“إذا طلعت بين الناس كأني عم أقتل حدا، هيدا المرض مميت وهيدا شي ما ممكن يقبل فيه عقل”، بهذه العبارة يبدأ علي رباح حواره مع موقع “أساس”. علي الذي ينهي اليوم 14 يوماً من الحجر الذي أخضع نفسه إليه، بعد عودته من إيران مساء 26 شباط الماضي.
في غرفة صغيرة مجاورة لمنزل عائلته في اللبوة بالبقاع، يقضي علي أوقاته: “أرتدي الملابس التي جلبتها معي من الخارج، أما الطعام فيضعونه لي في صحون بلاستيكية أمام الباب. وبعد الانتهاء أضعهم في أكثر من كيس بلاستيكي كي يتم رميهم دون نقل الفيروس لأي أحد”، يقول علي.
ابن الـ21 عاماً، والذي سافر إلى إيران منذ 3 سنوات للتخصص في الهندسة، يتحدث عن صعوبة الحجر: “بعد مضي أسبوع قلت لنفسي أنّ لا عوارض وبالتالي فلأخرج. ولكن تذكرت أنّ هناك حالات ظهرت عليها عوارض الفيروس في اليوم الـ13 من الحجر. وهذا ما دفعني لإكمال المدّة. فأنا لا أريد أن أسبٍب الأذى لأي أحد”.
إقرأ أيضاً: لبنان والكورونا: 80 % يُشفَون بلا مضاعفات والإصابات أكبر من المسجّلة
منذ وصول علي إلى لبنان وهو مهيّأ نفسياً لإخضاع نفسه للحجر. فما إن حطّت طائرته في المطار وبعد إنهاء الإجراءات الروتينية، حتى بدأت الخطوات الاحترازية من قبله وقبل العائلة. لا عناق رغم الشوق، ولا اقتراب لمسافة قريبة، ولا مرافق له في رحلته من المطار إلى الغرفة المجهزّة له في اللبوة. فقاد علي السيارة وحيداً.
لا ينفي علي تعرَضه للضغوطات من المحيط، فالبعض انتقدوا العائلة لموافقتها على حجر ابنها تحت قاعدة “يسواهم ما يسواه”، الأمر الذي دفعه للإيضاح بشكل دائم أنّ الحجر ليس فقط من أجل عائلته وإنّما أيضاً لحماية أهل البلدة. أما البعض الأخر فذهب إلى فبركة الشائعات، وأكثرها إزعاجاً كانت شائعة تقول بأن سيارة من الصليب الأحمر نقلته إلى المستشفى لكونه مصاب بالكورونا. وهذا ما لم يحدث.
كذلك واجه علي صعوبة في تفسير وضعه لبعض الأصدقاء. فهو ليس مريضاً ولا مصاباً بالفيروس وإنّما فقط يتبع إجراءً احترازيًا.
مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في عون علي على الصبر، فبدأ بنشر يومياته وأخذ يتواصل مع الأصدقاء. كما دفعته متابعة أخبار الكورونا إلى الإصرار على المضي بالحجر حتى الاطمئنان التام.
ساعات قليلة باقية لخروج علي من غرفة الحجر. هي الساعات الأثقل على قلبه. فهو مشتاق لعائلته وللجلوس معها من دون حواجز، وأكثر ما يضايقه هو أنّه ورغم عودته إلى لبنان منذ أسبوعين، إلا أنّ التواصل مع العائلة لا زال عبر “الفيديو” كما ولو أنّه ما زال مسافراً.
شقيقة علي، حنين رباح، التي تعبّر بصراحة عن شوقها لـ”صغير البيت”، تتحدث لـ”أساس” عن مخططهما السابق بقضاء جزء من إجازة علي الدراسية في تركيا والجزء الآخر في لبنان. مخطط أحبطه “الكورونا”.
تخبرنا حنين عن تحضيرات العائلة لاستقبال علي، فهم سيجتمعون غداً ليلتقوا به بعدما فرقت بينهم الـ14 يوماً الماضية.
اللحظة الأصعب على العائلة بحسب حنين، هي لحظة وصول علي إلى المطار، وعدم تمكنهم، وخصوصاً الوالدة، من عناقه والاحتكاك به
حنين وقبل وصول علي إلى لبنان تواصلت مع وزارة الصحة والمستشفى الحكومي لتأمين حجر لأخيها أو إجراء فحص له كي يطمئنوا. وكان الرد أنّ لا فحص إلاّ لمن تظهر عليه العوارض ولا أماكن مخصصة للحجر، ما دفع العائلة إلى التواصل مع عدد من الأطباء لإجراء الحجر ذاتياً على علي في غرفة صغيرة في حديقة منزلهم واتباع كل تعليمات وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية.
اللحظة الأصعب على العائلة بحسب حنين، هي لحظة وصول علي إلى المطار، وعدم تمكنهم، وخصوصاً الوالدة، من عناقه والاحتكاك به. لحظات كانت بمثابة التحدّي لهم، تحدّ تخطّوه بنجاح بإصرارهم وتعاونهم معاً.
لحنين أيضاً نصيبها من هلع الآخرين. هي التي ذهبت إلى صفها الجامعي بشكل طبيعي بعد عودة أخيها، لتتفاجأ بحالة “panic” منها، واستدعائها وتعقيم الصف والأماكن التي مرّت فيها.
لا تنتقد حنين هذا الخوف، معتبرة أنّه يعود لعدم التزام بعض الأشخاص بالحجر وعدم امتلاكهم الوعي الكافي كي لا يخاطروا بصحّة من حولهم. مؤكدة وبعد تجربة شخصية أنّ الحجر ليس بالأمر السهل.