حين سُئل النائب شامل روكز خلال إحدى مقابلاته التلفزيونية عن هامش المصارحة الذي يعتمده خلال حديثه مع عمّه رئيس الجمهورية ميشال عون، أجاب بإقتصاب كليَ: “أفضّل الإختصار وعدم الاسترسال في قول كلّ ما يجب قوله.. ما بحب زعّلو. ومع ذلك، أنا لا أتردّد في قول قناعاتي. يأخذ بها أو يتجاهلها. هذا أمر آخر”.
قد تكون هذه الإجابة هي النسخة المخفّفة والدبلوماسية من واقع بات مَن في القصر وخارجه يعرفه تماماً: جبران باسيل وشامل روكز خطان لا يلتقيان تحت سقف “عوني” واحد. وحين أُتيح لميشال عون الاختيار لم يتردّد لحظة واحدة في الاستثمار بالمشروع الذي راهن عليه منذ البداية: جبران أولاً.
خلافات العائلة، مصيبة إضافية فوق مصائب العهد. لم تعد الأمور قابلة للترميم أو حتّى للإصلاح. بتململ جلس لوقت قصير على طاولة تكتّل “لبنان القوي”، مع علمه بأنّ بعض نواب “التكّتل” حاربه قبل الانتخابات النيابية وبعدها. ولا يتردّد “الجنرال” في تظهير الهوّة التي باتت تفصله عن سياسات العهد مع خيط رفيع يحرص على التمسّك به حتى آخر لحظة: أعرف ميشال عون جيداً، وأعرف خامته. وليس هو المسؤول عن خراب البصرة. ثمّة من تكفّل بضرب صورته وتدمير مسار طويل راكمه منذ كان قائداً للجيش حتى وصوله إلى سدّة الرئاسة. خلف هذا التوصيف يقف رجل واحد إسمه جبران باسيل.
في حكومة سعد الحريري الأخيرة رَصَد روكز حالات بالجرم المشهود لتسلّط قوى سياسية على وزراء في الحكومة
شامل روكز كان ضمن الـ42 نائباً الذين لم يسمّوا أحداً لرئاسة الحكومة. لم يحضر جلسة مناقشة الموازنة، وسيفكّر مرتين قبل اجتياز الحواجز البشرية في جلسة منح الثقة لحكومة حسان دياب. مسار متوقع ومفهوم لا يستقيم سوى مع دعوة على شكل نصيحة من نائب كسروان للمتظاهرين: “تجنّبوا التصادم مع القوى الأمنية، وجّهوا غضبكم نحو المكان الصحيح حيث مكامن الهدر والفساد والسرقة الموصوفة”.
وقوفه الدائم إلى جانب ميشال عون وثقته بوطنيته وآدميته لا يمنعه من قول الأشياء بأسمائها: الاستمرار في النهج الذي كان قائماً سابقا سيقود إلى الانهيار الكامل. لذلك، يراهن على ما سيتضمنه البيان الوزاري، ومنه سيحدّد خياره بحضور جلسة الثقة أو مقاطعتها.
في حكومة سعد الحريري الأخيرة رَصَد روكز حالات بالجرم المشهود لتسلّط قوى سياسية على وزراء في الحكومة. لم يجد حرجاً في كشف أنّ بعض هؤلاء الوزراء من المحسوبين على تكتل “لبنان القوي”. تماماً كما المحاولة المكشوفة لوضع اليد على القرار في وزارة العدل ومصادرة صلاحيات ألبير سرحان، أحد الوزراء الذين اختارهم رئيس الجمهورية من حصته. يومها، سمّى في مجالسه الخاصة وزير العدل ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية السّابق سليم جريصاتي، بالإسم، محمّلاً إياه جزءاً من المسؤولية حيث “بدأت المشكلة معه”. ستكون كبرى المفارقات تلك الدموع التي ذرفها القاضي سرحان، دون غيره من الوزراء، في يوم التسليم والتسلّم في وزارة العدل متأثراً بالدعم الذي قدّمه له “فخامة الرئيس”.
وها هو روكز يحذّر مرة أخرى من تكرار التجربة مع الوزراء التكنوقراط. قد يكون روكز من أوائل النواب الذي طالبوا بحكومة اختصاصيين وأكّفاء، لكن~ التركيبة الحكومية لم تأتِ على قدر آمال النائب الاصلاحي، بالرغم من تسليمه بالعديد من الكفاءات داخلها. يقول نائب كسروان: “ليست هذه القماشة التي كنّا نفتش عنها”.
تَجمَع روكز معرفة وصداقة ببعض الوزراء، منهم وزير الداخلية محمد فهمي ووزير البيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطار ووزيرة الدفاع زينة عكر عدره
يتوقع روكز أمام تركيبة اللون الواحد والأسلوب المحاصصاتي في اختيار الوزراء أن يتعرّض بعض هؤلاء إلى ضغوطات خلال عملهم داخل وزاراتهم. ويقول لموقع “أساس”: “أنا أجزم بأنّ عدداً منهم لن يقبل بهذه الضغوطات”، ويضيف: “لقد قطعت مثلاً وزيرة العدل ماري كلود نجم الطريق على أيّ ضغوطات محتملة عبر التأكيد أنّها مستعدة للتوقيع على التشكيلات التي سيعدّها مجلس القضاء الأعلى من دون تدخل من جانبها، وأنا أصدّقها بأنّها ستقف بوجه أي تدخل سياسي. وفي حال حصل اعتراض لهذا المسار فنحن كنواب سنعمل على تعديل القانون بما يتيح منع الهيمنة السياسية على التشكيلات القضائية، وهو الأمر الذي درجت عليه كل العهود. عمل مجلس القضاء الأعلى سيكون على المحك، ولن يكون لديه حجّة بأنّه يعمل تحت الضغط سوى ضغط الكفاءة والخبرة والأقدمية”.
تَجمَع روكز معرفة وصداقة ببعض الوزراء، منهم وزير الداخلية محمد فهمي ووزير البيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطار ووزيرة الدفاع زينة عكر عدره. ويراهن على العديد منهم كي يقفوا سدّاً منيعاُ بوجه التدخلات. ويضيف: “أعتقد أيضاً أنّ العديد منهم لن يقبل بالاستمرار بعدّة شغل غيره، وأقصد هنا بعض المستشارين الذين أصرّت مرجعيات سياسية على بقائهم في مواقعهم، خصوصاً أنّ بعض هؤلاء يتعدّى دوره الاستشاري مع الوزير ليتعاطى بفوقية ويصدر الأوامر إلى الموظفين وهذا أمر غير مقبول، ومنهم من عيّن وزيراً في الحكومة الحالية”.
في المحصّلة، يرى روكز أنّ “عمر الحكومة لن يكون طويلاً لمجرد أنّ قرارها غير مستقل ومرهون لمن أتى بها. وامتحان الموازنة كان أوّل الغيث بتبنّي رئيس الحكومة لموازنة الحكومة السابقة”.