سليم عيّاش فجّر مرفأ بيروت.. وخلصنا

مدة القراءة 4 د


لن يبدو الأمر سوريالياً إذا خرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وطالب في خطاب علنيّ بمحكمة دولية للوصول إلى العدالة في قضية تفجير مرفأ بيروت. سعد الحريري سيكون سعيداً جداً بهذه الخطوة. سيرحّب بها. وسيقول إنّه يثق بالقضاء الدولي. ستدفع الدولة أموالاً طائلة من أجل الحقيقة، وستصل المحكمة الدولية إلى قرار اتهامي، ثم إلى حكم مبرم بعد استئناف، لكنهّ سيكون حكماً غيابياً، تماماً كما حدث مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وحكمها الصادر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

سيكون سعد الحريري ومعه ميشال عون وأيضاً حسان دياب وعلي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس وبدري ضاهر، سعداء بمحكمة دولية في قضية المرفأ على غرار المحكمة الخاصة بلبنان. ستأخذ وقتها كاملاً. سنواتٌ من العمل ولجان تحقيق وتحقيقاتٌ وشهود زور وجلسات وادّعاء ودفاع ومتّهمون ومدّعى عليهم و”صديق محكمة”، وصولاً إلى جلسات النطق بالحكم غيابياً طبعاً. ولن تكون، كما كانت محكمة رفيق الحريري، مادة للخلاف السياسي بين الأفرقاء. على العكس تماماً. سيتفقون جميعاً على أن تقوم بعملها، وأن تصل إلى “الحقيقة”. وهذه “الحقيقة” المنشودة، يراد لها أن تكون على غرار حقيقة اغتيال رفيق الحريري. لا ترضي أحداً، لكنها في الآن عينه لا تزعج أحداً. فالحقيقة التي توصلت إليها المحكمة الدولية في قضية اغتيال الحريري تحدّد القاتل، وتسمّيه، لكنّها لا تتمادى في أيّ اتهام يتجاوز هذا الاتهام الموجه إلى شخص سليم عياش، المدان، والمحكوم عليه مؤخراً بالسجن المؤبّد غيابياً.

في قضية المرفأ يتفق الأفرقاء، كما اتفقوا في قضية اغتيال رفيق الحريري، على أنّ الحقيقة المطلوبة يجب ألا تكون مستفزّة لأي طرف، ويجب أن تًراعي التوازن الطائفي، وألا تصبّ زيت التوتر على نار الفتنة. يجب ألا تستهدف جهة بعينها. الحقيقة التي يريدها الجميع يجب ألا “تجرح” أو تحرج أحداً. يجب أن تكون مراعية لجميع معايير “السلامة الطائفية العامة”، التي تضمن عدم اندلاع حرب أهلية بسبب قرار قضائي جريء.

سليم عياش قتل رفيق الحريري. قتله وحده. لا شريكَ له. ولا محرّض ولا مموّل ولا أي شيء من هذا القبيل. سليم عياش هو القاتل الذي أدانته المحكمة وعند هذا الحدّ ينتهي دورها وتكون قد أعطت الجميع “الحقيقة” كما هي. شيء أشبه بشعار (سلوغان) قناة “الميادين”: “الواقع كما هو”. الواقع طبعاً كما تراه “الميادين”. “كما هو” من وجهة نظر “الميادين”.

في قضية المرفأ يتفق الأفرقاء، كما اتفقوا في قضية اغتيال رفيق الحريري، على أنّ الحقيقة المطلوبة يجب ألا تكون مستفزّة لأي طرف، ويجب أن تًراعي التوازن الطائفي، وألا تصبّ زيت التوتر على نار الفتنة

“الحقيقة كما هي”. هذا هو الشعار. “كما هي”، لكن كما يًراد لها أن تكون من المتهمين أنفسهم. المتهمون جميعاً يفصّلون الحقيقة على قياسهم، وإلا فيرفضونها جميعاً. ويتضامنون إذا نالت من أحدهم. يتكاتفون ضدّها، ويشيطنوها. “الحقيقة كما هي”. يجب ألا تخرج عن الإجماع “الوطني” في تعريفها وفي تحديد مآلاتها سلفاً. هي “الحقيقة” نفسها التي انتهى إليها اتفاق الطائف بصيغة “لا غالب ولا مغلوب”. شيء أشبه بالتعادل السلبي في نهائيات كأس العالم من دون “هدف ذهبي” ولا ركلات ترجيح. نتيجة سلبية دائماً، لكنّها تضمن استكمال اللعب باللاعبين أنفسهم، والجمهور نفسه، وإلى ما لا نهاية.

إقرأ أيضاً: هل سيجيب قرار القاضي صوّان على تقرير FBI؟

باختصار، يريدون للحقيقة في قضية تفجير المرفأ أن تكون مطابقة للحقيقة في قضية اغتيال رفيق الحريري، طالما أنّ القاتل موجود ومُدان ومحكوم بالسجن المؤبّد غيابياً، فلماذا لا يُحمّل هو نفسه الحقيقة الجديدة التي بمقدورها إخراج الجميع من المأزق:

سليم عياش، بعد أن قتل رفيق الحريري، فجّر مرفأ بيروت… “منتهية”.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…