دياب يرفض منح الحاكم صلاحيات بعمر حكومته

مدة القراءة 5 د


في كل مرّة يتحدّث رئيس الحكومة حسان دياب أو يقدم على خطوة، يثير أزمة. آخر هذه الأزمات كان إصراره على تعديل المادة السابعة في مشروع قانون الـ”كابيتل كونترول” الذي أُجّل البتّ به أمس، بسبب الخلاف على تفاصيله. قبل ذلك، قال دياب في خطاب “تعليق سداد الدين” الشهير إنّ النموذج الاقتصادي الذي أرسته السياسات السابقة “أثبت عجزه”، واعداً ببناء اقتصاد آخر “متين قائم على أسس صلبة محدّثة”، تترافق مع إطلاق الخطة الإنقاذية.

كل هذا يشي بأنّ دياب وحكومته يتخبّطان، يعتمدان الكلام الإنشائي نهجاً للإصلاح. حكومته تمسك بخارطة طريقها “بالمقلوب” مثل المهندس الذي يضع “خرائط لمبنى يبنيه بعد الإنتهاء من البناء”. الحكومة تستبق المراحل وتعكسها: تطرق باب صندوق النقد الدولي لطلب المساعدة، وتعلّق دفع ديون الـ”يوروبوند”، تسعى لقوننة الـ”كابيتال كونترول”، ثم يتحدث رئيسها عن مخاض لولادة نموذج اقتصادي آخر جديد، قبل التأكّد ما إذا كان السابق على قيد الحياة أو فارقها ووجب دفنه… وهذا كله قبل وضع خطة إنقاذية مكتوبة وواضحة.

إقرأ أيضاً: فجور موريس وأزمتنا الاقتصادية

أوساط دياب تتحدث عن أنّ خطة الحكومة ستبصر النور في 11 أيار المقبل، وزير المالية غازي وزني أكّد ذلك أيضاً في تصريح لوكالة “رويترز” الخميس الفائت، إذ قال إنّ الخطة “ستكون جاهزة خلال أسابيع”، لكنّ ذلك يُنبىء بكارثة، ربما تداركتها “نعمة” الشلل الذي يمرّ فيه العالم اليوم بفعل انتشار فيروس كورونا الذي أخّر “سقوط الهيكل” أسابيع أو ربما أشهر… أحد لا يعلم.

في قانون الـ”كابيتل كونترول”، تكشف المعلومات أنّ دياب يريد انتزاع صلاحية “تحديد السحوبات” بالدولار الأميركي من يد المصرف المركزي والمصارف، ويضعها بيد مجلس الوزراء، ضارباً بعرض الحائط إستقلالية مصرف لبنان والأضرار التي قد تلحق بسمعة القطاع المصرفي التي باتت في الحضيض أصلاً، غير آبهٍ بالقدرة الفعلية للمصارف على تلبية طلبات المودعين.

مصادر مصرفية مواكبة للمفاوضات كشفت لموقع “أساس” أنّ دياب يتحفّظ أيضاً على مدة القانون المحدّدة بثلاث سنوات، ويعتبرها طويلة جداً ولا لزوم لمنح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة صلاحيات من عمر الحكومة المفترض. المصادر نفسها تهزأ من تحفّظات دياب، وتقول: “الضوابط على سحوبات الدولار تتطلّب خمس سنوات وأكثر للخروج من الأزمة. هذا إن خرجنا، لكن الكار ليس كاره… معذور لأنّه لا يعلم”. كما أنّ عدداً ليس بقليل من الوزارء يبدي رغبته بتعديل بعض المواد، ولهذا ارتأت الحكومة أن تدرس التعديلات في جلسة الثلاثاء المقبل، على أن يُبت بالقرار في جلسة الخميس في قصر بعبدا.

المصارف بدورها تتوجّس من التعديلات، صحيح أنّ مشروع القانون سيحميها من الدعاوى القضائية التي باتت بالمئات ضدّها في المحاكم، لكنّ في الوقت نفسه سيطلق يد السياسين ضدها. القانون سيتجاوز صلاحيات المصرف المركزي واستقلاليته، وهذا سيؤثّر في عمله وعمل المصارف المحلية مع المصارف المراسلة في الخارج.

وفي هذا الصدد كشف دكتور الاقتصاد والعلوم المصرفية محمد فحيلي، أنّ مجلس الوزراء “لن يستطيع فرض ضوابط السحب بالعملة الأجنبية (المادة رقم 7) إلا بعد التنسيق مع مصرف لبنان والمصارف وموافقتها”، لأنّ وضع قاعدة واحدة لتسري على المصارف كلّها “أمر مستحيل”، فلكل مصرف ظروفه ونوعية زبائنه وحساباته، و”ما يسري على هذا حتما لن يسري على ذاك”. كما أنّ للأمر “تداعيات مدمّرة لعلاقات المصارف المحلية مع المصارف المراسلة ولحاجاتنا التجارية، ولا أظن دياب سيخاطر بهذا الأمر”.

