لا تشبه شخصية حسان دياب، ذلك السكون الذي يتحصّن خلفه منذ دخوله السراي الحكومي. لدى “الدكتور” الكثير من “إيغو” الذي لا ينسجم مع “آداب الصمت” التي يلتزم بها. هو الذي كتب يوماً “ها يا أمي قد وصلت، رغم الضباب والدخان”، وتحديداً في عيد الأم عام 2013 في صحيفة “السفير” تحت عنوان “إلى أمي، ألف قبلة”.
حتّى اللحظة، ينأى الرجل بنفسه عن “أدوات الشهرة” التي قد تجعله ضعيفاً دائماً على أذهان اللبنانيين وأنظارهم، على عكس الكثير من السياسيين العاشقين للكاميرا وملحقاتها، ولو أنّ ما تسرّب من شخصيته يشي بفائض من حبّ الذات، إلاّ أنّه يحمل على نفسه ليبتعد عن الصورة والصوت قدر الإمكان ويفضّل الانكباب على العمل.
إقرأ أيضاً: بيان بعبدا أُنزل على دياب
صار للرجل أكثر من ستين يوماً في نادي رؤساء الحكومات، ومع ذلك هو لم يُضبط حتى اللحظة على كرسي اعتراف علنية، تسمح له بإخراج الماء الذي يملأ حلقه، أو بالبوح بمكنونات ذاته، وهي أشبه بجبل يثقل صدره… إلى أن “بقّها” في مجلس الوزراء.
لم تُسمع نبرة رئيس الحكومة حين تلا طقوس الشكوى “من المحرّضين على حكومته” بعدما كان لفت في إحدى الجلسات إلى “موبقات” الثلاثين سنة الماضة. وقد تولّت وزيرة الاعلام يومها نقلها مكتوبة، أسوة بكل اطلالات حسان دياب منذ أن صار من “أصحاب الدولة”. إختارها الرجل معركة بوجه خصومه الذين كانوا حتى الأمس القريب يحتمون بقفّازات مخملية.
وسرعان ما دخلت “كتلة المستقبل” على خطّ السجال معلنة تصديها لكلام رئيس الحكومة، ودعت رئاسة الحكومة إلى “النأي بنفسها عن تلك الحملات المكشوفة الأهداف، فلا تستنسخ العبارات التي درج على استحضارها أزلام زمن الوصاية وورثتهم في العهد الحالي والعهد الذي نظمت فيه جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري”.
حتّى الآن، صورة حسان دياب نمطية يقدمها بشكل متشابه ويومي لعدسات الكاميرا، تبدو أقرب إلى الـpoker face، الذي يعجز مراقبوه عن فكّ لغزه: هل هو مهموم أم مرتاح؟ هل هو راضٍ أم غاضب؟ هل ينام ملء جفونه أم يسهر مدققاً في الأرقام ودهاليزها؟
لا يوحي الجالس على كرسي الرئاسة الثالثة أنّه من طينة الشخصيات الكلاسيكية. تكاد تكفي هنا استعادة رواية ردّة فعله حين قرّر قصر بعبدا الانقلاب على قرار تسميته رئيساً للحكومة، حيث يتردد أنّ “دولته” أجاب المتصل به: إبحثوا عن مواد دستورية تفقدني التكليف لأتنحّى، غير ذلك أنا باقٍ رئيساً مكلفاً.
رجل لا يهزه التحدي بسهولة. يقول عارفوه إنّ رئاسته لـ”حكومة الانهيار”، ضرب انتحاري، ومع ذلك فعلها. يجيب معارضوه، إنّه “العشق للسلطة” دفع به للارتماء في “نار الهلاك” الاقتصادي “الذي سيحرقه حتماً”.
في 19 كانون الأول الماضي وقف حسّان دياب على منبر قصر بعبدا يعلن تبلّغه تكليفه برئاسة الحكومة. كانت تلك إطلالته الأولى. قبلها، غاب وزير التريبة السابق بعد خروجه من حكومة نجيب ميقاتي، عن الأضواء وعن السمع وحتى عن صفحات الاعلام المكتوب، مكتفياً بدوره الأكاديمي. لكنه واظب على بعض الاتصالات مع عدد من الشخصيات النافذة في البلد.
يومها أطّل على اللبنانيين تالياً “بيانه الأول”. بدا الرجل واثقاً من نفسه، لا بل متخماً بالثقة وكأنه سيترأس “حكومة الأحلام” لا “حكومة المصائب”. لا يمكن إنكار طلاقته في الخطابة. لكنّها حتى الآن بدت مضبوطة في إطار القراءة.
اللافت أنّ الرجل لم يخضع إلى الآن لامتحان السؤال والجواب المباشرين. الأكيد أنّ العديد من المحطات المحلية والعالمية سجّلت طلبتها لمقابلة مع سيد السراي الحكومي، لكنه لم يلبِّ إلى الآن أيّ طلب.
تختلف التبريرات التي تحاول النبش في سيرة والرجل وشخصيته بحثاً عن أسرار انكفائه عن الاعلام. ثمة من يقول إنّها الخشية من الزحطات الكلامية التي قد تكلفه التضحية بكل المجهود الذي يقوم به خلف جدران المكاتب، خصوصاً أنّه ليس من أصحاب السوابق والتجارب الكثيرة في هذا المجال وقد يخونه لسانه في أي لحظة.
حتّى اللحظة، لا تبرير لدى المقرّبين من دياب عن أسباب غيابه عن الشاشات السؤال والجواب، إلا واحد: إنّه وقت العمل لا الكلام
وهناك من يعتبر أنّ شخصية الرجل “النرجيسية” قد تزيد من كارهيه وتؤدي الى انبعاث الثورة من جديد، وقد يكون حضوره ثقيلاً على أنفاس متابعيه. أما التفسير الأكثر اقناعاً، فهو الذي يقول إنّ دياب صاحب ذهن منظّم، ويعي في المقابل صعوبة المرحلة ودقّتها وأنّه يجلس على بركان قد ينفجر في أي لحظة. ولذا يفضّل التروي والعدّ للعشرة قبل الإقدام على أي خطوة. ولهذا يبتعد عن الاختبارات المحرجة التي قد توقع حكومته في المحظور في مواقف حادة قد تثبت بالوجه الشرعي هوية حكومته بينما هي في أمسّ الحاجة إلى الاختباء خلف أصبع “النأي بالنفس”، والانكباب على الهمّ الاقتصادي – الاجتماعي الذي يوّحد اللبنانيين مهما كبرت خلافاتهم السياسية.
حتّى اللحظة، لا تبرير لدى المقرّبين من دياب عن أسباب غيابه عن الشاشات السؤال والجواب، إلا واحد: إنّه وقت العمل لا الكلام.
وفي مطلق الأحوال، يتحضّر كل الطاقم الحكومي، للوقوف على المسرح الاعلامي فور انتهاء الخطة الاقتصادية – المالية، للتعاون مع رئيس الحكومة على شرحها أمام الرأي العام، خصوصاً من جانب الوزراء المختصين بالشأن المالي. وهؤلاء ليسوا بقلة في الحكومة. ويفترض أن يخرج دياب خلال الأيام المقبلة، كما بعض الوزراء، عن صمتهم ليتوجّهوا إلى اللبنانيين عبر المنابر الاعلامية لتقديم رؤية الحكومة الاقتصادية التي ستكون، إما خشبة خلاص البلاد كما الحكومة، وإما عود الثقاب الذي سيشعل بركان الثورة من جديد.