سيّدي البطريرك بشارة الراعي، أسألك وأنا اللبناني المُسلم ابن بيروت. الذي ترعرع ودرس في المدرسة البطريركية بزقاق البلاط، حيث كنّا ندخل إلى الصف على قرع جرس الكنيسة. ونغادر إلى المنزل بعد أن يقرع جرس الكنيسة، ندخلها صباحاً لنتلو دعاء الصباح باللغة الفرنسية.
أسألك سيدي البطريرك عما هو الأكثر قداسة؟ رمزية منصب سياسي أم دماء رجل مسيحي؟ في الإسلام ينقل الحديث المرويّ عن رسول الله محمد (ص)، أنّ دم المؤمن أقدس عند الله من الكعبة المشرفة، وإن خُيّر أحدكم بين قتل مؤمن أو هدم الكعبة فليهدم الكعبة، ولتنقذ دماء هذا المؤمن: “لأن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا، أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم”.
إقرأ أيضاً: الحزب تحت الصدمة.. لن يستسلم
.. سيّدي البطريرك، لا يختلف الإسلام عن المسيحية في قدسية حياة الإنسان ورقيّها فوق كلّ المقدّسات. ما صنعناه منها بأيدينا وما هبط منها من السماء. ليس هناك من مركز أو منصب أغلى من دماء الناس، التي سقطت مضرّجة بالدماء على أرصفة الكنائس في الجميزة ومار مخايل وبرج حمود وسليم سلام. ليس هناك من منصب يمكنه أن يعلو فوق هذه الدماء.
.. سيّدي البطريرك، إنّ بقاء الرئيس ميشال عون في رئاسة الجمهورية هو ضرر على الموارنة وعلى لبنان. واستقالته أو دفعه للرحيل هو باكورة الحلّ حيث لا يكفي إسقاط الحكومة ورئيسها حسان دياب. فالحدّ الأدنى لإمكانية النهوض، هو إسقاط ميشال عون بالصوت والصورة، وبكامل أوصاف السقوط كما يجب أن يقول البيان.
سيّدي البطريرك، التاريخ يحمل قلمه منتظراً أن يكتب سطوراً من المجد، أو أن يكتب ورقة وفاة لبنان
لا نريد أن نصدّق سيّدي البطريرك، أنّ مطالبتك باسقاط رئيس ماروني يفوق قدرتك وإمكانية القرار والكلام. فما هو معروف سيّدي أنّ المبادرات الشجاعة ضرورية في الأزمات الكبيرة التي لا يمكن مواجهتها بمبادرات تقليدية مرّ عليها الزمان. وإنّ ما حصل في مرفأ بيروت فاجعة كبرى تحتاج لموقف كبير من بطرك كبير يجب أن يكتب اسمه في التاريخ بهذا الزمان. هي ليست بسابقة ولا خروج عن عرف أو عن مبدأ. فقصة البطريرك أنطون بطرس عريضة عام 1952 بإسقاط بشارة الخوري معروفة من الناقورة وصولاً الى أعالي جرود كسروان. وجَسارة موقف البطريرك بولس بطرس المعوشي عام 1958، التي أخرجت كميل شمعون عار من كلّ صفة، هي نفسها الجسارة التي قدّمت مصلحة الإنسان المسيحي والمسلم على كلّ حسابات بعض الرهبان.
.. سيّدي البطريرك، التاريخ يحمل قلمه منتظراً أن يكتب سطوراً من المجد، أو أن يكتب ورقة وفاة لبنان.
قلّ للسيّد ميشال عون: “حان وقت الرحيل”. أو على الأقل دع الشعب والقوى السياسية المسيحية أن تقول له: “ارحل”. ونيافتك ترفع عنه الغطاء متواطئاً مع الناس لإنقاذ ما بقي من هذا البنيان.
لقد أعاد زلزال بيروت المسيحيين إلى جلدتهم السياسية، إلى حيويتهم الوجودية، إلى إيمانهم بهذا الكيان. لقد حطّم الانفجار تماثيل السياسة والشعبوية، التي كادت أن تعيدهم إلى عبادة الأوثان. لقد اقتنعوا أنّ الضمانة لا يحقّقها شخص، ولا حزب، ولا منصب، بل يحقّقها بقاء الدولة والمؤسسات لأنّها تعني بقاءهم وبقاء لبنان.