سعر صرف الدولار كان الشغل الشاغل للبنانيين كلهم وهاجسهم اليومي خلال العام الفائت، ومن أكثر الـTopics قراءة بين المواضيع الصحافية كلّها. يرتفع ويهبط بحسب الظروف الاقتصادية والسياسة، ووفق آلية معقّدة ومتنوّعة المُدخلات. أكثر من لاعب دخل على خطّ تحديد سعر الصرف وكان آخرهم تطبيقات الهواتف الذكية.
خلال سنة كاملة، أو ما يزيد قليلاً عن سنة، شهد سعر الصرف تقلبات جمّة، نحصيها ونعدّد أسبابها في “بانوراما” شاملة مع أفول سنة 2020، التي كانت ذاخرة بالويلات والمصائب الاقتصادية والأمنية والسياسية على السواء.
بعد ثورة 17 تشرين الأول 2019 بنحو شهر كان سعر صرف الدولار يتراوح بين 2000 و2400 ليرة لبنانية للدولار الواحد. في حينه كان للرسائل النصية على “واتساب” تأثير كبير على سعر السوق من خلال بثّ الشائعات. لكنّ السعر في حينه كان خاضعاً بالفعل لعملية “العرض والطلب”، وكان مصرف لبنان لا يزال قادراً على الإيفاء بالتزاماته المالية، خصوصاً استحقاق سندات اليوروبوند، وكان ذلك قبل إعلان الحكومة اللبنانية عدم قدرة لبنان على السداد، بشكل متهوّر.
كانون الثاني: 2150 ليرة
في منتصف شهر كانون الأول 2019، أطلّ رياض سلامة على اللبنانيين ليقول إنّ “المصارف غير مُلزمة بدفع أموال مودعيها بالدولار وإنّما باللّيرة اللبنانية”. في حينه بدا الأمر وكأنّه خارطة طريق أو “تعليمة” مبطّنة تلقفتها المصارف وبدأ مسلسل “نهب” الودائع.
الهدف من هذا القول كان خلق طلب مصطنع على الليرة اللبنانية باعتبار أنّ هامش الفرق بين السعر الرسمي وسعر السوق لم يكن كبيراً جداً، كما كان الحديث عن الـHaircut لا يزال في مهده. في حينه أيضاً ألمح سلامة إلى إمكانية إعادة النظر بعدد المصارف العاملة في لبنان، وهو ما كان يبشّر بفتح الباب على عمليات دمج واسعة قد تخفّض عددها إلى أقلّ من النصف. لكنّ هذا الكلام بقي في إطار التلميح ولم يبصر النور حتّى اللحظة.
شباط: 2500 ليرة
منتصف شهر شباط، بلغ سعر الصرف عتبة الـ2500 ليرة لبنانية. تلك المرحلة زخرت بتوجيه أصابع الاتهام إلى مصرف لبنان بالتخلي عن مهامه، والاستعاضة عن ذلك بتسلّط القضاء والأجهزة الأمنية على الصرافين المخالفين للتسعيرة التي فُرضت عليهم وكانت بحدود الـ30% زيادة على سعر الصرف الرسمي، وذلك تحت طائلة تسطير محضر ضبط أو سحب الترخيص أو السجن للمخالفين.
بعد ثورة 17 تشرين الأول 2019 بنحو شهر كان سعر صرف الدولار يتراوح بين 2000 و2400 ليرة لبنانية للدولار الواحد. في حينه كان للرسائل النصية على “واتساب” تأثير كبير على سعر السوق من خلال بثّ الشائعات. لكنّ السعر في حينه كان خاضعاً بالفعل لعملية “العرض والطلب”
آذار: 2650 ليرة
تلك المرحلة أيضاً (شهر آذار) كانت شاهدة على نسف مشروع قانون الـ”كابيتل كونترول”. وقد ضرب رئيس مجلس النواب نبيه برّي على صدره وقال: “لن يمرّ”، بحجّة حماية المودعين. فتبيّن لاحقاً أنّ نسف المشروع كان لحماية المصارف وليس المودعين، كما ساهم نسفه بتبخّر الأموال.
