بقلم إيصال صالح/ كاتب بالفرنسية من لبنان
حين تخضع الديمقراطية في لبنان إلى تصفية ايرانية من اغتيالات، وعمليات شراء الأصوات الضخمة، وضربات القوة، لا يعود بمقدارنا استنتاج أنّ حزب الله ممثّل في البرلمان كما لو كنا في حال انتخابات فرنسية. لقد أثبت حزب الله مرارًا وتكرارًا أنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإرهاب الدولي وهو ناشط عالميًّا في هذا المجال، كما في التهريب العالمي للأسلحة والمخدرات وحتى، مؤخرًا، في نترات الأمونيوم.
إقرأ أيضاً: ماكرون: استراتيجية طرح الشيء ونقيضه
لذلك لا يمكنكم أن تتذرّعوا بأن حزب الله عنصر أساسي في السياسة اللبنانية، وأنه انتُخب ديمقراطياً كي تبرّروا دعوتكم له للنقاش. حين يجري ترقيم الديمقراطية ببضع مئات من الاغتيالات والاختطافات والاختفاءات غير المبرّرة، فإن ذلك لم يعد يطابق فهمكم للديمقراطية.
حزب الله اغتال رفيق الحريري الذي كان مرشده رئيسًا فرنسيًا آخر أنقذ لبنان، حيث ساعد رفيق الحريري على تحقيق القرار 1559 الذي حرّرنا من الديكتاتورية السورية
أنتم في وضعية جيدة لتعلموا ذلك، يا سيد ماكرون، حيث إنّ انفجار السيارة المفخّخة عام 1983 كلّفكم (كلّفنا، لأنني فرنسي أيضًا) أرواح أكثر من خمسين جنديًا فرنسيًا من قوات حفظ السلام. كانت هذه السيارة من صنع النسخة الإيرانية الأولى من حزب الله، على ما أكده مرارًا الاشتراكيون الثوريون الفرنسيون. من ناحية أخرى، تعرّض الباحث الفرنسي ميشال سورا للاختطاف والاغتيال البارد من قبل حزب الله لسبب بسيط، وهو أنّ كتابه الذي نشره في إطار مركز سيرموك (Cermoc) (“سوريا، دولة الهمجية”) كان مثيراً لحفيظة الديكتاتور السوري آنذاك، حافظ الأسد.
الابن مثل الأب: دمّر بشار بلاده، وقتل 500000 من مواطنيها لمجرّد الاحتفاظ بالسلطة، وذلك بمساعدة نشطة من حزب الله المنتخب “ديمقراطياً”، حسب رأيكم. لقد أرسل نصر الله الآلاف من قتلته اللبنانيين- الإيرانيين الذين تدرّبوا في مدارس الحرس الثوري الإيراني لتحقيق الاستقرار في أنظمة العراق وسوريا واليمن ولبنان، التي خضعت لإيران من خلال استعباد طويل ومترامي الأطراف بواسطة ميليشيات حزب الله التي تُخضِع هذه الشعوب الثلاثة بالسلاح والاغتيالات. حزب الله اللبناني أو حزب الله العراقي أو الحوثيون في اليمن أو حتى الإسلاميون من حماس في غزة، إنها الوجوه المتعدّدة لـ “الديمقراطية” نفسها، تلك الأسلحة الاستبدادية الإيرانية.
حزب الله اغتال رفيق الحريري الذي كان مرشده رئيسًا فرنسيًا آخر أنقذ لبنان، حيث ساعد رفيق الحريري على تحقيق القرار 1559 الذي حرّرنا من الديكتاتورية السورية. حافظوا على تقليد سلفكم. كلّ اغتيالات قيادات 14 آذار نفّذها حزب الله، لذلك من غير اللائق القول إنّ هؤلاء انتخبهم الشعب اللبناني. انفوا هذا الرأس الإرهابي من السياسة الفرنسية، واعتبروا حزب الله ميليشيا إرهابية.
