتوّه بـ”خسارته سنة و14 يوماً من عهده بسبب تكليفه مرّتين رئاسة للحكومة!”.
ولم يكد رئيس الجمهورية ينهي كلمته حتّى بقّ العونيون البحصة: “لقد عرّى الرئيس الجميع من دون استثناء، ورمى كرة التكليف في مرمى النواب ورئيس المجلس نبيه بري ليتحمّلوا مسؤولياتهم. وكلّ نائب سيصوّت غداً للحريري الذي يشكّل امتداداً للسياسات التي رسّخت أخطبوط الفساد في الدولة، هو شريك ومتواطئ في القضاء على أيّ فرصة للاصلاح“!.
أما لناحية المعنيين بالهجوم الرئاسي فتوالت سريعاً المواقف التي تدلّل على الثبات في دعم الحريري وتسميته من جانب كتلتي الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط، فيما عُلم أنّ نواب تيار المستقبل سيتوجّهون إلى قصر بعبدا كما كان مقرّراً سابقاً لتسمية الحريري، ما فتح الباب واسعاً أمام السؤال المحوري: هل يوقّع عون الذي تحدّث بلسان “المُعارض” مرسوم تشكيل حكومة برئاسة الحريري غير الراضي عن مؤهّلاته لقيادة مشروع الإنقاذ؟!
في خطابه الذي بدا الأكثر وضوحاً في “محاكمة” من صَنع معه التسوية الرئاسية، كالحريري، أو تقبّله شريكاً في الحكم وسعى لورقة تفاهم معه، كالرئيس نبيه بري، أو رَفَعه إلى مصاف الحليف المقدّس كحزب الله، سطّر عون مضبطة اتهام كاملة
في السياق نفسه، تؤكد المعلومات أنّ وقع كلمة عون في عين التينة أتى سلبياً لعلم بري بأنّ الجزء الأكبر منه طاله شخصياً، ولأنّ الاتهامات المساقة تُظهر وكأن عون الشريك في السلطة منذ العام 2005، هو قائد أسطول المعارضة وغير معنيّ بالسياسات التي رُسمت منذ ذلك الحين إضافة الى مسؤولية فريقه السياسي، وعلى رأسه باسيل، في محاولة إلغاء الآخرين لكي يستقيم وضع البلد”.
في المعطيات، كان مقرّراً أن يتوجّه عون بكلمة إلى اللبنانيين، بالمضمون “الإصلاحي” نفسه تقريباً، في 31 تشرين الأول الحالي في ذكرى مرور أربع سنوات على العهد. لكن التطوّرات الحكومية فرضت عليه تقديم تاريخ “الجردة” بوجه “البعض ممّن حكم لبنان منذ عقود ولم يزل بشخصه ونهجه يرفع شعارات رنّانة بقيت من دون مضمون وتحوّلت إلى وعودٍ تخديرية”!.
وفي خطابه الذي بدا الأكثر وضوحاً في “محاكمة” من صَنع معه التسوية الرئاسية، كالحريري، أو تقبّله شريكاً في الحكم وسعى لورقة تفاهم معه، كالرئيس نبيه بري، أو رَفَعه إلى مصاف الحليف المقدّس كحزب الله، سطّر عون مضبطة اتهام كاملة بحقّ “من يؤمّنون مصالحهم السلطوية والشخصية بإتقان وتفانٍ حتّى أصبح الفساد مؤسساتياً ومنظّماً، والمتضرّرين الذين رفعوا المتاريس بوجهي”.
أما الاتهام الأكبر فوجّهه إلى من أحبط التدقيق الجنائي “فاعترض عليه وعرقله وناور لإفشاله”، معتبراً أنّ “صمت أيّ مسؤول وعدم تعاونه يدلّان على أنّه شريك في الهدر والفساد”، فضلاً عن الاتهام بعدم دفع الاعتمادات لخطة الكهرباء.
عون الذي لن يستقيل و”لن يمشي” كرّس عملياً الواقع الصدامي الذي سيلي مرحلة تكليف الحريري إن لناحية التوافق على فريق عمل الحكومة أو لجهة إدارة مرحلة تنفيذ الورقة الاقتصادية في المبادرة الفرنسية وتنفيذ المشاريع الحيوية والاصلاحية التي أشار اليها عون في كلمته.
وفيما اعترف رئيس الجمهورية بدخول أصدقاء مشتركين على الخطّ لجمع باسيل والحريري و”ما زبطت”، يجزم مطلعون “أنّ تأجيل الاستشارات في جزء كبير منه مردّه إلى فقدان خط التواصل بين الطرفين وليس فقط أزمة الميثاقية”، متسائلين: “لو التقى الحريري وباسيل الأسبوع المنصرم هل كان رئيس الجمهورية ليطلّ علينا بالخطاب نفسه؟”.
ما يباعد بين الحريري وحزب الله – ربطاً بالضغوط الأميركية والخليجية التي تمارس عليه لمحاصرته على قاعدة “مطلوب رأس حزب الله” – أكبر بكثير من الذي يباعد بين بعبدا وبيت الوسط
وقد فَضَح رئيس الجمهورية أكثر “تضارب المصالح” مع رأس السلطة التنفيذية العتيد في ما تبقى من سنوات عهده، موحياً أنّ اتجاه النواب لتكليفه هو وصفة للانهيار الكامل مع علمه المسبق بأنّ الثنائي الشيعي يغطّي عودته بحماسة ظاهرة من جانب بري، وتوجّس من جانب حزب الله الذي يتردّد في العمق في منح الحريري ورقة الحكومة عشية التغييرات الكبيرة في المنطقة وقبل أيام قليلة من الانتخابات الأميركية.
في الوقائع، نُصِح ميشال عون مراراً بأن لا يقف في بوز مدفع المواجهة مع عودة سعد إلى رئاسة الحكومة. ناصحو رئيس الجمهورية انطلقوا من واقع أنّ ما يباعد بين الحريري وحزب الله – ربطاً بالضغوط الأميركية والخليجية التي تمارس عليه لمحاصرته على قاعدة “مطلوب رأس حزب الله” – أكبر بكثير من الذي يباعد بين بعبدا وبيت الوسط. لكنّ عون أخفق في تجنّب الفخ، فيما وقف الثنائي الشيعي يتفرّج على “انفلات” قواعد الجمهورين على بعضهما البعض، واهتزاز عامل الثقة بين الطرفين إلى حدّ اتهام العونيين الحزب بشكل مباشر بالتواطؤ ضدّهم!
في النتيجة، وعلى ضوء المشهد الرئاسي المستجدّ سيحسم نواب حزب الله (12) والقومي (3) النتيجة النهائية غداً لـ”سكور” الحريري المضمون حتّى الآن على 57 نائباً مع تسمية نواب تيار المستقبل (18) للحريري إضافة الى نواب حركة أمل (17)، الطاشناق (3)، اللقاء الديموقراطي (7) التكتل الوطني (5) الوسط المستقلّ (4)، وتمام سلام، إيلي الفرزلي، ميشال ضاهر.
في مقابل رفض تسمية الحريري من جانب نواب تكتل “لبنان القوي”، بما في ذلك نواب “ضمانة الجبل” (21)، إلى جانب نواب القوات (15) واللقاء التشاوري (4)، إضافة الى النواب المستقلين جميل السيد، أسامة سعد، فؤاد المخزومي، شامل روكز، إدي دمرجيان… فيما لم يعرف بعد إذا كان النائب نهاد المشنوق سيشارك في الاستشارات. أما النائب جهاد الصمد فأعلن عدم حسمه قراره بعد.