نيسان: 3850 ليرة
شهر نيسان كان شهر التعاميم التي عمد مصرف لبنان إلى نثرها كالأرز فوق رؤوس المصارف والعملاء. فشهد ولادة التعميم رقم 547 الخاص بإقراض العملاء المتعثّرين ومساعدتهم على دفع رواتب العمال والمصاريف التشغيلية في المؤسسات، لكن قلة قليلة استفادت منها. ثم التعميم رقم 148 الخاص بدفع الأموال للمودعين دون الـ3 آلاف دولار شرط إقفال الحسابات. كانت الخطة ترمي إلى التخلص من المودعين الصغار “جلابي وجع الرأس”، والمتسببين بالأزمات على أبواب المصارف الموثقة Live على صفحات التواصل الاجتماعي.
أما التعميم الآخر فحمل الرقم 149، ونصّ على إنشاء وحدة خاصة في مديرية العمليات النقدية، تتولى التداول بالعملات الأجنبية النقدية “وفقاً لسعر السوق”، وتتولى كذلك “إنشاء منصة إلكترونية” تأخّر اطلاقها أشهراً عدّة. هذه المنصة كانت امتحاناً قاسياً لمصرف لبنان، فشل من خلاله في إثبات قدرته على ضخّ الدولارات في السوق. كما كانت الانطلاقة الفعلية لخلق 3 أسعار صرف، هي: السعر الرسمي، سعر المنصة، وسعر السوق السوداء. في تلك المرحلة كان تداول الدولار قد بدأ بالدوران في فلك الـ3000 ليرة للدولار الواحد وما فوق في السوق السوداء.
شهر نيسان شهد أحداثاً دولارية كثيرة، ففي منتصفه أصدر مصرف لبنان قراره الشهير الذي قضى بدفع التحويلات الخارجية بواسطة الشركات بالعملة الوطنية. هذا القرار خلق أزمة في سوق التحويلات وقلّص حجمها إلى الحدود الدنيا بسبب الفرق بين سعر المنصة التي حُددت بـ2600 ليرة وبين سعر السوق القريب من 3850 ليرة.
أيار: 4500 ليرة
في نهايات هذا الشهر أيضاً، ألزم مصرف لبنان المودعين بسحب دولاراتهم من المصارف بسعر المنصة، وكانت تلك بداية دخولنا في نفق الـHaircut المقنع، حيث لامس سعر الصرف مع بدايات شهر أيار عتبة الـ4000 ليرة، ثم بدأ بالارتفاع التدريجي إلى ما دون الـ5000 طوال شهر أيار وكانت المرة الأولى التي يرى فيها سعر الصرف الرقم 5 آلاف في شهر حزيران.
حزيران: سريعاً فوق 5000 ليرة
حزيران كان شهر الربط بين أزمة الليرة السورية والليرة اللبنانية. دخل اللاعب السوري على خط شراء الدولارات من السوق اللبنانية، ونشطت حركة الصرافة بشكل مكثّف في المناطق القريبة من الحدود. تزمناً، سجلت الليرة السورية انهياراتٍ في سعر صرفها كما سجلّ الدولار للمرة الأولى خلال شهر حزيران رقم 5000 ليرة. أُطلقت التطبيقات على الهواتف الذكية واستطاعت لاحقاً أن تطيح بقانون “العرض والطلب”، وثم أنّ تفرض نفسها على الساحة كجهة قادرة على تحديد سعر “السوق السوداء” عملاً بأهواء مشغليها ومن دون أي مسوّغ أو شروط سوقية واضحة، وكل ذلك بسبب تأثر الناس بها بشكل كبير جداً.