إذا كنتم تريدون أن تسود الديمقراطية في لبنان يومًا ما، وبعد زيارتكم الأخيرة المفيدة للبنان والتي منحت الأمل والشجاعة لمواطنينا، وكثير منهم فخورون وسعداء بكونهم فرنسيين، فنحن نعلم أنها رغبتكم الأكثر عمقًا. لذا، فهي الشيء الوحيد الذي يجب عليكم فعله. هذا ما نتوقّعه من فرنسا ورئيسها، لأن هذا ما صنع عظمة فرنسا منذ عام 1789.
احتل حزب الله مكانه في مجلس النواب اللبناني وفي الحكومة وفي رئاسة الجمهورية حيث يجلس الذي فرضه نصرالله دون خجل، بعد عامين من عرقلة الانتخابات والتهديدات بكل أنواعها التي دفعت كلّ مطالب بالاستقلال إلى قبول شروط حزب الله المعيقة التي أملاها خامنئي وبشار الأسد
سيادة الرئيس ماكرون، نحن ملايين اللبنانيين الذين يحبون فرنسا. إذا كان من الصعب عليكم المطالبة بتطبيق 1559، ووضعه تحت الفصل السابع للأمم المتحدة لأن الروس ضده، فحينئذ على الأقل لا تعترفوا بتنظيم خامنئي وبوتين في لبنان.
أخضِعوا حزب الله مثلما أخضعونا.
اكشفوا الأمر على حقيقته، لأن هو بنفسه لا يخفيه.
لماذا سنقوم بإخفاء ارتباطه بالإرهاب الإيراني ورغبة جماعة آية الله في إلقاء حجاب الهيمنة على الشرق الأوسط بأسره بينما يسعى نصرالله جاهداً لتوضيح ذلك لنا عبر التلفزيون؟ هو يخبرنا بفخر أنه ينتمي إلى السلطة الثيوقراطية لإيران، فلماذا نردّ عليه بتحالفات سياسية غير طبيعية أو خلفيات دولية غير معلنة؟
احتل حزب الله مكانه في مجلس النواب اللبناني وفي الحكومة وفي رئاسة الجمهورية حيث يجلس الذي فرضه نصرالله دون خجل، بعد عامين من عرقلة الانتخابات والتهديدات بكل أنواعها التي دفعت كلّ مطالب بالاستقلال إلى قبول شروط حزب الله المعيقة التي أملاها خامنئي وبشار الأسد، وذلك لتجنّب كارثة اقتصادية وسياسية ومالية، انتهى بها الأمر مع ذلك إلى وصول لبنان وجرّه إلى الهاوية لأن النظام السوري دعا حزب الله بشكل متزايد للالتفاف على القيود الأميركية القديمة على بشار، وكذلك على العقوبات الجديدة المتعلّقة بقانون “قيصر”. تزايد فساد حزب الله عبر الحدود مع زيادة العقوبات الأميركية. حصل حلفاؤه على حصتهم ليسكتوا الفضائح، لكن الفضائح انفجرت، وألقت بأغلبية الشعب اللبناني في الشارع.
هذه الأغلبية هي التي تطالبكم بالعدالة يا سيد ماكرون.
لقد سرقوا ديمقراطيتها، وسرقوا ممتلكاتها، وصادروا حريتها.
لم يبق لديها شيء.
بلى، لا زالت تأمل في أن تسمع فرنسا صوتها، وأن تعرف الفرق بين أغلبية برلمانية تحقّقت بالسلاح، وأخرى تحقّقت “على الطريقة الفرنسية”.
هذه ليست ديمقراطية يا سيد ماكرون. إنها دكتاتورية مقنّعة تقوم على الترهيب والضغوط السياسية والميليشياوية، ومن ضمنها التهديد المستمر والثقيل بالحرب الأهلية، كما كان الحال عدة مرات منذ اغتيال الحريري عام 2005.
استمعوا إلى صوت شعبكم الثاني، السيد الرئيس ماكرون.
تفضّلوا بقبول التعبير عن احترامي العميق.
*لوريان لوجور- 3 أيلول 2020
لقراء النص الأصلي اضغط هنا