على الرغم من المدّة القصيرة التي باتت تفصل عن موعد إحالة المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات إلى التقاعد فإنّ “سيناريو البديل” لا يزال غير محسوم. دخلت السياسة والطائفية بقوّة على الخطّ لتُخربِط مسارٍ مُتزامِنٍ بين تكليف وانتدابات، بتوقيع وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى، يشمل النيابة العامّة التمييزية ومراكز قضائية حسّاسة يشغلها حالياً قضاة بالوكالة. لكن وفق معلومات “أساس” “طارت الانتدابات” والخيارات ضاقت بين احتمالين:
– الأوّل، وهو الأكثر ترجيحاً، تكليف رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجّار بالمهمّة.
يحظى قرار تكليف الحجار، وفق المعلومات، بغطاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس القضاء الأعلى وعدم رفض من الثنائي الشيعي ووزير العدل والقاضي عويدات نفسه بعدما تبيّن تراجع الأخير عن فكرة تكليف المحامي العامّ التمييزي القاضي غسان خوري بمهامّ النائب العام التمييزي قبل إحالته إلى التقاعد. مع العلم أنّ ثمّة آراء قانونية متضاربة داخل “العدلية” نفسها حول صلاحية الرئيس الأول لمحكمة التمييز في إصدار قرار بانتداب قاضٍ لموقع النيابة العامّة التمييزية بوصفه رأس المحاكم التمييزية.
الانتدابات العالقة منذ نحو سنتين حرّكها النقاش السياسي والقضائي حول هويّة من سيخلف القاضي عويدات في موقعه، فيكون الأمر على شكل سلّة تشمل بعض المواقع التي يشغلها قضاة بالوكالة
– الثاني تولّي القاضية الأعلى درجة المحامية العامّة ندى دكروب ابنة شقيقة الرئيس نبيه بري وزوجة مفوّض الحكومة بالإنابة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي. ووصولها يعني في هذه اللحظة السياسية المفصليّة تسلّم الطائفة الشيعية، ولو بشكل مؤقّت، حاكمية مصرف لبنان (موقع ماروني) والنيابة العامّة التمييزية (موقع سنّيّ).
سلّة كاملة؟
الانتدابات العالقة منذ نحو سنتين حرّكها النقاش السياسي والقضائي حول هويّة من سيخلف القاضي عويدات في موقعه، فيكون الأمر على شكل سلّة تشمل بعض المواقع التي يشغلها قضاة بالوكالة.
وفق معلومات “أساس” رَسَت الطبخة القضائية الأخيرة على سلّة انتدابات تشمل بالتوازي مع تكليف قاضٍ يحلّ محلّ عويدات كلّاً من القاضي كلود غانم في موقع مفوّض حكومة لدى المحكمة العسكرية (كان اختير لهذا الموقع في التشكيلات القضائية التي لم يوقّعها الرئيس ميشال عون) مكان القاضي فادي عقيقي، رئيس محكمة استئناف بيروت القاضي أيمن عويدات رئيساً للتفتيش القضائي، قاضي التحقيق الأوّل في المحكمة العسكرية القاضية غادة أبو علوان، قاضي التحقيق الأوّل في البقاع القاضي علي الموسوي. وكان قد تمّ الاتفاق على انتداب قضاة لهذه المراكز الأربعة الأساسية.
“فَرَطت” السلّة عند عتبة عين التينة حيث اعترض الرئيس بري بعد مفاتحته بالموضوع على تطيير القاضي عقيقي من موقعه وخسارة القاضية دكروب في الوقت نفسه فرصة تسلّم رأس النيابات العامّة بعد تقاعد عويدات، فأفتى عندها بري بإيقاف مسار الانتدابات في العدلية، المُفترَض أن تصدر بالتوافق بين وزير العدل هنري خوري ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، لتقتصر المسألة بعدها فقط على تكليف قاضٍ سنّي يحلّ محلّ عويدات وإبقاء القاضي عقيقي في موقعه.
تفيد المعلومات أنّ هناك “تقاطعاً واضحاً بين وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى بانتداب قاضٍ آخر مكان عقيقي بسبب الاعتراضات على أدائه القضائي وسلوكيّاته خارج باحة المحكمة العسكرية (ملفّ صيرفة)، مع العلم أنّ عقيقي موجود في موقعه بحكم الأقدمية فقط، إذ بعد قبول رئيس الجمهورية السابق ميشال عون في حزيران 2020 استقالة مفوّض الحكومة القاضي بيتر جرمانوس تمّ تكليف عقيقي بالمنصب بالإنابة”.