أما عن حديث دياب حول نموذج اقتصادي جديد قبل أسبوع، فقال فحيلي: “لا يمكن الحديث عن نموذج جديد قبل أن تتبلور الخطة الإنقاذية”. كل ما يمكن الحديث عنه الآن هو “سيناريوهات ربما تُنفّذ وربما لا”، معتبراً أنّ أيّ كلام حول تغيير النموذج الاقتصادي في هذا التوقيت هدفه “حرف النظر عن مطلبي استعادة الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد”، اللذين يطالب بهما الشارع.

فحيلي: “إذا كان القرار غبياً، فلا يعني هذا أبداً أنّ النموذج غبي”

ورأى فحيلي أنّ التحول في النموذج الاقتصادي “بدأ منذ العام 2017 قبيل الانتخابات النيابية، في حينه أخذت الأمور منحاً غريباً عن نموذجنا المعهود”. شهدنا انفلاشاً غير مسبوق في القطاع العام “موّلته المصارف بقرارات غبية فاتها التقييم الجدّي والموضوعي لمخاطر هذه التوظيفات. وكانت قرارات مرتبطة بطموحات بعض المصرفيين ورجال المال لتبوّؤ مناصب سياسية. فإذا كان القرار غبياً، فلا يعني هذا أبداً أنّ النموذج غبي. القرارات التي اتُخذت في حينه قبّحت النموذج ورسمت حدوداً لفعاليته”.

أما الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي، فكشف لموقع “أساس” إنّ كلام دياب حول تغيير النموذج الاقتصادي لا قيمة له وهو مجرد كلام إنشائي، وسأل: “كيف يريد تغيير النموذج الإقتصادي وما زال سلامة والطبقة السياسية التي أوصلتنا إلى هنا في مكانها؟”.

سأل يشوعي: “من كلّف دياب بإعلان إفلاس لبنان؟”

وفيما رأى أنّ عدم دفع سندات “يوروبوند” كان خطأً كبيراً، أسف لاستعجال دياب في إعلان إفلاس لبنان بهذا الشكل، وسأل: “من كلّف دياب بإعلان إفلاسنا؟ كان الأجدى العمل على ملفات داخلية أولاً وتسديد سندات يوروبوند (استحقاق 9 آذار) بأقل من قيمتها بـ40% ثانياً. كان حرياً به وبمصرف لبنان منع المصارف من بيع هذه السندات إلى الخارج. هل باعتها من أجل السيولة أو بسبب صفقة ما؟ الله أعلم”.

كما قال للحكومة والمصارف: “رُدّوا للناس حقوقها. لقد فشلتم في إعادة الثقة إلى هؤلاء الناس. وإذا لم تتمكنوا من اقناعهم بإعادة ودائعهم المحفوظة في المنازل إلى المصارف… فاستقيلوا”. وفي الختام خلص إلى أنّ الحكومة “في حال ضياع وهي غير مناسبة للظروف التي نمرّ فيها اليوم”.

 

مواضيع ذات صلة

لبنان “البريكس” ليس حلاً.. (2/2)

على الرغم من الفوائد المحتملة للشراكة مع بريكس، تواجه هذه المسارات عدداً من التحدّيات التي تستوجب دراسة معمّقة. من التحديات المالية إلى القيود السياسية، يجد…

لبنان بين “وصاية” صندوق النّقد وتسهيلات “البريكس” (1/2)

أثارت الأزمة الاقتصادية المعقّدة في لبنان مناقشات حول البدائل المحتملة لصندوق النقد الدولي، حيث اقترح البعض أن تتحوّل البلاد إلى “البريكس” كمصدر لدعم التعافي. وبالنظر…

لبنان على القائمة الرمادية: إبحار المصارف في حالة عدم اليقين(2/2)

بعدما عرضت الحلقة الأولى من التقرير، تداعيات إدراج لبنان على القائمة الرمادية، تتناول الحلقة الثانية الإجراءات التفصيلية التي ستترتب على هذه الخطوة، سواء في ما…

إسرائيل تعرّي النّفط الإيرانيّ ولا تشعله

يحتاج الاستنتاج السريع بأنّ إسرائيل حيّدت منشآت النفط الإيرانية من ضربتها، إلى الكثير من التدقيق. واقع الأمر أنّها أعطت الأميركيين ما يريدونه فيما وجّهت إلى…