سعد الحريري المتخصّص بهزيمتنا

مدة القراءة 3 د


ماهر متخصّص سعد الحريري بإلحاق الهزيمة بحلفائه وبيئته وناسه وأنصاره ومحبّيه، لطالما نادى علينا بمعارك كنّا نظنها كبرى، وكنّا في اليوم الثاني نستيقظ ولا نجده، نسأل عنه فلا مجيب.

إقرأ أيضاً: الحزب يرفض “تضحية” الحريري: من قال لكَ إننا نريد حكومة؟

هكذا حصل معنا بعد انتخابات 2009. نزلنا رجالاً ونساء، شباباً وصبايا، عجائز وكهولاً. جميعنا كنّا كالصف المرصوص منتظرين في الطابور، كي نصوّت في الصندوق، ونقول إنّ بيروت لا يمكنها أن تموت. هَزَمْنا يومهم المجيد في الصندوق، فإذا بسعد يبدّده بالليلة نفسها بصفقة ليس فيها صفقة، وبتسوية دون نقاط أو بنود. هكذا حصل معنا أيضاً في معركة رئاسة الجمهورية وصمدنا، وقلنا سراً وعلانية للآخرين، إننا لن نتنازل، ولن ننتخب رئيساً أنتم تختارونه. في ليلة غاب فيها ضوء القمر، ولم يصح الديك عند السحر، خرج علينا سعد بتسوية، مجدّداً دون نقاط أو بنود، فانتخب ميشال عون رئيساً وهزمنا جميعاً كالعادة. نحن من كنّا معه ولأجله نعترض ونثور، ثمّ أعطى العهد وحلفاءه على طبق من فضة قانون انتخاب يمكنهم عبره من القبض على الوطن وكلّ الأمور. الكلّ أشار عليه برفضه، حتى الشهيد الرفيق أحسبه قد أتاه في المنام محذّراً: “إياك يا ولدي أن تعطيهم ما ستندم عليه لاحقاً، وحينها لن تنفع الدموع”. وهَزمنا مجدّداً أيضاً كالعادة، في القانون وفي الصندوق وفي قلب بيروت، وتسلّقوا نصب الشهيد شامتين منتقمين رافعين راياتهم فوق النصب. وأحسبهم كذاك المحتل عندما دخل دمشق، واتجه إلى قبر صلاح الدين الأيوبي قرب المسجد الأموي، فركل الضريح بقدمه، وقال: “قم صلاح الدين ها نحن عدنا فُرساً وروم..”.

اليوم مجدّداً يُظهر سعد الحريري تخصّصه ومهارته بهزيمتنا. نحن كلنا حلفاؤه وناسه حتى شهداؤنا الساكنون في القبور

وهكذا فعل بنا سعد عندما شكّل حكومته بعد الانتخابات عام 2018، وفتح الصناديق والأبواب لصديقه جبران، بعد أن طرد من حوله كلّ الصقور. وبقي كذلك حتى حين استقال، ففي ورقته الاصلاحية كما أسماها ما زال في ملف الكهرباء يعطي صديقه رغم كلّ ما جاءه منه من سوء.

اليوم مجدّداً يُظهر سعد الحريري تخصّصه ومهارته بهزيمتنا. نحن كلنا حلفاؤه وناسه حتى شهداؤنا الساكنون في القبور. من قال له أن يخوض معركة وزراة المالية، وأيّ حكيم أشار عليه بها، وهو الوحيد الذي في حكوماته كان تكريس هذه البدعة للثنائي الشيعي بكلّ مفردات الموافقة والقبول. لقد صنع لأخصامه إن كانوا حقاً خصومه نصراً مجانياً دون جهد أو سعي، فَرزْقُ الأذكياء من السماء يهبط، ومعروف كيف يتحقّق ويكون. فلتشكّل الحكومة دون إثارة إشكالية كهذه، حينها تسير الأمور كما كانت تسير دون مباركة خارجية للتعدّي على الدستور.

نعم، نحن ضحايا سعد الحريري وإدارته السياسية، وهو من أوصلنا الى أرذل العهود

والخشية أن يكون سعد الحريري يتلذّذ بهزيمتنا، بقهرنا. والخشية الأكبر أنه بات حملاً ثقيلاً على بيئته وناسه والأحبة والأقارب، وعلى كلّ من في فلكه يدور.

لقد ادّعى سعد الحريري مراراً وتكراراً أنه “ضحية”، عند كلّ استحقاق انتخابي أو سياسي أو اقتصادي أو قضائي، وكان يستقطب الناس من حوله كمتضامنين ومتعاطفين مع الضحية المسكين، فيما الواقع أننا كطائفة نحن كنّا وما زلنا في موقعنا بالشراكة الوطنية، في وجودنا بمناطقنا، في وظائف الدولة، والأهم الأهم في احتفاظنا بكرامتنا الجماعية ضحيته. نعم، نحن ضحايا سعد الحريري وإدارته السياسية، وهو من أوصلنا الى أرذل العهود.

مواضيع ذات صلة

الحروب ليست حلّاً…  

عالم الحروب اليوم أعمق وأخطر، وقد وصل إلى قلب أوروبا بهجمة روسيا على أوكرانيا عام 2022 التي استمرّت حتى اليوم. وكأنّما كانت إسرائيل تنتظر مسوِّغاً…

“الحزب” يتموضع مسبقاً شمال اللّيطاني؟

يتحضّر “الحزب” لـ”اليوم التالي” للحرب. لا يبدو أنّ بقيّة لبنان قد أعدّ عدّة واضحة لهذا اليوم. يصعب التعويل على ما يصدر عن حكومة تصريف الأعمال…

كيف استفاد نتنياهو من تعظيم قدرات الحزب للانقضاض؟

كلّما زار آموس هوكستين بيروت في الأشهر الماضية، كان المسؤولون اللبنانيون وبعض المتّصلين به من السياسيين يسرّبون بأنّها “الفرصة الأخيرة”. لكنّه ما يلبث أن يعود،…

نتنياهو هزم الجنرالات…

ما حكاية الخلاف الشديد بين بنيامين نتنياهو وجنرالات الجيش والأمن في إسرائيل؟ لماذا يبدو أبطال الحرب أقرب إلى التسويات السياسية مع الفلسطينيين، بل مع حلّ…