شهر نيسان كان شهر التعاميم التي عمد مصرف لبنان إلى نثرها كالأرز فوق رؤوس المصارف والعملاء
خلال هذا الشهر أيضاً، دخل مصرف لبنان على خط مدّ صرافي “الفئة أ” بالدولارات (300 ألف دولار يومياً) لتمويل الإستيراد ولدفع رواتب الموظفين الأجانب وللمواطنين العاديين بمعدل 200 دولار شهرياً لكلّ شخص، وفُسّرت في حينه على أنّها “هدية” من مصرف لبنان لجمهور”حزب الله” بسبب تزايد تهريب البضائع المدعومة ومنها المشتقات النفطية إلى سوريا.
تموز: 9000 ليرة (أعلى رقم)
شهر تموز شهد أعلى مستوى لسعر صرف الدولار خلال سنة 2020. لامس صرف الدولار عتبة الـ9000 ليرة بسبب تهافت الناس على سحب أموالها من المصارف بسعر المنصة، ثمّ شراء الدولارات من “السوق السوداء”، وهذا ما ألزم “المركزي” بطباعة أوراق “بنكنوت” لبنانية وشحنها، وكان موقع “أساس” السبّاق في الكشف عن هذا المعطى الجديد.
آب: 7000 ليرة
أما انفجار المرفأ بداية شهر آب، فتسبب بانخفاض سعر الصرف مع بدء تدفّق المساعدات العينية والمالية. في تلك الفترة، انخفض سعر الصرف إلى حدود 7000 ليرة لبنانية وما دون، كما تنامى الحديث عن وقف الدعم الذي أقرّه مصرف لبنان في نهاية 2019. الحديث عن وقف الدعم مردّه إلى سببين: بدء شحّ احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة، واستنزاف هذا الاحتياطي بتهريب المحروقات والطحين وغيرها من السلع المدعومة إلى الأراضي السورية، وعمليات تهريب لسلع أخرى مثل المواد الغذائية والأدوية إلى دول عربية متنوعة.
أيلول: 6600 ليرة
خلال شهر أيلول وتشرين الأول (ذكرى الثورة) استدرك مصرف لبنان خطورة ضخّ هذا الكم الهائل من الليرات في السوق، فلجأ إلى سياسة “الخنق” من خلال إلزام المستوردين بإيداع الأموال اللبنانية “كاش” في حساباتهم لدى المصارف، من أجل موافقته على بيعهم الدولارات المدعومة. كما “قونن” في المقابل سحوبات المصارف نفسها بالليرة اللبنانية.
هذه السياسة استطاعت أنّ تلجم سعر الصرف وتخفّضه من 8600 إلى حدود 6600 تقريباً، أي بحدود 2000 ليرة في غضون شهر، لكن ليس لمدة طويلة.
شهر تموز شهد أعلى مستوى لسعر صرف الدولار خلال سنة 2020. لامس صرف الدولار عتبة الـ9000 ليرة بسبب تهافت الناس على سحب أموالها من المصارف بسعر المنصة، ثمّ شراء الدولارات من “السوق السوداء”
تشرين الأول: 7500 ليرة
عاود سعر الصرف الارتفاع مع دخولنا النفق الحكومي المتعرّج، فتشابك الاقتصادي بالنقدي بالسياسي وخصوصاً مع الحسابات الشخصية الضيقة.
إقرأ أيضاً: الدولار: المواطنون كانوا أذكى من الصرّافين هذه المرّة..
تشرين الثاني وكانون الأول: 8000 ~ 8500 ليرة
عاد الحديث عن العقوبات الأميركية، ثم دخلنا في مرحلة انتظار “تسلّم وتسليم” كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة، ودخول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وما رافق ذلك كله من رهانات على “المبادرة الفرنسية” المعطّلة والمؤجّلة. كلّ ذلك أدّى إلى قذف الأزمات إلى السنة المقبلة، التي تبدو مُثقلة أكثر من سابقاتها بالمزيد والمزيد من الأزمات… فتشبثوا واربطوا الأحزمة أيها اللبنانيون.