سُترة توفيق سلطان الضيّقة وأزمتنا مع الحزب

مدة القراءة 5 د


يروي أحد الإعلاميين البارزين أنّ السياسي العريق توفيق سلطان اشترى في أحد الأيام سترة من النوعية الفاخرة المعروفة. وقد زاد وزنه قليلاً بعد شرائها وعندما أراد ارتداءها وجدها ضيّقة المقاس فتحمّل ضيقها على مضض. ثمّ ارتداها مرّة ثانية فكادت تتفتّق درزاتها، فسأله صديق: “لماذا ترتديها وقد باتت مصدراً للإزعاج لك؟ لماذا هذه المكابرة يا أبا راشد؟”، فأجابه ساخراً كعادته: “سأرتديها مرّة ثالثة فقط، ومن بعد ذلك سأتخلّص منها وأقول لقد خدمت عسكريّتها، وهكذا لا يُعيّرني أحد على شرائها”.
بالمنطق ذاته تتعامل الأطراف السياسية معارِضة وتغييرية، سيادية وغير سيادية، مع واقع هيمنة الحزب على القرار اللبناني. تعارضه بالإعلام ليل نهار وتتعارك معه بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة مسبّبة الإزعاج لنفسها ولجمهورها، على الرغم من إدراكها أنّها لن تحقّق شيئاً، ولن تُحدث أيّ تغيير ملحوظ في نهاية الأمر، إلا أنّها تشتري الوقت كي يصبح مبرّراً لها أن تقول “لقد خدمت معارضتنا عسكريّتها”. تماماً كما تعامل الحبيب توفيق سلطان مع سترته الضيّقة المقاس.
تكابر الأطراف السياسية في مواجهة الحزب، وهي المدركة أن لا غطاء دوليّاً ولا إقليمياً لما تقوم به، وأنّها لا تمتلك الرؤية ولا المشروع ولا منطق المواجهة.

لا يتحمّل السيد حسن نصر الله وحده مسؤولية تغييبنا أو استبعادنا عن موقع القرار اللبناني. إلا أنّ القوى المناهضة له تشاركه بالتساوي مسؤولية هذا الاستبعاد

لا يتحمّل السيد حسن نصر الله وحده مسؤولية تغييبنا أو استبعادنا عن موقع القرار اللبناني. هو يمتلك السلاح والصواريخ والدعم الداخلي والخارجي. هذا أمر لا جدال فيه. إلا أنّ القوى المناهضة له تشاركه بالتساوي مسؤولية هذا الاستبعاد. ربّما أراد السيد حصول ذلك، لكنّ هذه القوى ساعدته على ذلك، وتتقاسم معه المسؤولية لعدّة أسباب:
1- لم تكن القوى اللبنانية المناهضة للحزب ومحوره جدّية بالعمل السياسي، وتحديداً في الاستحقاقات الكبرى، بداية من الحلف الرباعي عام 2008، مروراً بالتفريط بالمحكمة الدولية عند مدخلها في لاهاي عام 2014، وانتهاء بالانتخابات النيابية عام 2009. فلا تعاملت مع انتصاراتها بجدّية وفعّالية ولا مع هزائمها بواقعية. مارست فعل التبذير السياسي عند الانتصار، وفعل الهوان والاستسلام عند الهزيمة.
2- فقدت هذه القوى غطاءها الدولي والإقليمي بفقدانها ثقة الرعاة من دول شقيقة وصديقة عربية وغربية ما وجدت في هذه القوى أرضاً صالحة للاستثمار السياسي تارة بسبب عدم الكفاءة وتارة أخرى بسبب توغّلها بالفساد.
3- التماثل مع الحزب ومحوره في منطق مباشرة ممارسة السلطة عبر المحاصصة والزبائنيّة تفريط بفرصة الحكم وفقاً لمفهوم الدولة والمؤسّسات منذ عام 2008.

الأولويّات الأميركيّة
يخطئ من يظنّ أنّ الولايات المتحدة الأميركية تضع لبنان في سُلّم أولوياتها لجهة تأمين انتخاب رئيس للجمهورية أو لجهة سيادته واحترام الدستور فيه.
أولوية الإدارة الأميركية الحالية هو ضمان أمن شمال إسرائيل، وبالتالي ضمان عدم توسّع الحرب على الحدود بين لبنان وإسرائيل. تدرك هذه الإدارة أنّ تحقيق هذه الأولوية لا يكون بالتفاوض مع حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها نجيب ميقاتي، ولا مع قيادة الجيش اللبناني، ولا مع قوى المعارضة أو التغيير في مجلس النواب، بل يكون ذاك فقط بالتفاوض مع الحزب مباشرة أو عبر إيران لتجنّب الحوار المباشر.

يخطئ من يظنّ أنّ الولايات المتحدة الأميركية تضع لبنان في سُلّم أولوياتها لجهة تأمين انتخاب رئيس للجمهورية أو لجهة سيادته واحترام الدستور فيه

لا رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ولا رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ولا النواب السنّة الـ 27 بكبيرهم وصغيرهم قادرون على تقديم الضمانات التي تسعى إليها الولايات المتحدة لترسيخ الهدوء على الحدود الجنوبية. وحده الأمين العام للحزب دون غيره قادر على تأمين هذه الضمانات، وهنا يبرز سؤالان تأكيديّان:
1- لماذا على الإدارة الأميركية الالتفات إلى كلّ التيارات ومحاورتها؟
2- لماذا علينا لوم الأميركي إن فاوض الحزب وأهملنا؟

السيّد المحاور الوحيد
وحده موقف الأمين العام للحزب حسن نصر الله من بين كلّ اللبنانيين سيكون حاضراً على طاولة المفاوضات الدولية التي لا بدّ أن تُعقد بعد أن تتوقّف الحرب على غزّة، بعيداً عن شكل هذا التوقّف بقرار لوقف إطلاق النار أو هدنة طويلة أو شكل ثالث يجري البحث عنه في عواصم القرار الدولية.
علينا جميعاً كلبنانيين الاعتراف بأنّه تمكّن بالتواطؤ معنا من دون أن نعلم على إلغائنا جميعاً أو بعبارة أكثر تهذيباً تمكّن من تغييبنا عن المشاركة والقرار في ما سيجري منحه للبنان بعد الحرب المجنونة التي تشنّها إسرائيل.
بناء على كلّ ذلك، لا رئيس للجمهورية إلا إن كان مرشّحاً من قبل الحزب ولا حكومة إلا إن كان الحزب قابضاً على قرارها. هي المعادلة المعروفة عن الحزب: “ما لي هو لي وما لكم هو لي ولكم”. هذا ما حصل بعد عدوان تموز عام 2006 وبعد احتلال بيروت في 7 أيار 2008، وهذا ما حصل عبر التسوية الرئاسية وانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية عام 2016، وهذا ما سيحصل خلال أشهر عندما سننتخب رئيساً للجمهورية يختاره لنا الحزب.

إقرأ أيضاً: لبنان الرهينة: هل الحزب قَدَرٌ لا مَرَدَّ له؟

لم تسقط فقط قواعد الاشتباك بين الحزب وإسرائيل بعد أحداث طوفان الأقصى، بل أيضاً سقطت قواعد الاشتباك الداخلي بين الحزب ومناهضيه من قوى وأحزاب وشخصيات مستقلّة.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…