تؤكّد الأوساط الوزارية أنّ “تجاوز صلاحيات وزيرَيْ الدفاع والعدل برفع اسم المنوي تعيينهما في النيابة العامّة التمييزية ورئاسة الأركان يعرّض قرار مجلس الوزراء للإبطال أمام مجلس شورى الدولة”
وفق مطّلعين فإنّ ما زاد في طين الانتدابات بلّة هو طابعها الطائفي الذي طَبَشَ لمصلحة المسلمين على حساب المسيحيين، حيث إنّ المواقع التي كانت مشمولة بالانتدابات كالتفتيش القضائي وقاضي التحقيق في المحكمة العسكرية وقاضي تحقيق البقاع هم من المسلمين، إضافة إلى موقع مدّعي عام التمييز الذي سيحافظ في هذه الحالة على “سنّيّته”.
كما أنّ مجلس شورى الدولة حَسَم تكليف القاضي بلال حلاوي بمهامّ قاضي التحقيق الأول في بيروت خلفاً للقاضي شربل أبو سمرا، وردّ طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه من قبل القاضي فؤاد مراد.
هل تعيّن الحكومة؟
مع ذلك بقي احتمال قائم، وهو أن “يَفعلها” مجلس الوزراء في اللحظة الأخيرة عبر تجاوز توقيعَيْ وزير الدفاع موريس سليم ووزير العدل هنري خوري المُقاطعين لجلسات الحكومة بقرار سياسي من النائب جبران باسيل، فتلجأ الحكومة بناءً على الدراسة التي أعدّها القاضي محمود مكّية إلى اجتهاد قانوني يقضي بتعيين رئيس أركان لقيادة الجيش ومدّعي عامّ التمييز.
لكنّ أوساطاً وزارية تنفي هذا الاحتمال وتؤكّد أنّ “تجاوز صلاحيات وزيرَيْ الدفاع والعدل برفع اسم المنوي تعيينهما في النيابة العامّة التمييزية ورئاسة الأركان يعرّض قرار مجلس الوزراء للإبطال أمام مجلس شورى الدولة”.
هكذا، وفيما تتقاطع المعطيات عند التوجّه لتكليف القاضي جمال الحجار بمهامّ مدّعي عام التمييز، فإنّ مطّلعين يشيرون إلى “التماهي في آليّة العمل بينه وبين القاضي عويدات، وهو قريب من الأخير، ومن ينتظر انقلاباً من القاضي الحجّار، خصوصاً في موضوع ملفّ المرفأ، فرهانه خاطئ. فهل ممكن مثلاً إعادة توقيف من أخلى القاضي عويدات سبيلهم بعد الظلم الذي لحق بهم على خلفيّة الإدارة المتهوّرة للمحقّق العدلي القاضي طارق البيطار”.
هنا تشير مصادر قضائية إلى أنّ “النيابة العامّة التمييزية وحدة متكاملة وادّعاء البيطار على عويدات يبقى قائماً لكن كمدّعٍ عامّ سابق، ولا يستطيع أيّ قاضٍ تمزيق هذا الادّعاء، والمسار القضائي وحده يحسم الأمر. كما لا يستطيع القاضي الذي سيخلف عويدات نسف مساره السابق في الإشراف على تحقيقات ملفّ المرفأ ومن ضمنه الادّعاء على القاضي البيطار”.
إقرأ أيضاً:
كما يُذكّر هؤلاء أنّ “الحجار كان من الفريق الرافض لالتئام الهيئة العامّة لمحكمة التمييز المخوّلة بتّ طلبات المخاصمة في قضية تفجير المرفأ بأعضائها المنتدبين إلى جانب الأعضاء رؤساء غرف التمييز الأصيلين”.
مراكز شاغرة
يُذكر أنّه منذ سنوات شَغَرت مواقع أساسية في الجسم القضائي بفعل الاستقالة أو التقاعد أو صدور قرارات عن المجلس التأديبي، ومن أهمّ هذه المراكز: الرئيس الأوّل في محافظات بيروت، جبل لبنان، البقاع، الجنوب، النبطية، طرابلس، قاضي التحقيق الأول في بيروت، النائب العامّ الاستئنافي في الشمال، قاضي التحقيق الأول في البقاع، مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية…
كما أنّ تطيير الانتدابات لم يؤثّر على صدور مرسوم موقّع من وزير العدل بانتداب 69 قاضياً تخرّجوا أخيراً بعد التوافق السياسي والقضائي على المراكز المُنتدب القضاة إليها.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@